Sunday, September 28, 2025

The Atheist Encyclopedia الموسوعة الإلحادية (15)

5.3 كيف يُواجِهُ الملحدون الموتَ؟

تُوفيّت البارحة خالة زوجتي وذهبنا للدفن بحضور عائلتها، وضروري التنويه بأنها عائلة متدينة. 

لم تكن زوجتي تعرف بماذا تفكر بتلك اللحظات، فهي تائهة بين ما تلقته بصغرها وبين ما أحدثها به الآن. 

وبعد الإنتهاء من مراسم الدفن، وقبل ترك زوجتي في بيت العزاء، قالت لي:

"أحيانا، ليس سيّئاً حضور إيمان ديني، تعتقد عائلتنا بأن خالتي لم تغادرنا كلياً بل تُقاسمنا العالم بعالم آخر؛ ويعطي هذا شعوراً بالأمان، فهو ليس فقدان نهائي بل سنعود لرؤيتها!".

لم أستطع نقاشها بتلك اللحظة، لكن، بقيت أفكر بكلماتها؛ ولديّ ما أقوله وأتقاسمه بالحديث مع حضرات القرّاء المحترمين هنا.

لقد فقدت والدي منذ سنوات عديدة وأعرف وعايشتُ الشعور بفقدان من تحب، وأعرف أنه لو تؤمن أو لا، ستشعر بهذا الفقدان، وتستغرب موت الشخص بذات الشعور. 

أرى أنّ الفرق الاساسي يكمن بشعور المؤمنين بالراحة جرّاء إيمانهم بوجود الروح بمكان آخر حقيقي وإمكان اللقاء مع صاحبها من جديد؛ بينما، نحن غير المؤمنين، نشعر بأن حياتنا هي الفرصة الوحيدة التي سنعيشها، حيث يحاول الكثيرون منا عيشها بأفضل ما يستطيعون. 

ما يعزينا هو الذكريات ممن أحبينا وغادرونا، كيف لمس ذاك الشخص شغاف قلوب أشخاص آخرين، وكيف يتابع عيشه فيهم بعد موته، فتبقى أعماله، آثاره .......الخ.

يحدث هذا مع المؤمنين، كذلك، لم أقل بأن شعور الملحد هو أفضل من شعور المؤمن، بل أحاول توصيف شعور الفريقين فقط.

من جانب آخر، بالنسبة لي شخصياً، ليس هناك تبرير كافٍ للإحساس بالراحة بتحمُّل فراق شخص، لأنني مؤمن دينياً فقط. 

ليس لأنه يأتي بسياق المفاهيم الدينية، بل بسبب جملة من الأمور الغير مقبولة بالنسبة لي.

كيف يمكن أن تخدع نفسك بافكار تقول: 

إن عائلتك ليست ميتة، بل نائمة! وهذا مكافيء للتفكير بأنها تتواجد في "السماء" مع قليل من الخيال الجامح للغاية.

  عند الحاجة إلى خداع أنفسنا بأفكار للعيش بشكل أفضل، ربما يمكننا إبتكار خيالاتنا الخاصة، ولكن، إلى أيّ درجة إقناع نصل؟!

أنا أرى بأن الموت كحالة إغلاق الحاسوب، فها هو ميّت لا حسّ ولا خبر (كتلة صمّاء من المعادن!). يكمن الفارق بإمكان إعادة تشغيل الحاسوب بعد برهة من الزمن.

ما أحاول قوله، يُشبِهُ ما بعد الموت، برأيي، ما قبل الولادة، أي لم نكن موجودين، وكذلك، سنكون بعد الموت ببساطة (فكرة ماخوذة من إبيقور). 

أرى بأن الحياة هو ما نفعله فيها، وليس روح بأجنحة، يجري (تجري) هنا وهناك هائماً؛ أو ربما نمضي من جسم لجسم.

الحياة قبلنا، ليست حياتنا، لم يحضر شيء، فقد حضرت حياة الأشخاص الذين قبلنا.

الحياة خلال وجودنا، هو ما يمكننا فعله بأعمالنا.

والحياة بعد موتنا، هو ما تركناه خلفنا، ويستمر ما يحمل القيمة مما نتركه ويصنعه أحباؤنا وآخرون.

كلما زادت قيمة ما نترك، فسيكون تأثيرنا أكبر بالآخرين، ولزمن أطول بعد الموت.

  الموت جزء من الحياة. ستدفعنا، معرفة أن زمننا سينتهي، للإستفادة القصوى من وقتنا والتفاعل وعيش حياتنا بأبهى صورة ممكنة. يُفكّر كثير من الأشخاص المتدينين بتمضية حيواتهم بخدمة معتقدهم الديني، حيث يُكرّسون وقتهم للصلوات والإجتماعات الدينية، ومرة أخرى، حول تاريخ أسطوري وكائن مُتخيَّلْ، لأنه وحسب رأيهم، فلديهم حياة أخرى بعد الموت. 

أيّة مزحة سمجة هذه! فبعدما يموتوا لن يعيشوا أبداً، هذا ما حصل مع كل الموتى حتى اللحظة على الأقلّ!!

6.3 الأقرب

  الموت  هو بلوغ أوج الحلقة، التي يسلكها كل كائن حي:

ولادة، نمو، تناسل وموت. 

(أو دون تناسل في حالة فرد أعزب: ولادة ثم نموّ ثم موت)  

يعرف كل إنسان أنه سيصل يوما ما إلى هذا الأوج.

 يحاول أن يتفاداه قدر المستطاع؛ أو أن يتناساه حتى يظهر. 

أحياناً، يحصل فجأة، عبر حادث سير، قتل، توقف عضلة القلب أو تعطُّل عمل الدماغ. 

 أحياناً، ينتبه بأن الوقت يقترب، وفقط، ينتظر أن يضرب القلب ضربته الأخيرة. 

في بعض المناسبات، يقسو لا يلين، وفي مناسبات أخرى، يبدو بسيطاً بلا ألم. 

يصل إلى كثيرين قبل وقته؛ وأحياناً، قبل بكثير مما هو متوقع. 

كذلك، لا يترك الموت البعض ليُكمِلَ فعله الحيوي أحياناً. 

 يصل البعض موتى إلى العالم. 

غالباً، يبحث القليلون عن الموت؛ فيما تُلاقيه الأغلبيّة في أغلب الأحيان.

مالذي يحصل عند موت الكائن الحي؟

سيذهب إلى جهة ما؟

 هل سيحضر الوعي لديه بعد الموت؟

 هي أسئلة، قد فعلت في الانسانية فعلها منذ أقدم الأزمنة.

لاقت الأجوبة المُقدّمة، حتى لو بدت غير منطقية أحياناً، إستحسان الأغلبية.

 بغرض المؤاساة، ابتكر الانسان "الأبعد". 

أسْكَنَ الخوف من الموت بفكرة الأمل بوجود حياة أخرى، وجود آخر أكثر متعة وإغراء، أكثر عدلاً وفرح من الحياة المعاشة.

في أوقات هذيانه، أودع ثقته بأرض موعودة، بجنة عدن خالدة، في متعة أبدية.

 هو نموذج من اللذة، مرتبط بثقافة وهمية، قد سكنت عقل المُبتَكِر. فكل الملذات المحظورة (سيما المحظورات الجنسية منها) هنا، متوفرة بكثرة هناك!

شيء جذَّاب .. أيس كذلك؟

ربما.

 لكن ليس للكل.

ففكرة جنة الخلد ، بالنسبة للبعض، ليست أكثر من فكرة وهمية لا تعني لهم شيء.

 البعض، الذين لا يعجبهم تصديق الأشياء، قبل تأييدها بشيء أقوى من التخيل المدهش لشيء، أقرب ما يكون للإختلال الذهنيّ.

ما هو موقف المُلحِد من الموت؟

موقف المُلحد، هنا، هو كموقف أيّ كائن مفكِّرْ. 

في لحظة خاصة جداً، يكتشف الملحد أن الموت، رغم أنه يعني فقدان للوعي، والانتقال من حالة المفكر لحالة الجمود، فهو المرور إلى "الأقرب" أيضاً، هي لحظة عودة كل كائن حيّ إلى عناصره، التي منحتها الحياة له، ويبقى مُشكِّلاً لجزء من كل شيء. 

لا يترك الوجود؛ فكما نعلم المادة لا تفنى بل تتغيّر وتتحوّل، إذاً، ببساطة، تتغير الحالة! 

هو طرح بعيد عن طروحات مذهب الحلول – وحدة الوجود – .

  شيء بهذا السمو، كمفهوم الانتماء للكل، الوعي بأنّه يُشكِّلَ جزءاً من هذا الكون الشاسع الواسع، لا يدعه يقع بشراك فكرة ضحلة وغير معقولة. 

هذه هي الفكرة التي تصاحب الملحد في آخر أيامه. 

يعرف، ودون خشية من الموت، بأنه غالبا، سيعود يوماً ما ليُشكِّل حالة مفكرة، ستخلقه الحياة من جديد، كما حصل خلال ملايين السنين، بحلقة خالدة أنيقة وجذّابة، سيما أنه يتمسّك بالفكرة القابلة للتعديل نحو الأصحّ دوماً.

7.3 لا يخشى المُلحدون الموتَ 

تتمثل إحدى فوائد الدين المزعومة بتزويد المؤمن بالعزاء في مواجهة أحد أكبر مخاوف الإنسان، ألا وهو الموت. 

مع هذا، ليس ضرورياً الخضوع الأعمى لأكثر الآلهة تقلباً في المزاج، لحسم الصراع مع الموت.

منذ الأزل، ابتلع المؤمنون الحقيقيون الطُعْم، دون امتلاك القدرة على تذوقه بشكل صحيح أو هضمه! 

حيث قدّم لهم الدين فكرة خداع ذاتي تتصل بجنّة عرضها السماء والأرض مليئة بالملائكة العذراوات، وفكروا أنهم، بهذا، يخدعون الموت ذاته ويظفرون بعزاء كاذب.

تثبت دراسة حديثة أنّ الملحدين لا يحتاجون لأيّ نوع من الأعذار للخوف من شيء، هو طبيعي ببساطة، وبذات الطريقة، لا يكترثون بحوالي 14700 مليون عام، قد سبقت وجودهم الراهن ولا باقي الملايين من الأعوام، التي ستبدأ اعتباراً من الآن، فلن تحمل لنا أيّة آلام، لأنه لا يوجد شيء بعد الموت، وما هو مهمّ، حقاً، هو أن نعيش أيامنا ونستمتع بكل لحظة خلالها.

يجب أن نفهم بأننا كبشر لسنا أكثر من زَفْرة في هذا الكون الفسيح، ولهذا، لن تصمد فكرة الخداع الذاتي، كثيراً، للعيش هناك في الأعالي بعد الموت! 

هناك الكثير من الأفكار، التي تنقض هذا الطرح؛ وهي بازدياد مستمرّ بتقدُّم الوقت.

يتبع

تنويه: مصادر الموسوعة كاملة في الجزء الأوّل

للإطلاع على باقي الأجزاء

الموسوعة الإلحادية (1) إعداد: أحمد فاسم الحاج إبراهيم - مُقدِّمة

الموسوعة الإلحادية (2) متابعة المُقدِّمة

الموسوعة الإلحادية (3) تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (4) متابعة تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (5) متابعة تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (6) ما يقوم الإلحاد به + شبح الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (7) ذهنية المُلحِد + الوصايا الإلحادية العشر

الموسوعة الإلحادية (8) لماذا يتحدث المُلحِد كثيراً حول الأديان والآلهة

الموسوعة الإلحادية (9) الإلحاد وتاريخ من الكفاح الطويل

الموسوعة الإلحادية (10) قصّة جديرة بالتذكُّر

الموسوعة الإلحادية (11) المُلحدون والموت

الموسوعة الإلحادية (12) البحث عن بدائل غير مادية

الموسوعة الإلحادية (13) الموت بحسب العلم

الموسوعة الإلحادية (14) إبيقور وتولستوي والموت

No comments: