Sunday, July 27, 2025

The Atheist Encyclopedia الموسوعة الإلحادية (2)


تتأسّس الحياة الفلسفيّة للمُلحد على الخبرات المُتكوِّنة عن العالم الواقعيّ والمنهج العلميّ، وبصورة مستقلّة عن أيّة إفتراضات أو تصورات تعسُّفيّة سلطوية (مرجعيّاتيّة) وعقائدية.

بالإضافة لأنّ هذا، يقود، تقليدياً، إلى إكتساب أهميّة كبرى عبر تعامل الفرد بمسؤوليّة مع الآخرين ومع الطبيعة، فهو لن ينتظر أيّ تدخُّل غيبيّ ألوهي لدى حدوث أيّ شيء سيّء.

  يرى مُلحدون غياب مُطلق للدليل على الآلهة أو الكائنات فوق الطبيعية الأخرى. 

من هنا، يستند الإلحاد إلى قواعد فلسفيّة وإجتماعية أو تاريخيّة.

مع ذلك، لا يتعصّب المُلحد لأيّة منظومات فكرية أو تقاليد، بالعموم، ودون تعميم.

في هذا الإطار، أتفق تماماً مع ما قاله السيّد رمسيس عوض في مقدمة كتابه "ملحدون محدثون ومعاصرون"، حرفياً:

"الإلحاد ظاهرة بشرية شأنه شأن الإيمان. وبالتالي، يجب دراسته بموضوعية وجدية بعيدا عن الإنفعال والتشنج، إذا أردنا فهم العالم الذي نعيش فيه. فإغماض العين عن هذه الظاهرة، لا يعني عدم وجودها".

ليس لديّ غاية تبشيريّة بالإلحاد أبداً، بل يهمني التعبير عن توجهي الإلحاديّ بحريّة ودون الإساءة لأحد او لشيء. لا ينفي هذا وجود ملحدين تبشيريين، وهي حريّة شخصية لهم بالطبع، رغم عدم إتفاقي معهم. حيث يرون بأنّ المسيحيين يربون أولادهم كمسيحيين، ويقوم اليهود والمسلمون والهندوس وسواهم بذات الأمر، هنا يظهر السؤال المشروع التالي:

 ألا يمتلك الملحدون الحقّ بتربية أبنائهم كملحدين؟

حسناً، رغم أنني من المُلحدين، أرى بأن الجواب على هذا السؤال، هو:

كلا، لا يجب علينا كملحدين تربية أولادنا على الإلحاد (هذا ليس ضرورياً أصلاً: يُولَدْ الأطفال ملحدين؛ البالغون هم من يعلمهم الإيمان بالآلهة ويطبعون في أدمغتهم العقائد الدينية، التي تلقوها بدورهم من كبارهم وتتوافق مع الزمان، والمكان الذي نشؤوا به من العالم).

أرى بأنه ما يجب تعليمه للأطفال، هو:

 ألاَّ يصيروا ملحدين، بل أن يرفضوا الدوغمائية والعقائد المفروضة فرضاً.

 ما يجب تعليمهم إياه، هو:

 التفكير الحرّ وتحليل أيّة فرضية بصورة نقدية.

أتفق كلياً مع الكلمات التي كتبها، منذ أكثر من قرنين، الشاعر الاسكتلندي جيمس بيتي:

"يجب أن يصبح هدف التربية هو تعليم كيفية التفكير قبل تعليم بماذا يُفكَّرْ".

يبدو لي أن ما يتوجب علينا القيام به، بإطار حماية أولادنا، بالعموم، هو:

 تفادي التلقين وفرض الآراء عليهم.

يجب أن يشعر كل طفل بالحرية والقدرة، بصورة حيادية، على مراجعة أيّ إفتراض والتمتُّع بالحسّ السليم، بما فيه إفتراض وجود إله كليّ القدرة، قد خلق وصمم العالم الذي نعيش فيه ويتمكن من تغيير عمل القوانين الطبيعية لهذا العالم، إن نتضرع إليه ونطلب منه هذا بصلواتنا.

جرى إعتبار فرضية وجود الآلهة، بشكل دائم، قضيّة ما ورائية. يقول لنا رجال دين ومؤمنون بمختلف العقائد:

"الإيمان والفكر، عبارة عن شيئين منفصلين تماماً. لا يمكن للعقل قول شيء فيما يتصل بمسائل الإيمان".

هي صيغة قديمة لحماية إيمانهم؛ تشكل إجراءات خفيفة لتفادي أيّ تفحُّص شامل لمضامينه. بحسب فهمي لهذا الأمر، لا يجب أن نشعر بالإضطرار لقبول هذا الطرح.

أخيراً، الإلحاد عبارة عن وجهة نظر وليس حقيقة مطلقة، وهي النقطة الفارقة القطعية التي تميزه عن الأديان عموماً، وعن الأديان الثلاثة الكبرى، اليهودية والمسيحية والإسلام، على وجه الخصوص.

يجب على المؤمنين، سيما المسلمين، التعامل بنديّة مع الملحدين؛ يجب على الملحدين إحترام جميع المؤمنين، عندما يدفعهم إيمانهم لإحترام الآخرين والتقرُّب منهم؛ لا قتلهم والإعتداء عليهم.

يجب العمل على تطبيع حضور الإلحاد في العالمين العربي والإسلاميّ.

كما أنّه من حقّ المسلم التعبير عن إيمانه؛ من حقّ غير المسلم، ومن حقّ المُلحِد، التعبير عن توجههم الإيماني وغير الإيماني بحريّة كاملة لا إساءة فيها للآخرين ولتوجهاتهم.

كذلك، كما أنّ المؤمن يرى خلاصه بعقيدته الدينية، فإنّ الملحد يرى خلاصه بلاإيمانه بأيّة عقيدة دينية وبأيّ إله ببساطة.

لا يقوم الإلحاد على محاربة الأديان والمؤمنين بها؛ لا يشكِّل الإلحاد مؤامرة لهدم الأديان؛ لا يدعو المُلحِد لإلغاء الأديان وإستبدالها بالإلحاد.

وقد جانب الصواب الشاعر الإنكليزي ت. س. إليوت، حين قال:

"فيما لو نقم بإلغاء كل الرموز الدينية، كل الإرث الديني، فلن نستطيع فهم شيء من كتابات فولتير ولا من كتابات نيتشه".

تنويه: مصادر الموسوعة كاملة في الجزء الأوّل

للإطلاع على باقي الأجزاء

الموسوعة الإلحادية (1)

No comments:

Post a Comment