Sunday, September 28, 2025

The Atheist Encyclopedia الموسوعة الإلحادية (14)

 

3.3 يوفِّرُ إبيقور المُلحِد العزاء بمواجهة الموت 

  إبيقور، هو مفكِّر ومُلحد متميز وإنسان، قد فهم كيف يواجه القلق الذي يتملكُّنا بمواجهة الموت.

قبل ولادتنا بقرون كثيرة، تساءل هذا الإنسان ما نتساءله يومياً، دون تجنب الإصطدام بالعقائد الماورائيّة، وقد بحث عن إجابات.

قبل أن يحدثنا علم النفس عن مفهوم اللاوعي، بقرون، تكلّم إبيقور عن القلق بمواجهة الموت، بوصفه شيء لا واعي عند كل الكائنات البشرية تقريباً، ولهذا، بالذات، قد تخفّى تحت مظهر آخر.  

بالنسبة له، يُعتبر الإفراط في:

التديُّن، السلطة، الغنى، الوطنيّة ... الخ، ما هو إلّا صيغة لحلّ إشكاليّة الخوف من الموت؛ محاولة لإسكات هذا الرعب.

بالنسبة له، الحضور الطاغي للخوف من الموت:

 هو ما يجعلنا بؤساء وفي حالة ألم متواصل.

جذر هذا الألم أبعد من آلام الجسد:

 هو دلالة روحيّة، أي معرفة طبيعتنا كأحياء زائلين عابرين.

 لكن، لنعرف بأنّ هذا هو "الشرّ"، الذي يستهلك الكائن البشريّ، فقد وضع إبيقور ثلاثة براهين تعمل على تخفيف مشاعر القلق من الموت.

  البراهين الثلاثة (التي أنقلها من الكتاب الممتاز "قضيّة موت أو حياة" لمؤلفه إرفين د. يالوم)، هي على التوالي:

أولاً: موت الروح

ثانياً: الموت بوصفه تلاشٍ شامل

ثالثاً: برهان التناظر (التماثل)

  إبيقور واضح في برهانه الأوّل، فقد أكّد بأنّ روحنا هالكة، بالتالي:

 إشتكى من طروحات الكهنة، الذين تلاعبوا من خلال تهديدات ماورائيّة سيتعرّض لها كل من لا يخضع لعقائدهم –  بقلق الناس من الموت.

قال أبيقور في البرهان الثاني، أن الموت بوصفه تلاشٍ شامل، لا يمكنه التسبُّب بالأذى لنا، لأنّ حضوره ببساطة يعني غيابنا، أو بكلمات أخرى:

 "فيما لو أتواجد، لا يحضر الموت؛ لكن، حين يحضر الموت، فأنا لن أتواجد أو أتلاشى".

أما في البرهان الثالث، فقد تكلّم أبيقور عن عدم حضورنا إثر الموت وهو ذات الأمر الحاصل قبل الولادة، حيث لم نكن حاضرين.

ولهذا أسماه بالتناظر.

وقد وسَّعَ فلاديمير نابوكوف هذا المنطق في "كلام الذاكرة"، حين قال:

"يهتزّ المهد فوق هوّة سحيقة لا قرار لها، ويُملي التفكير السليم بإستخلاص أنّ وجودنا ليس أكثر من ومضة بين عتمتين أبديتين. رغم تطابقهما، يتأملُ الإنسان، بالعموم، هوَّة ما قبل الولادة بهدوء أكبر من الهوّة التي يتجه لها (بسرعة تُقدّر بحوالي 4500 نبضة بالساعة!)".

  لم يُهمل إبيقور التعاطي مع كل ملذات العالم في زمنه. 

لهذا، تركّزت فكرته حول إستثمار اللحظات التي لا تُنسى، ففي أوقات لاحقة، يمكن إستحضار تلك الصور الذهنية، عن تلك اللحظات، كنوع من العزاء، وهي ما يستحق التذكُّر فعلاً.

بناءاً على ما تقدّم، يجب علينا أن نحبّ مصيرنا.

 وكما قال نيتشه: 

 آمور فاتي

وهو تعبير لاتينيّ، يعني محبة المصير (عشق القدر).

 يجب أن نحبّ كل لحظة صالحة:

 بإعتبارها تستحق الوجود فقط.

 

3.4 تولستوي والموت 

  تولستوي، هو كاتب روسيّ رائع، دون أدنى شكّ، وقد أثّر بغاندي بمسألة فلسفة اللاعنف

لكن، ما هو غير معروف كثيراً حوله:

 تناقضاته الدينيّة المُريعة، والتي دفعت الكثيرين لإعتبارها لامنطقيّة أو لاعقلانيّة.

عندما قرأتُ عمل تولستوي الشهير "الحرب والسلام"، لفت إنتباهي أثر الموت بنفس تولستوي نفسه.

لم يمرّ يوم واحد بطول كثير من الأعوام، دون غرق في عالم الشكّ.

ولهذا، إعتاد أن يقول:

"أشعر بالهلاك. أعيش وأموت. أحبّ الحياة وأخشى الموت".

  تولستوي فيلسوف حياة أكبر، لكنه، رآها من خلال المسيحيّة، التي شكّلت الصيغة الوحيدة، التي أمكن من خلالها فهم الحياة وإعطائها المعنى بوقته.

 رغم أنّ نشر كتاب داروين "أصل الأنواع" قد حصل وتولستوي على قيد الحياة، لكنه لم يأخذ كل هذه الشهرة القائمة اليوم، ولم تكن قد إنتشرت فكرة الكتاب المركزيّة المتناقضة مع فكرة الإله الواحد في العالم.

لا أعرف إن كان تولستوي قد غيّر منحاه الدينيّ إثر قراءة عمل داروين، لكن، ما أعرفه حقاً بأنّه لم يغيّر قطّ فكرة التأمًّل بموتى عائلته، سيما أولاده، وحتى أنّه برّر "عدالة الله" بهذا الإتجاه. 

رغم قوله "أخشى الموت" ووعظه بأخلاق مسيحيّة:

 فقد عاش تولستوي حزيناً. 

وعلى ما يبدو، فلم يقدّم له إعتقاده الدينيّ الإيمان الذي قد احتاجه. فبحسب إبنه ليون، شكّل الذُعر من المجهول (اللاشيء) الدافع لتولستوي للبحث عن عزاء في الدين. 

وقد إنتبهت زوجته لحجم اليأس المُسيطر على روحه، ولذلك، قامت بإخفاء الأسلحة، الحبال ...الخ من دربه، خوفاً من إقدامه على الإنتحار.

ما الذي يقوله لنا كل هذا؟

 يقول لنا أنّ العقيدة التي جاهر بها لم تصل لتقنعه هو ذاته. 

 تناقضات لا يمكن نفيها ولم يتمكّن من التصالح معها، لكن، بذات الوقت، لم يتمكّن من معارضتها، نظراً لإمكان تعرُّض سلامته الذهنيّة للأذيّة.

كل قوى هذا الرجل صوفيّة، ودون إله، هل سيتبقّى شيئاً من صوفيته؟. 

هو صنف من الرجال، لا يمكنه التسامح مع حالة العيش في عالم دون إله.

  يتحدث كاتبا سيرته، إيريني وأندريسكو، عن هذا الإتجاه، فيقولان:

"لاحقاً، لم يكن الخوف من الموت إنّه يبحث عن ذاك الملجأ الأسود بل اليأس الذي يُنتجه غياب الإله، دون إيمانه هذا، من غير المجدي أن يعثر العقل على معنى للحياة، الأمر الذي يُجبره على البحث عنه بشغف".

لأجل ذلك، وعبر إتباعه للمعايير الأخلاقيّة المسيحيّة، والتي تُمجِّد الفقر بوصفه سعادة حقيقيّة:

 خلق كابوساً حقيقيّاً لعائلته، التي لم تشاركه تلك الإعتقادات، لإقتناعها بلا منطقيّة منهجيتها.

لكن، بالنسبة لتولستوي، لا معنى للحياة، إن لم يسلك فيها بهذه الطريقة. توجب عليه تحقيق التواصل الأكبر مع المسيح، فيما لو كان مسيحياً في الواقع.

بالنهاية، أرى أنّه فيما لو نتمكن من الولوج إلى قلبه، لوجدنا بأنّ فكرة الخوف من الموت وإمكانيّة عدم حكم الله للعالم:

 قد شكّلت المحرِّك الرئيسيّ بحياته. 

رغم رغبته بملاقاة الموت، فقد فعل هذا تحت ضغط اليأس.

 ونظراً لإصطدامه بكل تلك الفوضى في الحياة، فقد دخل في حالة الشكّ القاتل.

حسناً، وعلى الرغم من أنّه في كثير من المناسبات، قد تصرّف دون حساسيّة إزاء موت أحبائه؛ وفي مناسبات أخرى، قد بكى لمدّة أيّام ولم يوفّق، بهذا، مع عقيدته المسيحيّة. 

وربما يعود هذا، لما أشار له إيميل سيوران، حين قال:

"يموت منذ الأزل، ومع ذلك، لم يفقد الموت نضارته. هنا، يُقيم سرُّ الأسرار".

وبالنسبة للكاتب الرائع تولستوي، سيرافق الله حياة ما بعد الموت وقيام العدل الإلهيّ النهائيّ دوماً. 

فالعيش في عالم ليس على هذا النحو:

ليس عيشاً بالنسبة لتولستوي. 

وقبل الموت، من الأفضل القيام بخداع الذات!!

يتبع

تنويه: مصادر الموسوعة كاملة في الجزء الأوّل

للإطلاع على باقي الأجزاء

الموسوعة الإلحادية (1) إعداد: أحمد فاسم الحاج إبراهيم - مُقدِّمة

الموسوعة الإلحادية (2) متابعة المُقدِّمة

الموسوعة الإلحادية (3) تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (4) متابعة تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (5) متابعة تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (6) ما يقوم الإلحاد به + شبح الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (7) ذهنية المُلحِد + الوصايا الإلحادية العشر

الموسوعة الإلحادية (8) لماذا يتحدث المُلحِد كثيراً حول الأديان والآلهة

الموسوعة الإلحادية (9) الإلحاد وتاريخ من الكفاح الطويل

الموسوعة الإلحادية (10) قصّة جديرة بالتذكُّر

الموسوعة الإلحادية (11) المُلحدون والموت

الموسوعة الإلحادية (12) البحث عن بدائل غير مادية

الموسوعة الإلحادية (13) الموت بحسب العلم

الموسوعة الإلحادية (15) كيف يُواجِهُ المُلحدون الموتَ؟

No comments: