Thursday, October 9, 2025

Lucian of Samosata لوقيان السميساطيّ (12)

 34 

بالنسبة لي، يجب أن يتميز المؤرِّخ بمؤهلين لا يمكن الإستغناء عنهما، هما: 

نفاذ البصيرة سياسياً (ذكاء سياسيّ) + القُدرة على (الوضوح في) التعبير 

المؤهل الأوّل عبارة عن هديّة من الطبيعة، والتي لا يمكن تعلمها أبداً؛ فيما يتوجب إكتساب المؤهل الثاني بالممارسة الطويلة والكدح المستمرّ بالإضافة إلى الرغبة الحقيقية بدراسة المواضيع القديمة أو تقليد الأقدمين. 

لا شيء تقني، هنا، ولا مكان لإسداء أيّة نصيحة من قبلي؛ لا يمنح موضوعي هذا نفاذ البصيرة والفطنة لأولئك الذين لا يمتلكوها بالطبيعة؛ قابلة للتقدير أو غير قابلة، كمن يحاول تحويل الرصاص إلى ذهب والقصدير إلى فضّة أو تمجيد الشاعر ليوتريفيديس عوضاً عن تيتورموس صاحب الإنتصارات! 

35 

لكن، كيف يمكننا تحديد قواعد الفنّ وفوائده؟ 

هي تُحدَّد في الصفات المتفقة مع بعضها. 

وفي البداية، علينا إظهار كيفية إستخدامها، فالمؤكد عدم تمكُّن البطل الأولمبي إيكوس أو هيروديكوس أو تيون أو أيّ معلم رياضة آخر من تحويله إلى بطل أولمبيّ؛ فجلّ ما يمكنهم فعله مع شخص موهوب رياضياَ هو العمل على تحسين إمكانيّاته بمتابعة التمرين ليصل لمكانة أهمّ. 

بالتالي، في حالتنا، لن نزرع الفشل بكل ما نقوم به ونحن نُعلِنُ بأننا قد إبتكرنا نظاماً لمقاربة موضوع ضخم وبالغ الصعوبة.

 لا يجب إطلاق صفة مؤرِّخ على أيٍّ كان وبخفّة – يُشار فقط إلى من لديه نفاذ بصيرة طبيعي وقد إكتسب مهارات أدبية لغوية معينة قويمة (تحضر أو لا تحضر في الواقع) وهي التي ستوصله إلى هدفه بزمن وجهد أقل. 

36 

لن أفترض بأنّك ستعترض على أن الشخص نافذ البصيرة بحاجة إلى نظام وتعاليم تطال الأشياء التي يجهلها؛ في هذه الحالة، كما لو أنه يعزف على القيثارة أو على الناي دون تعلُّم ذلك، أي هو شخص كُليّ المعرفة، وهذا لا وجود له في الواقع. 

لكن، وكما هي الأمور على الأرض، لا يمكنه التقدُّم في هذا الميدان دون تعليم، رغم أنه يتعلم بسرعة هائلة مع قليل من التعاون، وسرعان ما يتمكن من تحقيق الكثير من الأمور لوحده بمرور الوقت وتراكم الخبرة.

37 

الآن، تعرف أيّ نوع من التلاميذ أُصرُّ عليه (كما المُدرِّب).

 يجب ألا يتسم بالضعف سواء لناحية الفهم أو ناحية إيصال ما فهمه للآخرين، لكن، هو شخص قادر على الولوج إلى الأعماق، هو شخص إداري من الطراز الرفيع، لديه روح عسكرية (لا تنفي أو تُقصي الروح المدنية الحضرية)، ولديه بعض الخبرة العسكرية؛ ففي النهاية، يتوجب عليه إمتلاك شيء من الخبرة الميدانية الحربية كمشاهدة القوّات والخنادق وأن يعرف شيئاً عن الأسلحة والأجهزة العسكرية والفرق بين خطوط القوّات وتكتيكات الفرسان والمشاة (مع مبرراتها) والهجمات الأمامية والجانبية؛ بإختصار، ليس هناك من قائد مهم سيعتمد على الأقاويل والإشاعات. 

38 

لكن، بداية وقبل أيّ شيء، دعه يتمتع بروح مستقلّة لا تابعة وعليه التحرُّر من الخوف من أيّ شيء ولا أن ينتظر شيئاً من أيّ أحد؛ وإلّا سيصير قاضياً فاسداً خاضعاً لتأثيرات شتّى، ترد من كل حدب وصوب. فيما لو يقتلع آستر، المُحارب الأمفيبوليتي، عيني فيليب في أولينثوس، فلا يجب عليه الصراخ، لكن، يُظهِرَ ما حلّ به فقط؛ لا يجب التفكير بإنزعاج الإسكندر الأكبر لقيامه بقتل صديقه كليتوس الأسود على طاولة الشراب. 

إن يمتلك كليون أذناً في مجلس الحكم ويحتكر منبراً لا يمكن وصفه بالشرير المعتوه؛ لن تتمكن أثينا كلها من إيقافه عن التدخُّل في كارثة صقليّة ولا في القبض على ديموستيني ولا في موت نيكياس ولا في مشاكل المياه من ندرة وتلوُّث والعمل ضد السُكارى.

 لا يوجد شخص عاقل يمكنه الحديث عن شرّ وجنون وهو ليس مؤلِّفاً بل مُراسلاً. 

في حال غرق أسطول، فهو غير مسؤول عمّا جرى؛ حين تقع هزيمة، فهو ليس بحالة متابعة – إلا إذا صلَّى لتتحسن الأمور وقد أغفل القيام بهذا الأمر.

 بالطبع، في حال تمكُّن الصمت أو التناقض من وضع الأمور في نصابها، فإنّ ثوقيديدس ببضع كلمات قد أسقط الجدار المحيط بمنطقة إيبوبولاس وأغرق سفينة هيرموكراتيس الحربية، وبالنهاية، إحتجز السراقسة في غرفهم وأرسل الأثينيين للتجوُّل حول صقليّة وإيطاليا لتحقيق طموحات ألكيبيادس. 

واحسرتاه، لا يُلغي القدر ذاته عمل القدر. 

39 

مهمة المؤرِّخ الوحيدة هي قول الأشياء كما حدثت بالضبط.

 إن يكن طبيباً للملك حرتشستا ويخشى الوقفة أمامه أو يأمل بالحصول على عباءة أرجوانيّة أو سلسلة ذهبية أو فرساً من سلالة مميزة، مقابل كيله للمدائح والثناء.

 لا يقبل المؤرِّخ المُنصِف العقلانيّ، مثل كسينوفون وثيوقيدس، التصرُّف على هذا النحو أو الوقوف بمثل هذه المواقف. 

قد ينزعج بعض الشيء على المستوى الشخصي، لكن، هو يهتم أكثر بالصالح العام ويضع الحقيقة (الواقعة كما وقعت بالضبط) فوق إنزعاجاته؛ قد يمتلك تفضيلاته، لكن، لن يُدير ظهره لأخطائهم.

 بالنسبة للتأريخ، أُكرِّرُ قولي، فأيّ راغب بتدوينه عليه إعلاء شأن الحقيقة وإهمال كل شيء آخر؛ هو دينه وديدنه الحصريّ، ليس لأجل التفكير بمن يسمعونه الآن، بل لأجل أجيال لم تُولَد بعد، أولئك الراغبين بما هو مخالف أو مضاد. 

40 

أيّ مؤرِّخ مُتطلِّع إلى تحقيق أثر مباشر أو فوري، فقط، يمكن تصنيفه ووضعه بين جموع المتملقين؛ وقد أدرك التأريخ منذ زمن طويل بأنّ التملُّق غير مناسب كالتبرُّج الذي تكرهه الرياضة. تصبُّ إحدى حكايا الإسكندر المقدوني في هذا المجرى. 

قال الإسكندر:

 "آه، يا أونيسيكريتوس. تسرُّني العودة للحياة بعد موتي لبعض الوقت، لأرى كيف تؤثر تأريخاتك في الناس بتلك اللحظة؛ فالآن، لديهم أسباب لكيل المدائح والثناء وهي طريقتهم للحصول على المكاسب". 

على ذات المنوال، يقبل البعض تاريخ هوميروس حول آخيل، المليء بالتخريف والمبالغات كما هو؛ الدافع الوحيد لإعتبار ما يورده صحيحاً، هو أنه لم يعش الحدث وليس هناك من سبب يدفعه للكذب.

يتبع

المصدر

The Way to Write History - The Works of Lucian of Samosata. Translated by Fowler, H W and F G. Oxford: The Clarendon Press. 1905

مواضيع ذات صلة

إشراق لوقيان السميساطي الإرتيابي

لوقيان السميساطيّ (1)

لوقيان السميساطيّ (2)

لوقيان السميساطيّ (3)

لوقيان السميساطيّ (4) 

لوقيان السميساطيّ (5)

لوقيان السميساطيّ (6)

لوقيان السميساطيّ (7)

لوقيان السميساطيّ (8)

لوقيان السميساطيّ (9)

لوقيان السميساطيّ (10)

لوقيان السميساطيّ (11)

لوقيان السميساطيّ (13 والأخير)

No comments: