Wednesday, August 6, 2025

Sociology of smell and Odours (26) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

 

الروائح وحاسة الشمّ في الطبّ 

قد تساعد الروائح، ببعض الأحيان، على تحقيق تشخيص سليم لمرض ما. 

هناك روائح معينة في عالم المشافي والرعاية الطبية، لا تصدر عن المرضى بحالات مرضية محددة فقط، بل تصدر عن مواد مستعملة وأدوية ...الخ. 

فأيُّ تأثير قد تمتلكه تلك الروائح على من هم بتماس معها (من الممرضات والأطباء) خلال عملهم الطبيّ يومياً أحياناً؟ 

في ممارسة الرعاية الصحية، يطغى حضور الروائح. بالعموم، نَصِفها، أو نُصنفها، كغير محبَّذة. يختبرها كل واحد منّا بطريقة مختلفة. يمكنها التشويش على سلوكنا إلى درجة إقلاق راحتنا، وهو ما يُصعِّبُ الحديث بوضوح حول هذا الأمر مع المرضى.

 يصعب علينا كثيراً أن نقول للمريض بأنّ رائحة كريهة تصدر عنه. الروائح عبارة عن موضوع مُحرّم، تحضر بصمت أو دون الحديث حولها بالعموم. يتدخل محيطنا الإجتماعي الثقافي الشخصي وقيمنا ذاتها بوضوح، دوماً نرغب "بإلغاء" روائح المرضى1.

يُحدثنا أنطوني ساينوت حول فعالية الأنف التشخيصية، قائلاً:

ما يزال الأنف الفعّال أداةً في التشخيص المفيد على مستوى ممارسة الطبّ. وفق هذا "الإتجاه"، تخبرنا حاسة الشمّ عن الوضع الجسديّ للكائن البشريّ، لكن، ليس حول وضعه المعنويّ، كما أثبتت أحكام مُسبقة كثيرة. يُناقَشُ التلوُّث الروائحيّ ويُبحَثُ على نحو متزايد بوصفه خطراً على الصحّة والراحة. الرائحة عبارة عن مشكلة قانونية2.

حول ذات الأمر، بحسب جين ليفي:

لقد تعود العاملون في حقل الطب على روائح معينة مقترنة بأمراض محددة، وقد أضحى هذا الأمر هاماً للغاية في التشخيص وإتخاذ القرارات العلاجية3.

تسلط الضوء أمراض مثل الحُماض (حالة غير سوية تقل فيها قلوية الدم والأنسجة) وتبولن الدم على رائحة يمكن التعرُّف عليها؛ يمكن أن تصدر عن مرضة سرطان الدم رائحة مشابهة "لرائحة جثّة مفتوحة للتوّ"؛ فيما امتلك عرق مرضى الإنفصام بالشخصية الحاد "رائحة لطيفة" مخالفة تماماً لرائحة عرق غير المصابين بانفصام الشخصية4.

 إلى جانب الروائح المنبعثة منهم، يمتلك المرضى إدراكهم الخاص للروائح، والذي يمكن أن يؤثر على حالتهم المرضية وبالتالي يقدم حلولاً لوضعهم. يملك كثير من المصابين بالأمراض العصبية مشاكل في حاسة شمهم، بحيث يمكن استخدام تلك الحساسية (أو غيابها) في تحقيق تشخيص أدق5.

يمكن أن تتعطل حاسة الشم من خلال أمراض أنفية أو تجويفية، إنتانات أو تلوثات في الجهاز التنفسي، أذى في الرأس، التعرض لمواد سامة بالإضافة إلى الشيخوخة؛ أو يمكن أن يحدث هذا كأعراض ثانوية لأمراض أخرى مثل حالات عصبية وغددية، مرض باركينسون، عوز غذائي، أورام قحفية والاضطرابات الذهنية وأمراض ناشئة عن القرابة العائلية6.

 من المسلم به بأنّ المصابين بإنفصام الشخصية والعُصاب والأطفال المصابين بالتوحد، يمتلكون بالكاد حاسة شم فعّالة، وهو ما يمكن أن يتسبب بقلق بالغ7.

 وبشكل مغاير، يفقد المصابون بالزهايمر الباكر القدرة على الشمّ (بالإضافة لخسارة قدرات أخرى إضافية)8.

 يعاني البعض من فقدان كلي للقدرة على الشم (الخشام بالعربية كذلك). كذلك، خسارة أجزاء من القدرة على الشم في حالة ضعف الحساسية الشمية، حيث تتدهور الحساسية تجاه بعض أو جميع الروائح. في هذه الحالة، يمكن أن يتشوه الإدراك الشمي بعدة طرق، فيظهر "شمّ إستبهامي أو هلوسة شمية" أي شمّ وإدراك رائحة كريهة غير موجودة9.

تتسجل حالتنا الصحية، ويُوحى بها، من خلال الروائح التي نصدرها وعبر إدراكنا للروائح الخارجية التي نستقبلها.

على مدار قرون، استُخدمت حاسة الشم لدينا كأداة تشخيصية في ممارسة الطب، سواء كان ذلك للتعرف على الغرغرينا الغازية في ميدان المعركة أو الحماض الكيتوني السكري في غرفة الطوارئ.

 خلال العقود الأخيرة، تم أُجريَ العديد من دراسات الكشف عن الرائحة بإستخدام الأنوف البشرية والحيوانية والإلكترونية.

 لم تخضع قدرة البشر على تشخيص المرض عن طريق الشم إلا في حالات نادرة لدراسات كمية.

ومع ذلك، فإن نتائج الأنواع المختلفة من الأنوف لا يمكن تعميمها بسهولة، كما أن دراسات التأكيد المستقلة غير متوفرة بشكل عام، وهو ما ينبغي أن يصبح محلّ تركيز الأبحاث المستقبلية. وختاماً، فإن اكتشاف الرائحة بواسطة الحيوانات والأنوف الإلكترونية يبشر بالخير في المستقبل وينبغي أن يحظى بأولوية قُصوى على مستوى الجهد البحثي والتمويل10.

قد يؤدي التعرض للروائح إلى ظهور تأثيرات صحية، تتراوح من عدم تأثُّر أو إنزعاج خفيف إلى أعراض أكثر خطورة. قد تتسبب بعض المواد الكيميائية، ذات الروائح القوية، بتهييج العين أو الأنف أو الحلق أو الرئة. قد تتسبب الروائح القوية، كذلك، بظهور إحساس لدى بعض الأشخاص بحرقة، قد تؤدي إلى حدوث السعال أو الصفير أو غير ذلك من مشاكل التنفس. قد يصاب الأشخاص، الذين يشمون روائح قوية، بالصداع أو يشعرون بالدوار أو الغثيان. إذا استمرت الرائحة لفترة طويلة أو استمرت في الظهور، فقد تؤثر أيضًا على المزاج والقلق ومستوى التوتر11.

يؤكد باحثون على وجود إرتباط وثيق بين إضطرابات نفسية معينة وصعوبات شمية محددة، وهو ما يدفع لإعتماد إختبارات الشمّ كجزء من إجراءات التشخيص.

قديماً، إستعمل ابن سينا حاسة شمِّهِ في تشخيص الأمراض – من خلال ملاحظته لتغيرات في رائحة بول المرضى. ربما لم يكن أول طبيب قد شخَّصَ الأمراض من خلال روائح المرضى، فقد سبقه أبقراط بقرون، عندما نصح بشمّ رائحة جسد المريض باعتباره وسيلة فعالة لتحديد نوعية غذائه.

ربما قادت الملاحظة الصحيحة لوجود علاقة بين روائح الجسد والأمراض، لسوء الحظ، إلى ظهور إعتقاد شعبي خاطيء قد إعتبر بأن تلك الروائح هي سبب تلك الأمراض، ولهذا، استخدموا لعلاج التيفوئيد، على سبيل المثال، العطور التي حملوها في علب أو مشاعل12.

كذلك، إعتبر أطباء قدماء أن مواجهة الروائح العفنة، الناتجة عن تعفن الجسم، بالروائح الطيبة من شأنه أن يقلل من شدة الجرح. فعلى سبيل المثال، إعتقدوا بأنّ رائحة التفاح تقلل من آثار السموم. كذلك، إعتقدوا بأنّ رائحة الملفوف المسلوق القوية تساهم بتخفيف الصداع13.

روائح المشافي

تُعتبَرُ "روائح المشافى" أحد أشهر الجوانب الحسية لها. ولهذه الروائح تاريخها الموثق نسبياً، ويرتبط بظهور المطهرات إلى حدٍّ كبير، فرغم أن الهدف الأساسي من هذه المطهرات قد تمثَّلَ بالقضاء على الجراثيم، إلا أن هناك تصوُّراً واسع الإنتشار يرى بأن الهدف من "روائح المشافي" – أمر يدعو للسخرية! - هو إلغاء الروائح الكريهة وغير الصحية. يستند هذا الإعتقاد الثقافي إلى تاريخ طويل من الأفكار حول الآثار الصحية للروائح، سواء كانت طيِّبة (روائح عطرية) أو فاسدة (روائح كريهة)14.

يتبع 

المصادر

1. L’impact des odeurs dans le soin, Mémoire d’initiation à la recherche en soins infirmiers, Catherine GADAL Promotion 2012/2015 Formation en Soins Infirmiers. INSTITUT DE FORMATION EN SOINS INFIRMIERS. Groupement d’Intérêt Public

2. A sociology of smell, Anthony Synnott. The Canadian Review of Sociology and Anthropology, vol. 28, nº 4, in November 1991

3. Jane Levi, Engraved in the Mind: The Significance of Smell. The London Consortium.11 May 2012

4. Gorman, W. (1964). Flavor, Taste and the Psychology of Smell. Springfield, Il., Charles C. Thomas. Page: 27

5. Doty, R. L. (1995). Handbook of Olfaction and Gustation. New York, Marcel Dekker Inc. page: 191

6. Doty, R. L. (1995). Handbook of Olfaction and Gustation. New York, Marcel Dekker Inc. pages: 348-358

7. Faivre, H. (2001). Odorat et Humanitée en Crise à l'Heure du Déodorant Parfumé: Pour une Reconnaissance de l'Intelligence du Sentir. Paris, L'Harmattan. page: 168

8. Doty, R. L. (1995). Handbook of Olfaction and Gustation. New York, Marcel Dekker Inc. page: 197

9. Doty, R. L. (1995). Handbook of Olfaction and Gustation. New York, Marcel Dekker Inc. page: 346

10. https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/23956311/

11. https://www.health.ny.gov/publications/6500/

12. The Smell Report An overview of facts and findings, Kate Fox, Director Social Issues Research Centre

13. Federico Kukso, Odorama; Historia cultural del olor. Taurus. 2019

14. https://hospitalsenses.co.uk/smell/

للإطلاع على مواضيع أخرى ذات صلة

 (1) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(2) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(3) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(4) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(5) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(6) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(7) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(8) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(9) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(10) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(11) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(12) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(13) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(14) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(15) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(16) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(17) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(18) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح 

(19) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(20) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(21) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(22) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(23) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(24) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(25) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

No comments:

Post a Comment