Monday, September 29, 2025

Lucian of Samosata لوقيان السميساطيّ (10)

21 

هنا، نقطة أخرى تستحق التنويه. لدى هذا المؤرِّخ شغف بالدارجة اليونانيّة، وليصل بالنص إلى حالة من النقاء، أو التطهير اللغوي، إذا جاز التعبير، فهو يُترجم حتى الأسماء اللاتينية إلى اليونانية؛ حيث يجب ذكر الأسماء اليونانية المنتهية بالسين الشهيرة.

علاوة على ذلك، بموضوع موت سيفيريان، فقد إتهم المؤرخين الآخرين بالتركيز على إستعمال السيف، لكن، هو من أوصل نفسه للموت بتجويع نفسه بوصفها طريقة غير مؤلمة؛ فعلياً، ومع هذا، فقد إنتهى كل شيء خلال ثلاثة أيام، فيما يُعتبر الزمن الطبيعي للموت جوعاً هو سبعة أيام؛ فهل يمكن تصوُّر إنتظار القاتل لمضي سبعة أيام ليُجهِزَ على سيفيريان؟ 

22 

إذاً، عزيزي فيلو (فيلون السكندري)، كيف يمكننا تصنيف المؤرخين الذين ينغمسون بإستخدام عبارات شعرية؟ "وحين زعزع المنجنيق الحواجز، إنقضَّ تحت جنح الضجيج بسرعة هائلة"، يقولون؛ "لم يخلُ مكان واحد من هدر صوت قويّ كصوت الرعد"؛ أو، بموضع آخر من هذا التأريخ اللطيف، "سادت قرقعة السلاح في الرها، ساد هياج وفوضى عظيمة"، أو، "فكَّرَ القائد العسكري ملياً بكيفية الهجوم على السور". 

هو يُعبِّيءُ الفراغات بعبارات شائعة هابطة، فقط، من قبيل "كتب قائد الجيش إلى إمبراطوره، ذهب الجنود لشراء حاجياتهم، وبعد أن إستحموا، إجتمعوا ببعضهم البعض"، وهلمّ جرا. هو شبيه بالممثِّل الذي يضع قدماً في جزمة عسكرية وأخرى في شبشب. 

23 

ستجد آخرين يكتبون مُقدِّمات مميزة بنبرة عالية، لكن، بحجم فضائحيّ، رفع سقف توقُّعات ستظهر في المتن – ومن ثمَّ يرد مُلحق صغير متواضع للتأريخ؛ لا يُشبهُ شيئاً في هذا العالم أكثر من طفل – يقول بأنّه قد وجب عليك رؤية إله الحب والرغبة إيروس في صورة، يرتدي قناعاً ضخماً لهرقل أو لأحد الجبابرة؛ فحين يملُّ الحضور، يصرخون بوجهه، قائلين: 

"تمخَّضَ الجبلُ!". 

 ليست الطريقة المناسبة لفعل الأشياء؛ يجب أن تتوحد وتتجانس الطروحات، يظهر تناسب للرأس مع الجسد – ليس خوذة من ذهب، درع صدري مُضحك مُرقَّع بقماش بالٍ أو بجلدٍ مُهتريءٍ، درع لدن مصنوع من سيقان نبات البردي، ومحمي بجلد خنزير. ستجد مؤرخين كثيرين جاهزين لوضع رأس عملاق رودس على جسد قزم؛ فيما يقم آخرون بالعكس فيظهرون أجساداً بلا رؤوس لنا، ويغوصوا في الوقائع دون تمهيد.

 دافع أولئك عن نموذج المؤرِّخ كزينوفون أو كسينوفون، الذي يستهلُّ قوله هكذا: 

"لدارا الأول (داريوس) وباريزاتيس ولدين"؛ الواضح أنهم يجهلون قيمة الإستهلال ببعض القصص، وهو ما لا يشكّ الشخص العادي به، وهو ما سأبرهن عليه. 

24 

مع ذلك، أيُّ خطأ أو خلل في التعبير الصرف أو في الترتيب ممكن غفرانه؛ لكن، عندما تصل إلى الجغرافيا المميزة، التي تختلف عن الأخرى ليس بالأميال أو الفراسخ بل بسفر أيام كاملة، فأين هو النموذج التقليدي بهذا الإطار؟ 

فلم يهتم أحد المؤرخين كثيراً بهذه التفاصيل – يبدو أنه لم يلتقِ بأيّ سوريّ، كما أفترض، كما أنه لم يستمع إلى المعلومة المُضلِّلة خلال تواجده عند الحلّاق -، هكذا، يُحدِّدُ موقع مدينة يوروبوس (في مقدونيا اليوم) فيضعها في بلاد الرافدين، على بعد يومين سفر من نهر الفرات، وهي مستعمرة في منطقة الرها.

لا يكتفي بهذا، بل وصل الأمر بهذا المؤرِّخ المُغامر لوضع مسقط رأسي سميساط بكل ما فيها بمنطقة الرافدين، وتحديداً حدودها بين النهرين.

أظنُّ أنك ستضحك عليَّ يا فيلو، إن حاولت إقناعك بأنني لستُ فارسياً ولا رافدياً، لقد حوَّلني هذا المؤرخ البائس إلى مُستعمِر. 

25 

بهذه المناسبة، فقد حفظ قصّة بالغة الجاذبية لسفيريان عن ظهر قلب، فهو يُقسِمُ ليؤكد لنا بأنه أحد الهاربين من وقائعها. بحسبه، فهو لن يموت بالسيف ولا بحبل المشنقة ولا بالسُمّ، لكن، إستنبط موتاً وجب عليه الإتصاف بالمأساوية والإدهاش معاً.

لديه كؤوس ضخمة الحجم زجاجية قيِّمة كثيراً؛ ومتى نضجت فكرة الموت برأسه، كسر أكبر تلك الكؤوس وإستعمله كشظيّة تشق حنجرته، تقطع كخنجر أو كمشرط، أداة كافية لتحقيق موت بطولي ورجولي، بعد أن فشل في العثور على سيف أو حربة صغيرة! 

26 

إذن، كما ألَّفَ ثوقيديدس خطبة جنائزية على أوائل ضحايا الحرب القديمة، يشعر مؤرِّخُنا بوجوب السير على خطاه ويلقي موعظة على شرف سفيريان؛ ينافسون ثوقيديدس جميعاً وهو لم يكن له أيّ دور في المصائب التي دفعت أحدهم، وهو يدعى أفرانيوس سيلون للصعود فوق الضريح وكأنه خصم بيركليس ويبدأ بإلقاء خطبة، قد جعلتني أُدمِع من الضحك – يا للطلاوة والحلاوة!؛ سيما بنهاية الخطبة، حين تحدَّثَ باكياً عن موائد قائده المُكلِفة والمحتوية على الأغذية الصحية وشرب الأنخاب.

 لكن، ما لبث أن ذكَّرَ بميتة تليق بأجاكس، الذي يستلُّ سيفه بشجاعة مميزة وكما توقعنا أن يفعل فارس همام مثل أفرانيوس، بحيث يقتل نفسه على القبر وعلى مرأى الجميع.

وحق إينيالوس، من الحريّ به أن يموت قبل إعلان تلك السخافات.

ويضيف المؤرخ، قائلاً: 

 "إنّ من حضروا وشاهدوا قد تملكهم الإعجاب، فرفعوا أفرانيوس إلى السماء". 

أما بالنسبة لي، فقد آلمني كلامه حول الحساء والاطباق وبكائه على الحلوى، لكن، ما آخذهُ عليه، في المقام الأوّل، هو عدم قيام هذا المؤرخ بذبح كاتب تلك المأساة قبل موته!

يتبع

المصدر

The Way to Write History - The Works of Lucian of Samosata. Translated by Fowler, H W and F G. Oxford: The Clarendon Press. 1905

مواضيع ذات صلة

إشراق لوقيان السميساطي الإرتيابي

لوقيان السميساطيّ (1)

لوقيان السميساطيّ (2)

لوقيان السميساطيّ (3)

لوقيان السميساطيّ (4) 

لوقيان السميساطيّ (5)

لوقيان السميساطيّ (6)

لوقيان السميساطيّ (7)

لوقيان السميساطيّ (8)

لوقيان السميساطيّ (9)

No comments: