Sociology of Smell and Odours: The Atheist Encyclopedia الموسوعة الإلحادية (29)

10. العلاقة بين الإلحاد والتفكير النقديّ

التفكير النقدي، بشكل عام، هو فن تحليل التفكير وتقييمه بغاية تحسينه. وللتفكير النقدي تقاليد عريقة قديمة، فقد شاع لدى قدماء اليونانيين تفسير الظواهر الطبيعية بمصطلحات "أعمال الآلهة"، على سبيل المثال، عُزيَت العواصف الرعدية إلى غضب الإله زيوس؛ أو اعتبروا الهزّات الأرضية أو الزلازل كعمل من أعمال آلهة العالم السفلي (الجحيم، عالم الرذيلة والإجرام، عالم الظُلُمات ..الخ)! لكن، إمتلك الفيلسوف طاليس الجرأة الكافية كي يتمرّد على هذا النوع من التفكير ويسعى لوضع تفسيرات عقلانية ومنطقية أكثر.

كذلك، يعتبر سقراط، الفيلسوف اليوناني في القرن الخامس الميلادي، مثالاً يُحتذى به على مستوى هذا المنهج.

ينبغي إستخدام التفكير النقدي في تقييم الحجج والمحاضرات والأعمال المكتوبة (النصوص) والمقالات والإفتتاحيات والخطب والقصص الإعلامية والتصريحات الدينية ووجهات نظرنا الخاصة حتّى.

لماذا يحتاج الملحدون إلى مهارات التفكير النقدي؟

من المؤكد أنهم بالفعل ذوي تفكير نقديّ، بالمقام الأوّل، فلم يتبنوا الإلحاد إلّا بعد أن فكروا في طريقهم للخروج من بعض أكثر أنظمة المعتقدات تعقيداً وإجهاداً وانتشاراً في جميع المجتمعات وبكل أنحاء العالم.

لقد نبذوا الإيمان بخالق خارق للطبيعة وبالروح الخالدة وبمفاهيم الجنة والنار.

لقد نقد الملحدون الطرح الماورائي (ما وراء الطبيعة) ومالوا إلى تبني موقفاً طبيعياً واقعيّاً؛ إصطدم هذا الأمر بالمواقف السائدة في بلدانهم وعائلاتهم ومجموعاتهم الإجتماعية وأماكن عملهم، أي لم يتلقوا أيّ دعم مساند.

تدل قدرتهم على ترك الخرافة والكذب وراءهم على براعة هائلة في المنطق والعقلنة.

يميل الكثير من الملحدين إلى إمتلاك نظرة واسعة طبيعانية وإنسانية.

لكن، هناك أسئلة تكمن في هذه الفلسفات يجب على كل مفكر حرّ أن يجيب عنها بنفسه.

هل يمكننا كملحدين أن ننظر في حجج لاهوتيين معروفين مثل ألفين بلانتينغا وريتشارد سوينبرن (انظر الحجج المؤيدة والمعارضة لوجود الله) ونعرف كيف نقيّمها ونرد عليها؟

هل يمكننا أن نتعامل مع الجدل الدائر حول الإرادة الحرة مقابل الحتمية (الحتمية مقابل الإرادة الحرة) بعقول منفتحة ومواقف صلبة حتّى ضمن نطاقات غير متدينة؟

هل نحن قادرون على الإستماع إلى طرفي النزاع المقنع المتعلق بالملحدين الجدد ومدى الحاجة إلى تشدُّد الملحدين و"تحقيق كينونتهم"؟

هل نحن قادرون على إبطال حجج الثنويين الكونية والغائية والوجودية على وجود الله بالإستدلال المنطقي والقوي؟

هل عززنا موقفنا من عدم الإيمان بتبني تفكير فلسفي مقنع؟

وبعيدًا عن موقفنا العلماني، فإن الملحد هو مواطن، وبأحيان كثيرة، هو أب وزوج.

فنحن ننتمي إلى منظمات مدنية وجزء من المجتمعات، التي نعيش فيها.

نحن عُرضة لقصف معلوماتي من جميع الجهات في الوقت الحاضر، وبدلاً من ندرة التواصل، نحن نتلقى الكثير من المعلومات، بشكل زائد عن الحدّ. هناك العديد من الأشخاص والجماعات، الذين يريدون إخبارنا بماذا نفكر وكيف نتصرف.

ومع ذلك، يتفق المتخصصون في هذا المجال على أن ما نحتاجه هو أن نتعلم كيف، وليس بماذا، نفكر.

لحسن الحظ، هناك عدد كبير من أدلة التفكير النقدي على شبكة الإنترنت وفي الكتب المطبوعة، التي استجابت لحاجة الناس إلى مهارات وأساليب التقييم، حيث ترشد القارئ إلى الخطوات التي يحتاجها ليصبح أكثر فعالية في تقييم وجهات النظر الأخرى ومناقشتها.

كما أنها تزود القارئ بمهارات تقييم إدعاءات الحقيقة من مصادر مختلفة.

وبشكل عام، فإن معظم الناس الذين يتلقون المواد الإعلامية والمعلومات الثقافية الكثيفة، يتشربوها بدلاً من أن يتساءلوا حولها، ويجمعوها بدلاً من أن يطعنوا فيها.

ولا يقتصر الأمر على وسائل الإعلام، بل يعمل السياسيون، أو القادة الدينيون، على حرف وجهات نظرنا لصالحهم.

قد نستمع بتشكُّك إلى السياسي أو الناقد.

لكن، هناك آخرون ممن يتخذون مواقفاً مُخالفةً للآراء المتلقاة؛ رغم أن تصريحاتهم قد تمتلك صدى في نظام معتقداتنا، إلا أنه من المهم أن نشكك في إدعاءاتهم.

هل نصدق ما نقرأه في كتبنا المدرسية؟

ماذا عن إدعاءات الطب التقليدي المناهضة للمناهج البديلة؟

ماذا يحدث عندما نسمع كلمات طنّانة ورنّانة، مثل الديمقراطية أو الوطنية؟

يشير الخبراء في مجال التفكير النقدي إلى أن المتحدثين والكتاب كثيراً ما يستخدمون كلمات مرتبطة بإفتراضات، أو إقتراحات، ثقافية أو فكرية معينة تميل إلى إقصاء التفكير المنطقي.

وغالباً ما يصعب على الناس الفصل بين الكلمة المجردة والإنفعال الحسي الحقيقي المرتبط بها.

فالكلمة ليست هي الشعور.

إذا حاول الشخص التفكير فيما وراء الكلمة الرنانة، فإنه يصور على أنه خائن أو معادٍ من قبل أولئك، الذين يستفيدون من الإذعان الطائش.

لدى المتخصصين في مجال التفكير النقدي نصائح مماثلة.

عند تقييم الحجج، بما في ذلك حججنا، من المهم أن نتصف بالدقّة (التحقق من الوقائع) والإتقان، ومعرفة الغرض من الحجة والتركيز عليه، وتفحُّص إفتراضاتنا.

علاوة على ذلك، يجب أن نحاول التحقق من توظيفنا لوجهة نظر ما ومحاولة تفهُّم وجهة النظر الأخرى.

يجب علينا معرفة تحيزاتنا الخاصة ومحاولة التفكير بشكل مستقل عن التوقعات ووجهات النظر الأخرى.

من المهم التحقُّق من إفتراضات المتحدث أو الكاتب والتبعات والآثار الناشئة عن موقفه.

وينبغي أن نحاول تعليق أحكامنا المسبقة عند قراءة أو سماع حجة ما والإهتمام بوجهة النظر الأخرى.

نحن على قناعة بوجود إفتراضات لدى كل موقف؛ من المهم تحديد وتقييم كل منها بمنطق ودقة.

ويؤكد المتخصصون في مجال التفكير النقدي على أنه ليس عملية "هدم للأشياء"، كما يخشى البعض، بل هو عملية إكتساب وجهة نظر مبنية على معلومة أوفر.

فهو لن يعيقنا عن العمل من خلال كثرة التفكير، بل يساعدنا على إتخاذ قرارات مبنية على المعلومة وهو ما يناسب العمل الجماعي المؤسسي.

كذلك، يتفق المتخصصون على أن تطبيق التفكير النقدي على نظام معتقداتنا، لن يغيره بالضرورة، بل سيساعدنا على تبني موقف أدق داخل هذا النظام. سنصبح أكثر مرونة، لأننا سنشعر براحة أكبر في فهم أن هناك تعقيدات وتناقضات في الحياة.

سنصير أكثر استعداداً للعمل في عالمنا التقنيّ القائم على المعلومات، وسندخل الوسط المعاصر متعدد الثقافات مزودين بمعايير فكرية وأخلاقية وفلسفية محققة ناجحة.

يتبع

تنويه: مصادر الموسوعة كاملة في الجزء الأوّل

للإطلاع على باقي الأجزاء

الموسوعة الإلحادية (1) إعداد: أحمد فاسم الحاج إبراهيم - مُقدِّمة

الموسوعة الإلحادية (2) متابعة المُقدِّمة

الموسوعة الإلحادية (3) تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (4) متابعة تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (5) متابعة تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (6) ما يقوم الإلحاد به + شبح الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (7) ذهنية المُلحِد + الوصايا الإلحادية العشر

الموسوعة الإلحادية (8) لماذا يتحدث المُلحِد كثيراً حول الأديان والآلهة

الموسوعة الإلحادية (9) الإلحاد وتاريخ من الكفاح الطويل