2025/10/25

The Atheist Encyclopedia الموسوعة الإلحادية (22)

 

5. أصل النظرة السلبيّة تجاه الإلحاد، وبالتالي، تجاه الملحدين 

تتربّى غالبيّة البشر على الإيمان بالله، لذلك، تُعتبر فكرة مغادرة هذا الإيمان بتلك الكائنات الخياليّة أمراً مخيفاً. 

فعلى الصعيد النفسيّ، من الصعب أن تُصبح مُلحداً، وذلك بفضل التأثير العقائديّ الدائم منذ زمن مُتطاولٍ في القِدَمْ.

كذلك، في كثير من الأحيان، تنشأ ضغوط إجتماعيّة وعائليّة قويّة مُناهضة للإلحاد والمُلحدين. 

لذلك، نرى حملات عنيفة تصف الملحدين بالآثمين وغير الأخلاقيين، يتكرّر هذا من قبل المؤمنين الدوغمائيين، علماً أن كل ما يقولونه في حملاتهم، تلك، قابل للتفنيد وبالأدلة الواقعيّة.

1.5 نقد الإلحاد

ما سيرد، الآن، باقتضاب، يتعلّق بالنقد المُوجّه للإلحاد، والذي يمكن إجماله في ثلاث إتجاهات، هي:

أولاً: تقييم أو تقدير مضمون الصدق

لإمام المغنين. لداود. قال الجاهل في قلبه:

 ليس إله. (مزامير 14-1، الترجمة اللوثرية للكتاب المقدس).

لا يكن أحد أحمقاً إن لم يرتكب حماقةً.

حيث تتوقف درجة الحماقة على وزن، أو على أهميّة، الدليل المُقدّم فقط، الدليل المُناهض للتصريحات أو التأكيدات.

 لا توجد أدلة على وجود الله، لكن، يوجد الكثير مما يُعاكس هذه الأدلة!

"الأشخاص الذين توصلوا لمعرفة الله، يعرفون ببساطة بأنّ الله موجود!".

لكن، فيما لو يكن الأمر بهذه السهولة، مَنْ هو الله إذاً؟ 

يختبر الأشخاص بكل دين، وحتى أشخاص غير متدينين، من مُلحدين أو سواهم، لحظات روحيّة ما. 

 يُبيّن هذا لنا قدرة الدماغ على توليد العواطف القويّة والأحاسيس والهلوسات. وإلى جانب الآمال القائمة ذات الصلة، تحضر المشاهد الخاصة بالخبرات الدينية من كلّ شكل ولون.

يمكن أن تمتلك الخبرات الداخليّة عُمقاً وتأثيراً قويّاً على المدى الطويل، لكن، لا يُشكّل هذا دليلاً على وجود الله.

"المُلحدون دوغمائيون مثلهم مثل المؤمنين، لأنّ الإلحاد يتأسس على الإفتراضات، وهو يقوم بهذا أكثر من أيّ دين".

لا يُشكّل انتظار الأدلة قبل الإيمان بشيء ما فرضيةً أو افتراضاً. 

بل هو تصرُّف منطقيّ عقلاني سليم. 

ما يتصف بالدوغمائيّة، هو الدعوة إلى الإيمان بشيء لا أدلة عليه.

وبخلاف الأديان، لا يمتلك ولا يفرض الإلحاد كتابات ولا تعاليم عقائدية ولا نصوص قداسيّة على أحد. 

غالبيّة الأشخاص الذين أصبحوا مُلحدين، فقد توصلوا لهذا الموقف جرّاء قراءاتهم وبحثهم الشخصيّ البحت.

ثانياً: تبعات عدم الإعتقاد أو عدم الإيمان

رهان باسكال

قال الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال بأنّه يتوجّب على الشخص الرهان على وجود الله، حيث يمكنه أن يربح كل شيء، وفي حال مُعاكس فهو لن يخسر أيّ شيء. يقوم هذا الرهان على افتراضات تعميميّة، وكأن الشخص يختار بين الله الصحيح والإيمان به (بمنطق الربح والخسارة) وبين الصدق أو التفكير النقديّ.

 يتصف برهان باسكال بنوع من الخداع، فهو يؤكّد بأنّ الدين لا يُكلّفنا شيء. يستهلك الدينُ الكثير من جوانب حيواتنا، فالزمن الذي نصرفه، ثمنه نقود، مثلاً، حينما نخصصه للذهاب إلى الكنائس (الكُنُس والجوامع وهياكل ومعابد أخرى كثيرة) والتبرُّع لها، دون نسيان زرع الدين للمخاوف بكثير من النفوس البشرية في الماضي وما يزال.

ما هو أكثر أهميّة، رغم ذاك، الحاصل هو أنّ الإيمان بشيء غير موجود، لاتخاذ قرارات خاطئة، مبنيّة على افتراضات فاسدة ومستوحاة من طروحات دينية. 

بالنتيجة، أساسيّات برهان باسكال خاطئة، وبدلاً من هذا، يجب تأسيس البرهان على أدلة لا على إحتمالات، إنْ يكن الله موجوداً.

العواقب المُجتمعية

يجب أن يساهم الإيمان بالله بتحسين الوضع الصحّي، بزرع الفرح وإطالة معدلات عُمر الفرد. 

بينما يُبيِّن الواقع الراهن، وبحسب بعض الدراسات له، ففي البلدان التي يسود فيها التديُّن، ترتفع فيها نسبة القتل أكثر لأطفال وبالغين على حدّ سواء، ترتفع فيها نسبة الأمراض الناشئة عن الإنتقال الجنسيّ والحمل والإجهاض.

ثالثاً: سلوك المُلحدين

"هتلر، ستالين، ماو وبول بوت: هم مُلحدون، بالتالي، كل ما ارتكبوه من جرائم يُعزى للإلحاد". 

يمكن إثبات خطأ هذا البرهان التقليديّ على سوء الإلحاد والمُلحدين، وفق الآتي:

- لم يكن هتلر مُلحداً. انتمى لعائلة كاتوليكية مُلتزمة دينياً، ولم يُسجّل له أيّ تصريح يتراجع عن إيمانه فيه أو خلاله.

- ستالين هو طالب إكليركي سابق، لم يُناهض السلطات الدينية لاحقا لأنه مُلحد، بل لتدعيم سلطاته الدكتاتورية. 

(حتى هذه المعلومة غير دقيقة، حيث نسّق ستالين مع الكهنوت الآرثوذكسي الروسي وسعى لخلق فاتيكان آرثوذكسي .. الصحيح أنّ كل هذا لتدعيم سلطاته المُطلقة وليس حبا بالمسيح والكنيسة ولا هو موقف لاديني إلحادي ..الخ، وهذا سيُرى في مواضيع قادمة من هذه الموسوعة بالتفاصيل).

- كانت والدة ماوتسي تونغ بوذيّة صميمة، وأرادت أن يصبح ابنها ماو مثلها، لكن، ماو، بدل اعتناق البوذية، اعتنق الماركسيّة وحولها لدين شخصيّ!

- درس بول بوت في مدرسة القديس ميشيل الكاتوليكية في بنوم بنيت، وربما صار مُلحداً، لكن الأكيد أنّ الإلحاد لم يدفعه لإرتكاب جرائمه!

  ستالين وماو وبول بوت ماركسيون لينينيون. نظر الثلاثة إلى الدين كمُهدّد لسلطاتهم الشخصية ولهذا حاربوه. وعملياً، تحولت شيوعيتهم إلى دين جديد بديل بقالب دنيوي، تمثّل جوهره بالخضوع "للدولة" بدلاً من الخضوع لله!

"يقول المُلحدون: نحن عبارة عن تجمُّع من الذرّات الطبيعية فقط، لذلك، لا يوجد شيء إسمه أخلاق. هذا يعني بأنّه يمكننا فعل كل ما يُعجبنا"!

عندما يجري اعتبار الأخلاق مظلّة للعيش معاً في مجتمع عدل، والتعاطي مع الآخر برعاية واحترام، فسنجد الملحدين هناك دوماً. تتمتع الجمعيات الإلحادية في ألمانيا والدول الإسكندنافيّة بسمعة أخلاقيّة رفيعه، حيث تنخفض نسب المُراهقات الحوامل، الإجهاض والطلاق بصفوف أعضائها. 

فالأخلاق البشرية الأصيلة فطرية لدى الجميع.

2.5 إضطهادُ المُلحدين

الملحدون هم أقلية غير مرئية يتم وصمهم وتنميطهم، سلبياً، إضافة إلى تهميشهم وإضطهادهم بظلّ إنتشار التمييز ضدهم في جميع أنحاء العالم.

هل تؤمن بالله؟

هذا سؤال حمّال أوجه؛ بمعنى أن هناك إفتراضاً يطال حضور مفهوم يسمى "الله" ذو تعريف فريد أو حصريّ وحيد، ويعكس السؤال تحيزاً ضمنياً من قبل السائل.

لا يمكن للمرء الإجابة على هذا السؤال بنعم أو لا دون الإعتراف بالافتراض المقدم.

هناك عدد غير معروف من الأديان في العالم، التي تشمل المعتقدات التوحيدية والمتعددة والمعتقدات غير التوحيدية.

هناك تحيُّز منتشر ضد الملحدين يثير مشاعراً وآراءاً سلبيةً ضدَّهم استناداً إلى صور نمطية سلبية خاطئة. حيث يُنظر إلى الملحدين على أنهم غير أخلاقيين وغير جديرين بالثقة أكثر من معظم المجموعات، ووجد أحد الإستطلاعات أنّ هناك ميلاً لإعتبار الملحدين مثلهم مثل ممارسي الإغتصابات الجنسية. كذلك، ينظر كثيرون إلى الملحدين على أنهم أكثر عرضة للإنخراط في سلوك إجرامي وارتكاب أفعال غير أخلاقية وشنيعة مقارنة بالمجموعات الأخرى.

ووجدت الاستطلاعات أن التحيز ضد الملحدين يشمل الاعتقاد بأنَّ:

 الملحدين أقلّ وطنية! ولا يحملون نفس الرؤية للمجتمع مثل الآخرين؛ وتميل الناس لعدم التصويت لمرشح رئاسي ملحد مؤهل؛ وأن الملحدين أقل رغبة في إقامة علاقات شراكة عاطفية طويلة الأمد، وفي الغالب، يكونوا غير مخلصين لشركائهم / شريكاتهم.

 الملحدون عُرضة للتمييز (لدى معرفة هويتهم) من قبل الأسرة والأصدقاء والمجتمع، بما في ذلك المؤسسات التعليمية والمنظمات وفي مكان العمل. وتشمل الأمثلة على ذلك:

إمكانيّة التعرُّض للطرد من العمل، والرفض من المؤسسات الخاصة، والنبذ الإجتماعي، وتخريب ممتلكاته، والتحرش، والإيذاء الجسدي، والتبشير العدواني، والنبذ العائلي أو التبرؤ.

يُعتبر الإلحاد جريمة في العديد من البلدان ويعاقب عليها القانون بالجلد، أو السجن لعقود من الزمن، أو الحكم بالإعدام.

في بعض الأحيان، وقبل أن يحدث ذلك، يتجمع المتطرفون الدينيون ويقتلون شخصاً يُعرف بأنه ملحد أو غير متديِّن.

تجرم أكثر من 70 دولة التجديف، الذي يمكن أن يشمل الإلحاد.

ويمكن إنزال عقوبات قاسية، بما في ذلك أحكام الإعدام، على شخص ما بتهمة التجديف في عدد من البلدان. والأكثر من ذلك، يوجد في المملكة العربية السعودية مرسوم ملكي يصنف جميع الملحدين كإرهابيين.

بسبب الوصم بالعار، يتضح بأنّ الملحدين قد يشعرون كما لو أنهم لا ينتمون إلى المجتمع ولا قيمة لهم في المجتمع. فهم يعتبرون مجموعة خارجة عن المجتمع مقارنة بالأقليات الدينية في الولايات المتحدة، مثل اليهود أو المسلمين.

 وكوسيلة للتأقلم ومحاولة تجنب هذه الوصمة - والتعرض للقتل على يد الغوغاء - قد يخفون هويتهم.

حتّى في الولايات المتحدة الأميركية، فإن النساء والجمهوريين وسكان الجنوب من الملحدين لديهم مستويات أعلى من إخفاء الهوية. فهم يخفونها عن طريق تجنُّب الأشخاص والمحادثات والمواقف، التي تتناول الدين بشكل نشط. وفي بعض المواقف، قد يكون هذا الإخفاء أمراً بالغ الأهمية لحيواتهم وحرياتهم.

يتبع

تنويه: مصادر الموسوعة كاملة في الجزء الأوّل

للإطلاع على باقي الأجزاء

الموسوعة الإلحادية (1) إعداد: أحمد فاسم الحاج إبراهيم - مُقدِّمة

الموسوعة الإلحادية (2) متابعة المُقدِّمة

الموسوعة الإلحادية (3) تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (4) متابعة تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (5) متابعة تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (6) ما يقوم الإلحاد به + شبح الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (7) ذهنية المُلحِد + الوصايا الإلحادية العشر

الموسوعة الإلحادية (8) لماذا يتحدث المُلحِد كثيراً حول الأديان والآلهة

الموسوعة الإلحادية (9) الإلحاد وتاريخ من الكفاح الطويل

الموسوعة الإلحادية (10) قصّة جديرة بالتذكُّر

الموسوعة الإلحادية (11) المُلحدون والموت

الموسوعة الإلحادية (12) البحث عن بدائل غير مادية

الموسوعة الإلحادية (13) الموت بحسب العلم

الموسوعة الإلحادية (14) إبيقور وتولستوي والموت

الموسوعة الإلحادية (15) كيف يواجه الملحدون الموت؟

الموسوعة الإلحادية (16) بخصوص الأخلاق

الموسوعة الإلحاديّة (17): الرئيسيّات والأنسنة والأخلاق

الموسوعة الإلحادية (18) النسبوية الأخلاقية وأخلاق الإتجاه الإنسانيّ العلمانيّ

الموسوعة الإلحادية (19) الأخلاق والإنتقاء الطبيعي والبحث عن الأخلاق لدى الرُضَّع

الموسوعة الإلحادية (20) الأخلاق فلسفياً والقيم بشرياً والقاعدة الذهبيّة

الموسوعة الإلحادية (21) الوظيفة الأخلاقية للدين والمشهد الأخلاقي لسام هاريس

الموسوعة الإلحادية (23) هل الإلحاد عبارة عن دين آخر أو دين جديد؟

No comments: