Thursday, July 17, 2025

Sociology of smell and Odours (18) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

 

في هذا الجزء، سنتحدث حول بناء التقييم الشميّ، إجتماعياً، منطلقين من السؤال الآتي:

 كيف يُبنى التقييم أو التقدير الشمي؟ 

بدايةً، إندرجت دراسات الإدراك من خلال الحواس الجسدية ضمن حقل معرفي، ينتمي إلى علوم مثل علم النفس بشكل أساسيّ، إعتباراً من بدايات القرن العشرين. 

مع ذلك، خلال القرن التاسع عشر، شدَّدَ كارل ماركس على الطابع الإجتماعي المُفترض للحساسية والحواس الجسدية، بما هو أبعد من الإدراك الفرديّ. ففي مخطوطاته الفلسفية والإقتصادية العام 1844، يُشيرُ ماركس إلى عدم وجود "يقين حسي طبيعي"، فالأشياء التي نُدركها هي "مُنتَج تاريخي". من الأمثلة التي يذكرها هي شجرة الكرز. فعلى مستوى المشهد الطبيعي، جرى نقل هذه الشجرة المثمرة إلى أوروبة منذ قرون معدودة فقط، لهذا، يندرج "تصوُّر شجرة الكرز" في فعل مجتمع معين وحقبة محددة. من هنا، يعتبر ماركس بأنّ: 

"تشكيل الحواس الخمس هو عمل كامل التاريخ الكوني السابق أو السالف". 


إذاً، التفكير بالحواس الجسدية كمشكلة إجتماعية وتاريخية ليس جديداً؛ مع ذلك، فإن بروزها على مستوى البحث المؤسسي المُعترف به في العلوم الإجتماعية: 

 هو حديث نسبياً. 

في هذا الإتجاه، يمكن التعرُّف على حقل علمي إسمه "دراسات حسيّة"، قد تغذَّى من وجهات نظر مختلفة بالعلوم الإجتماعية. يتجلى علم إجتماع الحواس من خلال هذا الإنفتاح على الدراسة الإجتماعية للنطاق الحسي الجسدي1. 

بالعودة إلى السؤال المطروح أعلاه، نجد إجابة مباشرة عليه في مقال "نحو علم إجتماع لحاسة الشمّ والروائح" لأنتوني ساينوت، على الشكل التالي: 

"لا يُبنى التقييم أو التقدير الشمي، السلبي أو الإيجابي، من خلال الذكريات الشخصية فقط، بل عبر التعليم والتدريب من قبل الآباء والخبراء أيضاً. نتأقلمُ إجتماعياً مع ما تعتبره ثقافتنا ذو رائحة محبذة أو كريهة، أي مع "التذوق" الأنفي إذا جاز التعبير. يتمتع بعض الأفراد بقدرات شميّة تفوق ما لدى آخرين منها؛ بالعموم، هم أشخاص قد "درَّبوا" أنوفهم: كالعطارين ومتذوقي الشاي والطباخين وصانعي النبيذ وسواهم. مع ذلك، يستمر النقاش حول حضور "القدرة الشمية" بالولادة أو هي شيء صنعي تعلُّمي ..الخ. 


بحسب انتوني ساينوت، ربما تُعتبر هيلين كيلر ذات الأنف الأشهر، فقد بيَّنَت كيف ساعدها أنفها على "تعلُّم الكثير حول الناس. غالباً، أعرف عملهم. تلتصق روائح الخشب والحديد والطلاء والمواد الكيميائية بثياب العاملين بها. لهذا، يمكنني تمييز النجار من الحداد والفنان من البنّاء أو الكيميائي. عندما يعبر شخص من مكان لآخر بسرعة، يتولد لديّ إنطباع شمي حول المكان الذي أتى منه: مطبخ، حديقة أو غرفة المرضى"2.

كذلك، قالت كيلر بأنّ البالغين (أكثر من الأطفال، وهو ما قد يُفاجيء كثيراً)، بالعموم، يصدرون "رائحة شخصية" مميزة وواضحة؛ هي تتجاوز مفهوم "بصمة الرائحة"، التي كبصمة الأصابع، تميز كل شخص حيث تتمكن كلاب الشرطة وسواها من تحديد هويتهم، حيث تعتبر كيلر بأنّ لهذه الروائح قيماً هائلة. يستحق رأيها كل الإهتمام، ليس لأجل "انفها" الممتاز" فقط، بل لأنها تطرح قضيّة هامة حول العلاقة بين الرائحة والشخصية. 

فهي تقترح الآتي: 

لدى بعض الأشخاص رائحة غير محددة، تطير في الهواء مستهزئة بأيّ جهد لتحديد هويتها. هم سراب تجربتي أو خبرتي الشمية. أحياناً، أتعرَّفُ على شخص لا رائحة شخصية مميزة له، ونادراً ما أجده متمتعاً بالحيوية أو مسلياً. من جانب آخر، في كثير من الأحيان، شخص ذو رائحة نفّاذة لديه الكثير من الحيوية والطاقة والنشاط الذهني3. 

يُكتسَبُ البُعد الإجتماعي للرائحة من خلال الخطابات المهيمنة بفضاء معين وإطار تاريخي معين - فمنذ الطفولة، نتعلم ما هي الروائح المحببة وتلك الكريهة. وهكذا، تصبح الرائحة مؤشرًا على موقع الفرد في التسلسل الهرمي الإجتماعي. تربط الروائح بين الأفراد (وتفصلهم) في الحال، دون تعميم الأشكال التقليدية للوعي أو الأخلاق أو الجماليات. هو ليس فعلًا واعياً تمامًا؛ فالرائحة تنفرنا وتدفعنا لإطلاق أحكام قيمية. ومع ذلك، ماذا يحدث إذا حاولنا من خلال عدسة العقلانية تحديد الأسباب، التي تعتبر المشمومات، إجتماعياً، لطيفة أو ذات مخاطر محتملة؟4 

يمكن القول بأنّ الفكرة الجذرية بالفهم الإجتماعي للإدراك الحسي تتجلى بإختبار الواقع – إضافة إلى تشكيله أساسياً – من خلال الحواس. يدخل العالم الخارجي إلى عقولنا وخبراتنا، فقط، عبر الحواس، يقود لإحساس بالعالم إلى بناء وإعادة تشكيل الطريقة التي يتركب العالم من خلالها (فانيني وآخرون، 2011: 168). في سياق نصهم التمهيدي حول علم إجتماع الحواس، على سبيل المثال، يصف فانيني وآخرون (2011: 15) وجهة النظر العامة لهذا الحقل على النحو التالي: 

يشعر البشر كما يصنعون الإحساس. تتكوَّن عملية خلق الأحاسيس من ممارسات إجتماعية وثقافية مدروسة ومتجسدة لا يمكن إختزالها أو تفسيرها عن طريق العمليات الفيزيولوجية فقط. وفق هذا المنحى، يتلازم الشعور مع صنع الإحساس بالضرورة وهما مشتركان ومتبادلان في ممارسات نشطة ومنعكسة فنبدو فاعلين أو مفعولاً بهم معاً بناءاً على إدراكنا للأحاسيس أو على فشلنا في إدراكها5. 

أخيراً، بغية إختبار الفكرة التي تتحدث عن تعلُّم الإستجابات للروائح تبعاً للسياق الحسيّ، حيث تُدرَكُ بشكل مباشر للمرّة الاولى، أجريت دراسة قد إقترنت خلالها رائحة جديدة مع خبرة حسية إيجابية أو سلبية. إكتشفوا أنه بعد عملية الإقتران أو الربط هذه: 

قد إختلفت تقييمات الرائحة وفقاً للإحساس المتولد المقترن بها؛ مما يجعل إدراك الرائحة كجيِّدة أو سيِّئة (زكيّة أو كريهة)، بناءاً على الخبرة المُقرِنة التي إكتسبها المُشارِك. 

ربما تظهر حالة فيها تأثير السمات الحسية الشمية غير مُكتسَب: 

 عندما تبدو الروائح مُهيِّجة (على سبيل المثال، رائحة الامونيا)، وبالتالي، يظهر إحساس بعدم الراحة بذات وقت إدراك الرائحة، وهو ما يحدث عندما تحفز الرائحة العصب ثلاثي التوائم إضافة إلى إثارة الإحساس الشمي6. 

يتبع

المصادر 

1. Body and senses: the sociological analysis of perception, Olga Sabido Ramos, Metropolitan Autonomous University, Azcapotzalco campus, Mexico City, Mexico 

2. A sociology of smell, Anthony Synnott. The Canadian Review of Sociology and Anthropology, vol. 28, nº 4, in November 1991

3. Keller, Helen. 1908 ‘Sense and Sensibility.’ Century Magazine, 75(Feb.): 566-77, 773-83; 1974 The Story of My Life. New York: Dell (first published 1902).

4. https://theanthro.art/the-construction-of-an-olfactory-other/

5. Perceptual Construction: Rereading the Social Construction of Reality Through the Sociology of the Senses. Asia M. Friedman, University of Delaware, USA 

6. Do scents affect people's moods or work performance?, Rachel S. Herz, an assistant professor of psychology at Brown University, provides the following explanation:

https://www.scientificamerican.com/article/do-scents-affect-peoples/

للإطلاع على مواضيع أخرى ذات صلة

 (1) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(2) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(3) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(4) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(5) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(6) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(7) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(8) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(9) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(10) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(11) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(12) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(13) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(14) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(15) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(16) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(17) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(19) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(20) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(21) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(22) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(23) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(24) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(25) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(26) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

No comments:

Post a Comment