Monday, August 4, 2025

Sociology of smell and Odours (25) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

 

عوالم حسية مختلفة 

القول بوجود عوالم حسيّة مختلفة، سيما عوالم شميّة مختلفة، هو توصيف لواقع قائم بين ثقافات العالم المختلفة، وهو أمر يستحق الإهتمام والبحث بالطبع. 

 إستخدام حاسة الشمّ لتقسيم البشر إلى شعوب أو ثقافات ذات روائح مختلفة، يعمل البعض على إستخدامها لتحقير تابعي ثقافة ما، أو المنتمين لشعب ما، هو أمر مُدان ويجب التنويه إليه دوماً، فيما سيلي، سنقرأ شيئاً من هذا القبيل وهو مؤسف. 

الخط الفاصل بين التمييز الجندري والعرقي والشعبي، روائحياً وشمياً، هو رقيق ودقيق للغاية. بناءاً عليه، سيشعر من يتابع هذه السلسلة بتكرار لبعض الأفكار، وأنوِّهُ لأنّه عاديّ ومن طبيعة هذا الموضوع تماماً. 

نعيش في ظلِّ إمبراطورية الأحاسيس. الإنفعالات الحسيّة هامّة لأجل تمرين العقل والإبداع. في أيّ وضع حياتيّ، هناك نسبة هامة من التدخل الإنفعالي الحسي، الذي قد ينشأ عن فعل يبلغ ذروته بإطلاق الإحساس من خلال إحدى لغات التواصل المتنوعة، عبر خلق الروائح والصور والموسيقى ....الخ1. 

تتحول الحواس في الأبحاث الإتنية والوصفية الإتنية الحديثة والحديثة جداً، فقط، مع جيل (1977) وهوز (1987، 1991) وألماغور (1987، 1990) وكلاسن (1990) أو كلاسن وآخرين (1994)، إلى هدف مركزيّ للبحث. لم يعد ينظر أولئك الباحثين إلى الحواس في المجتمعات غير الغربية بوصفها مستمدة من المجتمعات الغربية، بل للحواس تقدير وأهمية مختلفة لدى الثقافات المختلفة، وبذات الوقت، تساهم بشكل حاسم ببناء وهيكلة وحفظ كل ثقافة. 

كما يُشير هوز (1991)، علم إنسان (أنتروبولوجيا) الحواس، الواجب إعادة التفكير به من جميع النواحي، يجب أن يتعاطى، في المقام الأول، مع كيفية إختلاف تصنيف التجارب الحسية بين ثقافة وأخرى وما هي الأهمية وما هو التقدير أو التقييم المرتبط بهذه التصورات. علاوة على ذلك، يهدف إلى توفير معلومات حول تأثير التصورات الحسية على المجالات الثقافية الأكثر تنوعاً، مثل صيغ التنظيم الإجتماعي والعلاقات بين الجماعات الإجتماعية المختلفة والأفكار التي تدور حول الذات وترتيب العالم الحيّ كما التعبير عن الإنفعالات الحسيّة والتحكُّم بها. 

بدقّة، ومن خلال البحث الأكثف الخاص بحاسة الشمّ، الجاري الآن، يُشيرُ الباحثون، سالفو الذكر أعلاه، إلى تمكنهم من تحديد الإختلافات الهامة بين الثقافات، بالإضافة إلى أوجه الإلتقاء والتشابه العامة أو الشاملة.

هكذا، تُعتبر حاسة الشمّ في كثير من المجتمعات ما قبل الصناعيّة مصدراً مهماً للمعارف المنهجية وتعلب دوراً حاسماً في تنظيم الطبيعة والتعايش الإجتماعي. 

 أحد الأمثلة هو شعب الأندمان، المدروس من قبل رادكليف – براون، الذي وضع تقويماً سنويّاً بناءاً على تغيُّر روائح نباتات مُحدَّدة على مدار العام. تتأسس فكرة مرور حقب زمنية على دورة روائحيّة متغيِّرة، وبالتالي، تُظهِرُ وتُشيرُ إلى حلقات وحوادث طبيعية؛ بإختصار، يمكن تسمية تقويمهم: تقويم روائحيّ أو تقويم الروائح.

كذلك، لدى شعب آخر هو الداساناش ويعيش في أثيوبية على رعاية الماشية والزراعة: يجري تنظيم الفصول بناءاً على تعاقب دوريّ للروائح. يتألف العام لديهم من فصلين، فصل جاف، يتميز شميّاً بالدخان الناتج عن قطع وحرق الأشجار بتلك الحقبة؛ وفصل ماطر، حيث يُشير الهواء الرطب والعليل إلى عودة الخصب. 

 لهذا، تصف الأستاذة كونستانس كلاسن وآخرون الأمر، بالتالي: 

"يؤدي تنفُّس روائح الطبيعة لشعبي الأندمان والداسانتيك إلى ربطها بمرور الزمن وبالحياة. إنه الإحساس بالطاقة الحيوية للحوادث الكونية الجارية حول الإنسان بيئياً ويومياً بحلقة نموّ وموت وتجدُّد مستمرّ". 

بإعتبار أنّ للروائح أهميّة إجتماعية كبرى، كذلك، هي محددة لغوياً بوضوح أكبر. لدى الكثير من الثقافات غير الغربيّة، على سبل المثال، هناك سلسلة كاملة من تسميات الروائح أو مُصطلحات شميّة مستقلة والتي يمكن تفسيرها أو إشتقاقها، فقط، من خلال الإشارة إلى مصدر الروائح في اللغات الأوروبيّة2. 

أشار الأخصائي بعلم الإنسان إدوارد ت. هول، متبعاً خُطى مارشال مكلوهان، إلى: 

 أن "الناس المنتمية إلى ثقافات مختلفة لديها عوالم حسيّة مختلفة"، وقد يصبح هذا الأمر ذو أهمية أكبر للتواصل العابر للثقافات من التحدث بمختلف اللغات. 

على سبيل المثال، يعيش الأميركان والعرب في عالمين حسيين مختلفين. 

حيث يستخدم العرب حاستي الشم واللمس أكثر من الأميركيين. 

 لدى تكلمهم، لا يشعر العربيّ، بالعموم ودون تعميم، بالأسف جرّاء وصول نَفَسَهِ إلى وجوه محاوريه، "فإشتمام صديق ليس محبذاً فقط، بل مرغوباً، من هنا، رفض نَفَسَه مكافيء لرفضه شخصياً. من جانب آخر، تعوَّدَ الأميركيون على عدم توجيه الزفير إلى وجه المحاور"، بالتالي، لدى محاولتهم الظهور كمهذبين، يشعرون بنوع من الحرج في هكذا مواقف. 

على ذات المنوال، "لا يحاول العربي إلغاء جميع روائحه الجسدية، بل يعززها ببناء العلاقات البشرية"، على عكس الأميركيين، الذي يزيلون الروائح ويتعطرون. لدى التقدُّم للزواج، سيطلب الوسيط "ببعض المناسبات، إشتمام الصبية، التي قد تُرفَض إن لا تصدر رائحة زكيّة عنها"3. 

رغم إستخدام الروائح لتبرير الهيمنة، يستخدم المهمشون هذه الخطط بمواجهة وضع راهنيّ غير متكافيء، حيث تبدو مصطلحات النقاش حميمية ومباشرة ودارجة. 

أشار أورويل إلى أنّ "الشرقيين يقولون بصدور رائحة كريهة عنّا. أرى بأنّ الصينيين يعتبرون الإنسان الأبيض ذو رائحة شبيهة برائحة الجثث. يقول البرمانيون ذات الشيء، لكن، لم تصل الوقاحة لدرجة أن يُقال هذا لي مباشرة!!". 

درج اليابانيون على وصف الأوروبيين بمصطلح باتاكوساي: 

 "ذوو رائحة نتنة شبيهة برائحة الزبدة". 

كذلك، قال مالكوم إكس بأنّ البيض "مختلفين عنّا، فرائحتهم مختلفة". 

تتناقض سياسة جيفرسون وفليمينغ وميلر وآخرين الشمية مع تلك الحاضرة لدى مالكوم إكس وآخرين. 

 أخبر دايموند جيني عن حوار صريح حول موضوع الروائح مع احد سكان الآسكيمو وبعده الإتني خلال البعثة الكندية عامي 1913 – 1918:

يبدو أنّ هناك رائحة مختلفة جداً صادرة عن جلودهم، وهي رائحة مختلفة عن رائحة البيض. إحدى المرّات، سألتني إمرأة مُسنّة إن نكن قد لاحظنا حضور رائحة مقززة أو منفرة لدى سكان الآسكيمو، عندما وصلنا إلى هناك في المرة الأولى. أجبتها بأننا قد لاحظنا هذا الأمر جميعاً، فقال لي هي: "ليس غريباً هذا بالنسبة لي، حيث أننا أدركنا ذات الأمر على مستوى رائحتكم"4. 

يتجلى عالم الإتحاد السوفييتي السابق الشميّ من خلال كلمات كريستوف نيدهارت: 

قد يُعتبر الحديث عن رائحة بلد ما أمراً إشكالياً. ومع ذلك، فإن القليل من الأشخاص الذين سافروا إلى الإتحاد السوفيتي، قد ينكرون رائحة "الإشتراكية" المشتركة بين روسيا السوفيتية بأكملها وحتى بين الجمهوريات السوفييتية السابقة، رغم إختلافها التاريخي والعرقي. بدا صعباً وصف رائحة الإتحاد السوفيتي. إمتلكت الإشتراكية رائحتها الكريهة الخاصة وغبارها المميز. صدرت روائح الملفوف والجوارب المبللة والعرق عن البيوت؛ فيما إنبعثت روائح المازوت والقمامة من الساحات العامة، وأحياناً، صدرت رائحة فحم. حتى من المساحات الشاسعة أقصى شمال سيبيريا، التندرا، قد صدرت رائحة النفط5.

 يتبع

المصادر

1.   ALAZHAR, Aromas de Leyenda como objeto de estudio. Editor: Editorial de la Universidad de Granada. Autor: Iluminada Pérez Frutos D.L.: GR 1936-2014. ISBN: 978-84-9083-107-6 

2. Die soziale Konstruktion olfaktorischer Wahrnehmung. Eine Soziologie des Geruchs. Dissertation zur Erlangung des akademischen Grades des Doktors der Sozialwissenschaften an der Universität Konstanz. Vorgelegt von Jürgen Raab im September 1998

Gell, Alfred: Magic, Perfume, Dream… In: Lewis, Ioan, 1977, 25-38.

Howes, David: Olfaction and Transition: An Essay on the Ritual Use of Smell. In: Canadian Review of Sociology and Anthropology, 24 (3), 1987, 398-416.

Howes, David (ed.): The Varieties of Sensory Experience. A sourcebook in the Anthropology of the Senses. University of Toronto-Press, Toronto: 1991.

Almagor, Uri: The Cycle and Stagnation of Smells. Pastoralists-Fishermen Relationships in an East African Society. In: Res – Anthropology and Aesthetics, 1987, No.13, 107-121.

Almagor, Uri: Odors and Private Language: Observations on the Phenomenology of Scent. In: Human Studies, 1990, 13, 3, July, 253-274.

Classen, Constance: The Odor of the Other: Olfactory Symbolism and Cultural Categories. In: Ethos, 1992, 20, June, 133-166.

Classen, Constance/Howes, David/Synnott, Anthony: Aroma: The Cultural History of Smell. Routledge, London: 1994.

3. Hall, Edward T., 1969 The Hidden Dimension. New York: Doubleday Anchor

4. A sociology of smell, Anthony Synnott. The Canadian Review of Sociology and Anthropology, vol. 28, nº 4, in November 1991

5. Christoph Neidhart, Russia’s Carnival. The Smells, Sights and Sounds of Transition. Lanham 2003, p. 1.

للإطلاع على مواضيع أخرى ذات صلة

 (1) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(2) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(3) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(4) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(5) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(6) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(7) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(8) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(9) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(10) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(11) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(12) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(13) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(14) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(15) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(16) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(17) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(18) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح 

(19) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(20) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(21) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(22) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(23) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(24) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(26) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

No comments:

Post a Comment