2025/10/14

Sociology of smell and Odours (37) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

في هذا الجزء، سنتحدث حول حاسة الشم لدى الإنسان من خلال طرح التساؤل، التالي: 

هل حاسة شمّ البشر ضعيفة مقارنة بحاسة شمّ كائنات حيّة أخرى؟ 

في نقاشه حول حاسة الشم في كتابه ”عن الروح“، ادعي أرسطو أن حاسة الشم لدى الإنسان ضعيفة جداً مقارنة بحاسة شمّ الحيوانات1. 

حتى العالم تشارلز داروين، قد إعتبر بأنّ حاسة الشمّ غير "مفيدة كثيراً" للإنسان المُتحضِّر، عندما يتعلق الأمر بالكشف عن الروائح. 

علماً أنّ هناك دراسة تقول بمضاهاة حاسة شمّ البشر لحاسة شمّ الكلاب2. 

لكن، لماذا حاسة الشم لدينا "أضعف"؟

جواب الذكاء الإصطناعي المأخوذ من مصادر عديدة، هو: 

حاسة الشمّ عندنا ضعيفة، للأسباب التالية: 

1. حضور عدد أقل من الجينات المسؤولة عن المُستقبلات الشميّة: أدى تطور الإنسان، ولا سيما تطور الدماغ الكبير والجهاز البصري الأبرز، إلى إنخفاض عدد الجينات المسؤولة عن المستقبلات الشمية الوظيفية مقارنة بالرئيسيات والثدييات الأخرى. 

2. بُنى شمية أصغر: مقارنة بالحجم الإجمالي للدماغ، فإن البصيلات الشمية البشرية أصغر نسبياً وأكثر إنبساطاً من تلك الموجودة لدى حيوانات مثل الكلاب والقوارض.

3. تضاؤل الأهمية: مع تطور البشر برؤية متقدمة والتمتُّع بإمتلاك قدرات أخرى، مثل استخدام الأدوات، قد انخفضت الحاجة إلى حاسة شمّ حادة للغاية من أجل البقاء على قيد الحياة. 

ردّ الذكاء الإصطناعي على جوابه الوارد أعلاه والمأخوذ من عدّة مصادر: 

دحض خرافة ضعف حاسة الشم لدى البشر بناءاً على الأسباب التالية: 

    1. لحاسة شمِّنا حساسية عالية: رغم أن حاسة الشم لدى البشر أقلّ حِدّة منها لدى حيوانات أخرى، إلا أنها لا تزال جيدة جداً. يمكن للبشر إكتشاف جزيئات صغيرة للغاية والتمييز بين تريليون رائحة مختلفة. 

2. حاسة الشمّ ضمن سياقات متنوعة: غالباً ما يُتصوَّر "ضعف" حاسة الشم عبر مقارنة البشر بالحيوانات، التي تعتمد على حاسة الشم في تحقيق وظائفها الأساسية، مثل البحث عن الطعام أو الشركاء، كما هو الوضع لدى الذئاب أو القطط، على سبيل المثال لا الحصر. 

3. حواس متنوعة بقدرات متفاوتة: يتمتع البشر بإمتلاك حواس أخرى متطورة للغاية، مثل الرؤية اللونية الاستثنائية والحساسية اللمسية في أطراف أصابعهم، ولديهم قدرة عالية على التحمل ومؤهلات معرفية معقدة. 

ردود أخرى على ضعف حاسة الشمّ البشريّة 

من الشائع الإعتقاد بأنّ حاسة الشم لدى الإنسان ضعيفة مقارنةً بها لدى أنواع الثدييات الأخرى. ومع ذلك، فإن هذه الفكرة ليست مستمدة من الدراسات التجريبية على حاسة الشم لدى الإنسان، بل هي مستمدة من فرضية عالم تشريح شهير من القرن التاسع عشر مفادها أن تطور الإنسان قد تطلب تقليل الحجم النسبي للبصلة الشمية في الدماغ.

في الواقع، البصلة الشمية البشرية كبيرة جدًا وتحتوي على عدد مماثل من الخلايا العصبية المماثلة لدى الثدييات الأخرى. علاوة على ذلك، يتمتع البشر بقدرات شمية ممتازة. يمكننا إكتشاف وتمييز مجموعة غير عادية من الروائح وتمييزها، ونحن أكثر حساسية من القوارض والكلاب لبعض الروائح وبإمكاننا تتبع مسارات الروائح، وتتأثر حالاتنا السلوكية والإنفعالية الحسية بحاسة الشم3. 

أحد أسباب إستمرار حضور هذه الأسطورة هو التحيز التأكيدي. وغالباً ما تُعتبر هذه المسألة كمشكلة علمية: 

حيث يصعب تبديد النتائج الأولية المثيرة التي ينتهي بها الأمر لتُعتبر خاطئة. بعد بول بروكا، تم تأييد أي دليل قد وجده العلماء ويساهم بتعزيز فرضية "قدرة البشر الضعيفة على الشمّ"، في حين أُبْعِدَ أي دليل معاكس4. 

في ورقة بحثية جديدة، ينوه جون ماكغان إلى حضور عدد متزايد من العلماء، الذين يجادلون بأن حاسة الشم لدى الإنسان غير فعّالة بالقدر الكافي. 

علماً أنّه بإمكاننا تتبع آثار الرائحة ونميّز بين الروائح المتشابهة ونكتشف مجموعة واسعة من المواد، وأحياناً، بحساسية أكبر مما لدى القوارض والكلاب منها.

 نحن نعيش في عالم غني بالروائح والحساسية، حيث تؤثر الروائح بعمق على إنفعالاتنا الحسية وسلوكنا. 

 يخلص ماكغان إلى قول: 

"لقد تعلمت في المدرسة بأن حاسة الشم لدى الإنسان ليست ذات قيمة. نُدرَّس هكذا في دورات علم النفس التمهيدية وهي موجودة في الكتب المدرسية. لكن، هذا الأمر برمته مًنفصل عن الواقع"5. 

رغم ذلك، وبحسب بحث علميّ وراثيّ منشور في "بلوس جينيتيك" العام 2022، عندما اختبر العلماء تصورات الأفراد لمختلف الروائح، وجدوا أدلة على أن حاسة الشم لدى البشر بحالة تراجع مع مرور الوقت التطوري. وقد اكتشفوا مستقبلين جديدين في الأنف يساعدان على التمييز بين بعض الروائح المحبَّبة وتلك الكريهة.

عندما تُحفِّزُ الجزيئات الروائحيّة، المنتشرة في الهواء، الخلايا العصبية المتخصصة الموجودة في الأنف، يفسر الدماغ ذلك على أنه رائحة أو مزيج من الروائح. يمتلك البشر حوالي 800 مورِّثة (جين) مسؤولة عن المستقبلات الشمية، التي قد تمتلك اختلافات طفيفة فيما بينها بين أفراد البشر، وهو ما يؤدي لظهور إختلاف بطريقة إدراك الرائحة. تساعد النتائج الجديدة في تفسير سبب أن رائحة عطر معين، على سبيل المثال، قد تبدو ممتعة للبعض وقوية أو مُزعجة للغاية لآخرين.

يقول جول مينلاند، الأخصائي بعلم الأعصاب في مركز مونيل لدراسة الحواس الكيميائية ومشارك في البحث، لنيكولا ديفيس من صحيفة الغارديان: 

 "ما زلنا، في رأيي، جاهلين بشكل مدهش بما تفعله جميع مستقبلات الشم وكيف تتفاعل مع بعضها البعض لترميز او تشفير الإدراكات الشمية"6. 

بين ضعف حاسة الشمّ وضعف الروائح 

يقوم التفاعل التكيُّفيّ مع الروائح على تناقص تدريجي بشدّة الإحساس بها: 

وهو ما يعطي الإنطباع بضعف الروائح التدريجيّ البطيء، الأمر الذي يقود إلى عدم إستقبال الرائحة بالنهاية أو عدم الإحساس بها أو بوجودها.

فيما لو نُظِرَ إلى هذا الأمر، خلال وقت طويل، كإرهاق للجهاز الإدراكي على المدى القصير، فهناك قناعة اليوم، تقول:

 أنّه تكيّفٌ مثاليٌّ للجهاز مع محيطه، فتصبح مصادر الروائح، التي تتحول لعوامل ثابتة تقريباً، ذات أهمية أقلّ بالنسبة للكائن من مصادر الروائح الجديدة، والتي تعمل على إحداث تغييرات سلوكية سريعة أحياناً.  

في حال القدرة على ملاحظة عملية التكيُّف خلال أيّة لحظة إستقبال للروائح، فالتعوُّد هو الذي يُميِّز بينها، والذي يُشير حصراً إلى الروائح المألوفة للفرد، والتي تحظى بإهتمام أقلّ منه في الحياة اليومية مقارنة بروائح غير مُتوقعة أو جديدة.

كذلك، بُحِثَت عوامل أخرى مرتبطة بالعمر والتغذية وتؤثِّر على الإدراك الشمّي (تعبير عن حدّة حاسة الشمّ).

على سبيل المثال، يمكن لكميات قليلة من الكحول زيادة حدّة حاسة الشمّ، وبما يُعاكس الرأي الشعبي، لا يبدو إستهلاك التبغ سبباً لتقليل حِدّة القدرة على الشمّ، ويرتبط هذا الأمر بالقدرة على تجدُّد الغشاء المخاطي الشميّ. 

في المقابل، تقلّ القدرة على التمييز بين الروائح المختلفة بتقدُّم العمر، بكلمات أخرى، تضعف حاسة شمِّنا بتقدّمنا بالعمر. 

لدى الجنين، على سبيل المثال، تتشكل المُخاطية الشميّة من مادة خلوية سليمة وتمتد من سقف الأنف إلى جدران الأنف؛ في حين نجد تدهوراً حاصلاً في المخاطية الشمية لدى البالغين:

 إعتباراً من عمر 80 عام، تصبح القدرة الشميّة لدى 75% من الأشخاص محدودة7.

يتبع 

المصادر 

1. A WORLD OF SENSATIONS: THE EIGHTH TO THE SEVENTEENTH CENTURIES. GERARDO RODRÍGUEZ. FACULTY OF HUMANITIES

NATIONAL UNIVERSITY OF MAR DEL PLATA 2023. Spanish version

2. Not to be sniffed at: human sense of smell rivals that of dogs, says study

https://www.theguardian.com/science/2017/may/11/not-to-be-sniffed-at-human-sense-of-smell-rivals-that-of-dogs-says-study

3. Poor Human Olfaction is a Nineteenth Century Myth. John P McGann

https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC5512720/

4. Let’s obliterate the myth that humans have a bad sense of smell. Humans have excellent olfaction and can smell more than a trillion odors.by Brian Resnick

https://www.vox.com/science-and-health/2017/5/11/15614748/human-smell-good-science

5. The Myth That Humans Have Poor Smell Is Nonscents. The idea is a 19th-century myth that was started by scientists who never actually measured our ability to detect odors. By Ed Yong

https://www.theatlantic.com/science/archive/2017/05/alls-smell-that-ends-smell/526317/

6. Humans’ Sense of Smell May Be Worse Than Our Primate Ancestors’ The recent study also identified two new scent receptors for musk and body odor, Corryn Wetzel, Daily Correspondent, February 7, 2022

From musk to body odor: Decoding olfaction through genetic variation, Bingjie Li, Marissa L. Kamarck, Qianqian Peng, Fei-Ling Lim, Andreas Keller, Monique A. M. Smeets, Joel D. Mainland, Sijia Wang

https://www.smithsonianmag.com/smart-news/humans-sense-of-smell-may-be-worse-than-our-primate-ancestors-180979531/

https://journals.plos.org/plosgenetics/article?id=10.1371/journal.pgen.1009564

7. Die soziale Konstruktion olfaktorischer Wahrnehmung. Eine Soziologie des Geruchs. Dissertation zur Erlangung des akademischen Grades des Doktors der Sozialwissenschaften an der Universität Konstanz. Vorgelegt von Jürgen Raab im September 1998

 للإطلاع على مواضيع أخرى ذات صلة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (1) تعريف علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (2) عدم الإهتمام بهذا العلم

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (3) أهمية الروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (4) آراء أخصائيين بعلم الإنسان بهذا الموضوع

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (6) دور الروائح في النفور والإنجذاب

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (7) تفادي الروائح الكريهة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (8) رائحة الأزهار وهويّة شميّة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (9) إدارة الإنطباع الحسي

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (10) إدارة الإنطباع الحسي متابعة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (11) متابعة الحديث حول الإنطباع الحسي

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (12) نهاية الحديث حول الإنطباع الحسي

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (13) مناهضة الحواس، سيما حاسة الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (14) مواقف فلاسفة وأخصائيين إجتماعيين من الموضوع

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (15) مواقف قديمة داعمة للموضوع

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (16) معاني وتصنيفات الروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (17) العلاقة بين الشمّ والروائح والذاكرة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (18) كيفية بناء التقييم الشميّ 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (19) حاسة الشمّ والأغذية والتذوُّق

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (20) الرمزية الشميّة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (21) تاريخ وسياسة حاسة الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (22) الشمّ والروائح والتقسيم الطبقيّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (23) حاسة الشمّ والروائح والتقسيم الجندريّ الجنسيّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (24) الروائح والعنصرية

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (25) عوالم حسيّة مختلفة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (26) الروائح والشمّ في الطبّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (27) أهمية بحث علم الإجتماع للروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (28) الروائح والهويّة وخسارة القدرة على الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (29) رائحة الفم (النَفَسْ) الكريهة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (30) رائحة الأقدام الكريهة 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (31) جورج زيميل وحاسة الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (32) روائح المدن

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (33) العلاقة بين حاسة الشم والروائح واللغات 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (34) الروائح في العمل التجاري 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (35) الأديان الإبراهيمية والروائح والشمّ 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (36) الروائح البيئيّة

No comments: