2025/11/08

The Atheist Encyclopedia الموسوعة الإلحادية (25)

تحدثنا في الجزء السابق حول الأدلة السلبية الثلاثة، التي قادت الفيلسوف الفرنسي أندريه كونت – سبونفيل إلى تبني الإلحاد.

3.7 الأدلة الثلاثة الإيجابية، التي قادت  الفيلسوف الفرنسي أندريه كونت - سبونفيل إلى الإلحاد، هي على التوالي:

الدليل الإيجابي الأول: وجود الشرّ. هو دليل جدي في صالح الإلحاد، كان قد تصدى له كلّ من لوكريتيوس وإبيقور وهيوم.

"إما أن الله يريد إلغاء الشرّ ولكنه لا يستطيع، أو يمكنه إلغاء الشرّ ولكنه لا يريد، أو لا يريد ولا يستطيع معاً، أو يريد ويستطيع بذات الوقت. إن يرغب ولا يتمكن، فهو عاجز إذاً، وهذا ما لا يتناسب مع الإله. إن يستطع ولا يرغب، فهو شرِّير، وهذا غريب على الإله. إن لا يستطع ولا يرغب، فهو عاجز وشرّير بذات الوقت، وبالتالي، ليس الإله. إن يرغب ويستطع، فمن أين يأتي الشرّ، أو لماذا لا يقضي الله عليه؟".

 النتيجة، التي يتوصل كثير من المفكرين والفلاسفة إليها، هي إما أن الله غير موجود، أو أنه لا يهتم بما يحدث معنا.

بحيث يستحيل خلق هذا العالم المليء بالعيوب من قبل الله.

"حضور الشرّ عبارة عن واقع غير قابل للدحض".

بالنسبة للملحدين، مشكلة الشرّ عقبة كأداء، وهي، بدورها، جزء من الواقع، لكن، كيف يفسر المؤمنون هذا الحضور الطاغي للشرّ في عالم مخلوق من قبل الله كلي القدرة والحكمة؟".

تكفي الطبيعة لتفسير وجود الشرّ في العالم. لكن، لا تفسر أيّة فكرة عن الإله مسألة وجود الشرّ، كما أنها لا تعترف بحضوره الطاغيّ أبداً.

"هناك فائض من الفظائع في هذا العالم، فائض من الآلام، فائض من الظلم، والقليل جداً من الفرح، يمنعني من قبول فكرة خلقه من قبل إله كليّ القدرة وكليّ الرحمة والمحبة".

يوجد دليل معارض قديم، يعتبر أنّ الشرّ الحاضر عند البشر، يعود لترك الله الحرية لهم بالتصرُّف، وهو لم يخلقهم ككائنات كاملة بل ناقصة.

من جديد، على اعتبار أن الله يعمل الخير فقط، فهل يتمتع بحرية أقلّ من حرية البشر؟

 ألم يكن بإمكان الله خلقنا أحرار بذات السوية، ونصبح أقلّ جشعاً وزعرنةً وعنفاً وغروراً ...الخ، وأكثر كرماً ومزودين بالمحبة عوضاً عن البغض والانانية ..الخ.

كذلك، هناك المزيد من الشرور المتبقية:

 الأمراض المزمنة التي تقتل الأطفال، ملايين النساء التي تموت خلال الولادة، أمراض كثيرة أخرى يصعب حصرها في هذا الموضوع. كذلك، نذكر الزلازل والأعاصير المدمرة والجفاف والفيضانات والإندفاعات البركانية. يعترف باسكال بأنه يجب أن نُولَدْ كخطأةٍ، لأنه في حال معاكس، فالله غير عادل أو ظالم.

يعتبر سبونفيل بأنه يوجد إحتمال أبسط:

هو عدم وجود الله.

الدليل الإيجابي الثاني: يتأسس على وضع الإنسان. يتصف وضع كثير من البشر بنوع من الوضاعة؛ بحيث يمكننا الحديث عن  حالة إنحطاط، يصعب تحميل الإله المسؤولية عنها. 

يمكن الجدل حول وجود عمليات خلق رائعة أو بائسة، لكن، ما الذي سنقوله عن فنان بارع، يوجد إلى جانب أعماله الباهرة، سلسلة من الأعمال البائسة؟ إذا ناسب هذا المثال الكائن البشريّ، فهل سيناسب الإله كلي القدرة والرحمة والخير؟

لا يبدو أنها فكرة معقولة.

يبدو معقولاً أكثر الحديث عن أسلاف أشباه بشر، وذلك بسبب التطور مقابل الحديث عن خلقنا على صورة وشبه الإله ذاته. ففي الحالة الأولى، يمكن أن نفتخر بوصولنا إلى القمر أو بقامات هامّة مثل موزارت.

لا توجد إهانة للبشر بهذا الطرح، فهذا هو الواقع.

الإنسان وضيع، ببساطة، وليس مسؤولاً عن هذا الأمر.

نحن حيوانات، وبهذا، يمكن فهم وضعنا.

 لا يوجد سبب يدعو إلى بغض ولا إحتقار البشر.

"مع ذلك، بوصفنا نُسَخاً عن الإله، سنصير مضحكين وسيسكننا القلق".

مع ذلك، نحن مميزون بين جميع الحيوانات، دماغنا فريد من نوعه.

وضعنا أسس "العلوم والفنون والاخلاق والقانون والدين واللادين والفلسفة والسخرية وفن التنعُّم بالأكل والاتجاه الجنسيّ ..".

رغم هذا، لا يتمكن أيّ حيوان من انتهاج سلوك شرِّير، كما نعمل نحن.

 فرادتنا واضحة، لكن يصعب تخيُّل أنَّ إلهاً قد خلقنا، في ظلّ حضور كل هذا البؤس والنرجسية والأنانية والحقد والتنافس غير الشريف.

"يبدو لي أن بؤس الإنسان، بحسب باسكال، لا يمكن أن يتوافق مع أصل إلهي أكثر من توافقه مع أصل حيواني واقعي!".

"في هذا الاتجاه، يصبح الإيمان بالإله خطيئة العجرفة، فيما يُعتبر الإلحاد صيغة تواضع".

 الدليل الإيجابي الثالث والأخير: حول رغباتنا وأوهامنا 

في الواقع، ما هو السبب الذي يقف وراء إيمان كثير من الناس بالله؟

هو أمر عاطفي إنفعالي، ويرتبط برغبتنا في البقاء على قيد الحياة ومواجهة الموت وامتلاك أب محبّ ومعصوم.

صور الله مُشوِّقة.

يمكن أن يُرى بالأحلام؛ هي عادة أن يُجنَحْ نحو الإيمان بالله؛ أن تُعاش خبرة مميزة.

لكن، لا يشكّل أيٍّ منها سبباً للإيمان. بل يدفع إلى الإشتباه بهذا النوع من الأسباب الدافعة للإيمان بالله. ليست أسباباً "عقلانية"، وإن تكن عميقة من الناحية العاطفية (الإنفعالية الحسيّة) وغير الواعية.

"الإله أو الحُلُم المُطلق، أو المَنام، الذي لا ريب فيه: محبة لا نهائية، عدالة وحقيقة مطلقة. أناصر الإله، مثل أغلبية الناس، أريد القول بأنني أُفضّل وجوده؛ لكن، هذا ليس سبباً كافياً للإيمان به، بل هو سبب قويّ لرفض القيام بهذا الأمر. بدقّة، لأنني أفضّل بأن يتواجد الإله، أملك الأسباب المُقنعة كي أُشكّك بوجوده".

كذلك، سنفضل الإعتقاد بانتهاء الحروب، الجوع، الفقر، الظلم، لكن، إن يُعلن أحد ما بأنها ستختفي كلها غداً، سأعتبره واهم، بل هو يُحوّل رغباته إلى وقائع.

 رغبتنا بوجود الإله، هي عنصر تشكيك وإشتباه.

"ليس مألوفاً أن يُرضي الواقع توقعاتنا إلى هذه الدرجة. ما الذي نرغبه أكثر من أيّ شيء؟ فيما ندع الرغبات المبتذلة جانباً، ألّا نموت أبداً. بالتالي، سنعود ونلتقي بأحبتنا الذين فقدناهم. كذلك، أن يعمّ السلام والعدل في كل الأرجاء. وبالنهاية، أن نحظى بالمحبة على وجه الخصوص".

يُقبَلُ ما يعد الدين به، وهو ما يجعل مصداقيته أقلّ، كما أعلن فرويد ونيتشه، بين آخرين.

تهمنا الحقيقة، فلن نخلطها مع رغباتنا الخاصة.

"الوهم ليس نوعاً من الخطأ، بل هو نوع محدد من التصديق أو الإيمان، الذي يقوم على الإعتقاد بشيء، بوصفه حقيقة، لحضور رغبة مُلحة. لا يوجد شيء يمكن فهمه بشرياً أكثر من هذا. لا يوجد شيء عُرضة للنقاش فلسفياً أكثر من هذا".

يُقوّي الدليل الثالث السلبيّ والدليل الثالث الإيجابي بعضهما بشكل متبادّلْ.

"الله غير مفهوم بشكل زائد عن الحدّ، انطلاقاً من وجهة نظر ميتافيزيقية، فكيف لا يجري التشكيك به (كيف نعرف أن الذي لا يتم فهمه هو الله أو كائن وهمي آخر؟)؛ الدين مفهوم بصورة زائدة عن الحدّ، اعتباراً من وجهة نظر أنتروبولوجية، فكيف لا يمكن التشكيك به".

يتبع

تنويه: مصادر الموسوعة كاملة في الجزء الأوّل

للإطلاع على باقي الأجزاء

الموسوعة الإلحادية (1) إعداد: أحمد فاسم الحاج إبراهيم - مُقدِّمة

الموسوعة الإلحادية (2) متابعة المُقدِّمة

الموسوعة الإلحادية (3) تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (4) متابعة تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (5) متابعة تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (6) ما يقوم الإلحاد به + شبح الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (7) ذهنية المُلحِد + الوصايا الإلحادية العشر

الموسوعة الإلحادية (8) لماذا يتحدث المُلحِد كثيراً حول الأديان والآلهة

الموسوعة الإلحادية (9) الإلحاد وتاريخ من الكفاح الطويل

الموسوعة الإلحادية (10) قصّة جديرة بالتذكُّر

الموسوعة الإلحادية (11) المُلحدون والموت

الموسوعة الإلحادية (12) البحث عن بدائل غير مادية

الموسوعة الإلحادية (13) الموت بحسب العلم

الموسوعة الإلحادية (14) إبيقور وتولستوي والموت

الموسوعة الإلحادية (15) كيف يواجه الملحدون الموت؟

الموسوعة الإلحادية (16) بخصوص الأخلاق

الموسوعة الإلحاديّة (17): الرئيسيّات والأنسنة والأخلاق

الموسوعة الإلحادية (18) النسبوية الأخلاقية وأخلاق الإتجاه الإنسانيّ العلمانيّ

الموسوعة الإلحادية (19) الأخلاق والإنتقاء الطبيعي والبحث عن الأخلاق لدى الرُضَّع

الموسوعة الإلحادية (20) الأخلاق فلسفياً والقيم بشرياً والقاعدة الذهبيّة

الموسوعة الإلحادية (21) الوظيفة الأخلاقية للدين والمشهد الأخلاقي لسام هاريس

الموسوعة الإلحادية (22) أصلُ النظرة السلبية للإلحاد وللملحدين 

الموسوعة الإلحادية (23) هل الإلحاد عبارة عن دين آخر أو دين جديد؟ 

الموسوعة الإلحادية (24) الأدلة التي قادت الفيلسوف الفرنسيّ أندريه كونت سبونفيل إلى تبني الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (26) يُنهي أندريه كونت - سبونفيل كلامه حول الأدلة التي دفعته لتبني الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (27) العلاقة بين الزندقة والإلحاد

الموسوعة الإلحادية (28) حول اللا أدريين والمُلحدين

الموسوعة الإلحادية (29) العلاقة بين الإلحاد والتفكير النقديّ

No comments: