2025/11/17

Sociology of smell and Odours (42) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح


 في هذا الجزء، سيتركَّز الحديث حول عملية الشم وعلاقتها بالتواصل في حياة البشر 

تُميِّزُ حاسة الشم كل كائن حي أو غير حي في الطبيعة. يمكن أن تختلف حساسيتها ومناطق تأثيرها بإختلاف أنواع الكائنات الحية والتركيبات الفيزيائية للدماغ والأنف.

ويسبب هذا الإختلاف ظهور تمايزات متنوعة ضمن النوع الحيّ الواحد.

 إلى جانب الإختلافات بين الجنسين لدى البشر، تجلب حاسة الشم، وإنبعاث الرائحة، معها تغيرات في الإنفعالات الحسية والمواقف لدى الإناث وحقب حيواتهن المتنوعة.

تحضر حاسة الشم لدى كل كائن حي طوعاً أو كرهاً وهي مرتبطة بالتواصل بين الأشخاص، بل وتسمى أيضاً بنظام التواصل بين الأشخاص وتواصل الإنسان مع نفسه حتّى1. 

التواصل الروائحي الشميّ في سياقات إجتماعية محددة 

 يبدأ شال وآخرون بتقديم مراجعة شاملة للأدبيات، التي تتوسع بسرعة حول أهمية روائح الأمهات في حياة الرضيع النامي. تبدأ العلاقة مع رائحة الأم حتى قبل الولادة، حيث يتعلم الطفل رائحة السائل الأمنيوسي والأطعمة التي تتناولها الأم، وتصبح العلاقة مع رائحة الأم مهمة بشكل خاص في الساعات التالية للولادة، مما يسهل عملية العثور على الثدي والإلتصاق به والحصول على اللبأ أي الغذاء الحيويّ لحياة الوليد. كما يرون بأن العلاقة بين الأم والطفل هي عملية شمية مستمرة، حيث أن التعلم في مرحلة من مراحل الحياة يمهد الطريق للمرحلة التالية، بحيث أن تعلم رائحة الثدي ليس سوى بداية لدور مستمر للرائحة في علاقة الطفل بالأم، وكذلك، علاقاته الإجتماعية مع الآخرين، خلال طفولته وما بعدها. 

وكما تقترح فردينزي وآخرون، فإن إختيار الشركاء هو السياق الأكثر بحثاً على مستوى التواصل الشمي البشري حتى الآن.

رغم هذا، يرون أنه لا تزال هناك قيود كبيرة تواجه فهمنا لهذا الأمر.

على ضوء هذا، يحددون تحديات رئيسية أمام البحوث المستقبلية ضمن هذا النطاق البحثيّ الشميّ، من قبيل:

 أولاً، يقترحون أننا بحاجة إلى توسيع نطاق بحثنا من روائح منطقة الإبطين إلى الروائح الصادرة عن أجزاء أخرى من الجسم، ويقدمون أدلة أولية تشير إلى إدراك روائح الرأس والوجه بشكل مختلف عن إدراك رائحة الإبطين، على الأقل لدى الرجال.

كذلك، يدعون إلى إجراء المزيد من التركيز على معالجة الآليات الحسية الكيميائية الكامنة وراء إطلاق الأحكام بين الأشخاص، وإختبارها والتحقيق فيها لدى ثقافات مختلفة، ومراعاة الممارسات الثقافية مثل إستخدام العطور ووسائل منع الحمل الهرمونية.

وأخيراً، يدعون إلى إتباع منهج متعدد التخصصات بشكل متزايد وإعتماداً على خبرات الأخصائيين بعلم الأعصاب وعلم الأحياء المجهريّ وإختصاصات علمية أخرى2. 

لدى البشر، بشكل قليل، تسهم حاسة الشم في التعرف على الأشياء أو الأشخاص الآخرين، رغم هذا، فهي تلعب دوراً إجتماعياً وإنفعالياً حسيّاً مهماً. ويتعلم الناس حب أو كره أطعمة، أو أشياء معينة، من خلال تقدير رائحتها فقط، وقد ثبت أن هذا عبارة عن عامل إقتصادي مهم للغاية. 

ويبدو أن الدور الأكثر أهمية للإشارات الشمية عند الإنسان: 

 يتمثل بتعديل سلوكه وعلاقاته الشخصية وإنتمائه إلى جماعات أو طبقات إجتماعية معينة، ولحاسة الشمّ تأثير كبير على أذواقه وشخصيته3. 

يتركَّز حقل واسع من البحث النفسيّ الشمّي حول مدى تأثير الروائح، وإلى أيّ حدّ تؤثِّر حال تأثيرها، على التواصل بين الأشخاص وعلى سلوكهم البينيّ. في هذا المنحى، على وجه الخصوص، يُلجَأُ إلى المُلاحظات والمُقارنات وإجراء إختبارات على الحيوانات لأجل تحديد تشابهات أو تناظرات وظيفية محتملة بينها وبين البشر. 

يفترض كل من كامبر ووالف في مقدمة مجموعتهم الخاصة بموضوع "تقلُّص الحواس" بأنّ حاسة شمّ الروائح، كباقي الحواس القريبة:

بالكاد قد أثرت التغيرات الحضارية على عملها في الجسم، والتي تتضمن واقع التواصل الاجتماعي اليومي، في الإدراك اليومي وفي التواصلات اليومية، بحيث تتابع قيامها بوظائفها بفعالية وموثوقية ويتجلى هذا بقرب الإنسان من الحيوانات سيما على صعيدي التغذية والتكاثر الجنسي. 

 إعتباراً من وجهة النظر هذه، ينشأ انطباع متهوّر وسطحي، بحيث لا تلعب الروائح دوراً مهماً في غالبية نطاقات الحياة الاجتماعية الحديثة، حيث تُستخدم مزيلات الرائحة أكثر من أيّ وقت مضى في جميع مناحي النشاط البشري: 

 التهوية في العمل، أثناء الاستهلاك، فترة الراحة والاماكن المسكونة، خلال النقل الصناعي ومصادر سلبية أخرى للروائح بالنسبة للمناطق المأهولة، عمليات التنظيف المعتادة، نظافة المسكن والنظافة الشخصية وأثرها المضاد للرائحة ..الخ. 

يساهم كل هذا بإعتبار العلامات الشمية أمراً ثانوياً في المخيال الإجتماعي، ما يؤدي إلى تقليص هيمنتها وتدجينها وتهميشها وإنهائها. لهذا السبب، تظهر الرائحة في المجتمعات الحديثة، بشكل رئيسي واضح، كبضاعة: 

 تجارة المواد المزيلة للروائح الجسدية والنسيجية، منتجات تنظيف وتقنيات، كذلك، المواد العطرية الجسدية والبيئية، حيث توضح الأرقام أهمية هذه التجارة، وبالتالي، حضور صناعة كاملة خاصة بهذا المنحى. 

مع هذا ومن ناحية أخرى، عندما يتجلى المعنى الاجتماعي للروائح عبر تجارة المواد الروائحية وهو ما يمكن لأيّ مراقب التأكُّد منه، ينحصر نقاش هذا الموضوع، في الآونة الأخيرة، في نطاق طروحات العلوم الاجتماعية وبشكل ضئيل حتى الآن. 

في ظلّ هذا الوضع القائم، لا يُستغرب إهتمام علم الاجتماع بموضوع يُعتبر جديداً على هذا العلم كحاسة الشمّ والروائح. يهتم، بشكل أساسيّ، بسياق نقاش مباشر أو غير مباشر للإدراك البشريّ وللحواس – يُشار، هنا، إلى محاولات وسائل الإعلام وبعض حقول علم الإجتماع كعلم اجتماع الموسيقى - بعملية تهميش الروائح، وتتجلى هذ العملية بالإمتناع الإجتماعي عن نقاش هذا الموضوع وغياب الأبحاث التجريبية التي يمكنها إبراز التعاطي الراهن في مجتمعنا، وفي المجتمعات الغربية بالعموم، مع الروائح.

تواصل المؤمنين روائحياً 

ترمز الرائحة للإشتراك في عمل ديني جماعي؛ فهي تنقل – بشكل أكبر مما يحصل مع إدراكات حسيّة أخرى -  ما هو مُشترك ومُوحِّد في العمل الإجتماعي. في المعنى الدوركهايمي، يمكن تفسير الإستعمال الديني الطقوسيّ للروائح (البخُّور وسواه)، بالتالي، كظاهرة إجتماعية حقيقية4. 

بحسب باتريثيا غراو – ديكمان، الأخصائية بالعلوم الإنسانية والإجتماعية: 

"تنتمي العطور للإله لا للبشر، لكن، مع وصول المسيحية، سمح الإله للإنسان بالإشتراك في تقدير هذه المتعة الإلهية، ولهذا، يُسجِّلُ مُختاريه برفقة العطور الزكيّة: مريم، بولس، المجدلية، مرقس.  يهبهم نعمة "الموت برائحة القداسة"، فيتحولون هم ذاتهم إلى وسطاء مكسوين بالقداسة". 

تعكس الوثائق الأقدم المرتبطة بأوائل العبادات المنظمة حضور عنصر مُشترك لدى مختلف الأديان: 

 تلعب الروائح الزكية – العطور والبخّور وسواها – دوراً هاماً في الطقوس الدينية المتنوعة وفي التأمُّل وفي الصلوات والدعوات وفي التواصل مع الألوهيات. فقد لجأ المؤمنون لتقديم العطور كقرابين لتُقبَل وتُستجاب دعواتها خلال صلواتها لآلهتها5.

يتبع

المصادر

1. Olfactory Communication: Olfaction Process and Communication Relation. Research Asist. Sanem Bengü Uygunkan. Anadolu University

Online Journal of Communication and Media Technologies. Special Issue: December 2017

2. Human olfactory communication: current challenges and future prospects. S. Craig Roberts, Jan Havlíček and Benoist Schaal. Published:20 April 2020

https://doi.org/10.1098/rstb.2019.0258

3. The importance of the olfactory sense in the human behavior and evolution. C Sarafoleanu, C Mella, M Georgescu, C Perederco

https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC3018978/

4. Die soziale Konstruktion olfaktorischer Wahrnehmung. Eine Soziologie des Geruchs. Dissertation zur Erlangung des akademischen Grades des Doktors der Sozialwissenschaften an der Universität Konstanz. Vorgelegt von Jürgen Raab im September 1998

Kamper, Dietmar/Wulf, Christoph (Hg.): Das Schwinden der Sinne. Suhrkamp, Frankfurt am Main: 1984.

Durkheim, Emile: Die elementaren Formen des religiösen Lebens. Suhrkamp, Frankfurt am Main: 1984.

5. ALAZHAR, Aromas de Leyenda como objeto de estudio. Editor: Editorial de la Universidad de Granada. Autor: Iluminada Pérez Frutos D.L.: GR 1936-2014. ISBN: 978-84-9083-107-6

 للإطلاع على مواضيع أخرى ذات صلة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (1) تعريف علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (2) عدم الإهتمام بهذا العلم

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (3) أهمية الروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (4) آراء أخصائيين بعلم الإنسان بهذا الموضوع

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (6) دور الروائح في النفور والإنجذاب

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (7) تفادي الروائح الكريهة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (8) رائحة الأزهار وهويّة شميّة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (9) إدارة الإنطباع الحسي

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (10) إدارة الإنطباع الحسي متابعة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (11) متابعة الحديث حول الإنطباع الحسي

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (12) نهاية الحديث حول الإنطباع الحسي

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (13) مناهضة الحواس، سيما حاسة الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (14) مواقف فلاسفة وأخصائيين إجتماعيين من الموضوع

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (15) مواقف قديمة داعمة للموضوع

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (16) معاني وتصنيفات الروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (17) العلاقة بين الشمّ والروائح والذاكرة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (18) كيفية بناء التقييم الشميّ 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (19) حاسة الشمّ والأغذية والتذوُّق

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (20) الرمزية الشميّة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (21) تاريخ وسياسة حاسة الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (22) الشمّ والروائح والتقسيم الطبقيّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (23) حاسة الشمّ والروائح والتقسيم الجندريّ الجنسيّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (24) الروائح والعنصرية

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (25) عوالم حسيّة مختلفة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (26) الروائح والشمّ في الطبّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (27) أهمية بحث علم الإجتماع للروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (28) الروائح والهويّة وخسارة القدرة على الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (29) رائحة الفم (النَفَسْ) الكريهة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (30) رائحة الأقدام الكريهة 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (31) جورج زيميل وحاسة الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (32) روائح المدن

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (33) العلاقة بين حاسة الشم والروائح واللغات 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (34) الروائح في العمل التجاري 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (35) الأديان الإبراهيمية والروائح والشمّ 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (36) الروائح البيئيّة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (37) ضعف حاسة الشم لدى البشر؟!

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (38) مفهوم رائحة الأجنبيّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (39) الفنّ الشميّ أو الروائحيّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (40) الروائح الجسدية عموماً

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (41) رائحةُ الإبطين الكريهة

No comments: