مَنْ
هو لوقيان السميساطي؟
كاتب
سوريّ المولد (120 – 200 ميلادي) باللغة اليونانية القديمة (إستعمل النثر الأتيكي
الذي يعود للفترة الممتدة بين القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد)، مواليد مدينة
سميساط على نهر الفرات، قد ألَّفَ أكثر من 70 حواراً ورسالة معروفة، يُعتبر أهمّ
هجّاء يوناني قديم. يربط لوقيان في مؤلفاته بين الآلهة والبشر، الغنيّ والفقير،
الفيلسوف والمتشكك، المستبد والرعية، بروح ساخرة مسلية ضاحكة. يعيدنا أسلوبه إلى
حوارات أفلاطون وكُتّاب أتيكا خلال العصر الكلاسيكي وإلى الهجاء الساخر لدى
مينيبوس. بفضل نظرته الثاقبة لحماقات الإنسان وتعليقاته على جوانب السلوك البشري
العالمية، ترك لوقيان كنزاً من الكتابات المبهجة التي ستشكل تحدياً لقرّائه
وتسليةً لهم لقرون قادمة.
عاش لوقيان
في عهود عدد من الأباطرة الرومان: أنطونينوس بيوس، ماركوس أوريليوس، لوسيوس فيروس
(الإمبراطور المشارك مع ماركوس أوريليوس)، كومودوس، وربما بيرتيناكس.
وُلِدَ
وعاش في سميساط وزار إيونيا واليونان وإيطاليا وغال (فرنسا الحديثة) وأثينا وروما
ومصر.
قبل أن يبدأ حياته المهنية
كخطيب، تدرب لوقيان مع عمه ليصبح نحاتاً.
أثرت
الثقافة الهيلينية على لوقيان منذ سن مبكرة بسبب التقاليد اليونانية الموجودة في شرق
المتوسط آنذاك.
تداخلت حياة لوقيان مع
السفسطائية الثانية، والتي ربما أثرت في تركيزه على البلاغة.
ربما تحدث لوقيان اللغة
الآرامية (السريانية) كلغة أولى أو أم.
قضى
لوقيان حياته مُتنقلاً من بلد إلى بلد في حوض البحر الأبيض المتوسط، وبعدما أتم
دراسته بسوريا نجده مرة يشتغل كمدرس في أثينا، ومرة كموظف في الإدارة ومعلم ببلاد
مصر، وعالم وكاتب وفيلسوف ومعلم في سوريا مرات عديدة وغير ذلك في بلاد أخرى. ينحدر
لوقيان من عائلة فقيرة وتكلم كثيراً عن الفقر والجوع والإهانة التي يلاقيها الفقير
في حياته، أجاد لوقيان الإغرقية إلى درجة أنه إستعمل حوالي 10000 آلاف كلمة في
كتبه، وهذا الرقم لم يصله أي فيلسوف إغريقي على الإطلاق عدا أفلاطون. كتب لوقيان
الكثير من الأعمال الأدبية وعلوم الخيال والوجود والحياة والفلسفة تتراوح بين
الحكاية والرواية والرسائل الفلسفية وهو أول من إستعمل أسلوب القصة في تاريخ الأدب
العالمي.
انتقد
كذلك المؤرخين وكتب حول كيفية كتابة التاريخ وقال ان المؤرخين يقومون بنشر
الاكاذيب ويحورون الحقائق، ولا يقومون بتحليل الأحداث وأسبابها، ويكتبون عن
الأقوياء ويمدحونهم، وسبب ثورته ضد المؤرخين هو ان الرومانيين الذين كتبوا عن
الحرب الرومانية ضد بارتارنا قد نشروا الكثير من الأكاذيب. حارب لوقيان الشعوذة
بكل أنواعها وتكلم في كل الميادين عدا السياسة التي كانت محرمة في العهد الروماني.
هاجم كذلك الأديان الاغريقية القديمة بكل عنف وسخر من محتواها وتناقضها، رفض
لوقيان استعمال اللاتينية في كتبه، رغم أنه أحسنها جيدا وهذا دليل على رفضه
الإستعمار الروماني لبلاده.
ومن
باب نقد المشكلات الأخلاقية والتشهير بالعيوب الشائعة، بغلاف السخرية القريبة من
الكوميديا، عُرِف لوقيانوس. وما ميّزه هنا، صعوبة تصنيف أفكاره ضمن اتجاه فلسفي
ما، وهو الذي طالت سهام نقده وسخريته الفلاسفة أنفسهم وخاصة الأفلاطونيين
والرواقيين الذين اعتبرهم مشجعين على الخرافة. بينما ذهبت بعض الدراسات إلى جعله
قريباً من المدرسة الأبيقورية باعتباره ميالاً لعدم الاعتراف بوجود آلهة، وتهكمه
المستمر على الخرافات والأساطير.
عن هذه
الجزئية، يحدثنا الباحث في الفلسفة المعاصرة والأستاذ في جامعة
"السوربون" بباريس الدكتور خلدون النبواني، الذي يرى أن صعوبة تصنيف
لوقيان "تتأتى من كونه تناول قضايا فلسفية بأسلوب أدبي خالص، لكنه لم يقدم
أفكاراً جديدة في الفلسفة، إلا أنه برع في ميدان البلاغة نقيض الفلسفة التي أسسها
أفلاطون، فهو إذن كاتب ساخر ولاذع في نقد مقاسات عصره، ولهذا يعتبر –نوعاً ما-
المؤسس لهذا النوع من الأدب الفلسفي". ويستدرك النبواني حديثه بالقول:
"لا يجب المبالغة في مكانة لوقيان الفلسفية، فهي تظل متواضعة أمام إبداعه
الأدبي البلاغي وجرأته وأسلوبه، وأنه لا يخرج عن تيار البلاغة المزدهرة في عصره،
متميزاً بأسلوبه الأدبي".
أما
الروائي والمؤرخ السوري خيري الذهبي، فيعتبر أن:
"أكثر المستفيدين من
الحضارة الهلنستية في أراضي سوريا القديمة، هم الفلاسفة والفنانون، واستطاع لوقيان
أن يتحول إلى فيلسوف وكاتب روائي نجم في ذلك العالم وتلك البقع من الأرض. كانت
كتبه تنتقل مثل الريح عبر تلك البلاد، وأفكاره تتردد وقصصه تتناقل حتى دون ذكر
اسمه. نوادر وخرافات وقصائد وأساطير نسجتها مخيلة الروائي لوقيان، وعبّأها بفلسفته
التي سخرت بادئ ذي بدء من الأديان والآلهة، وعجزها عن مساعدة الإنسان وإنقاذه من
بؤس معيشته وقسوة مصيره".
تمثّل شخصية الأديب والفيلسوف
السوري لوقيانوس السميساطي (125 - 180م) النموذج الأبرز على ما يمكن تسميته
"الهجين الثقافي" خلال العصر الإمبراطوري الروماني، حين هيمنت الثقافة
الهلنستية الشرقية على حوض البحر الأبيض المتوسط برمته، فقد حفلت مؤلفاته بالمقارنات
المفاهيمية بين ثقافته السورية المشرقية، والثقافتين الإغريقية واللاتينية، كما
عبّر عن انتقاداته للكثير من الكتاب والفلاسفة والمؤرّخين اليونان بلغة ساخرة
مليئة بالهجاء. ورغم ذلك؛ أثرت كتاباتُه في عدد كبير من الأوروبيين منذ مطلع عصر
النهضة وحتى اليوم، ويعدُّ رائد أدب الخيال العِلمي.
يتبع
المصادر
The Lucian of Samosata Project
المفكر السوري "لوقيان السميساطي".. مبتكر الخيال العلمي ورائد الأدب الساخر همام سراج
لوقيانوس السميساطي.. السوري الساخر الذي أثّر في نهضة الأوروبيين تيسير خلف
No comments:
Post a Comment