2025/12/02

The Atheist Encyclopedia الموسوعة الإلحادية (28)

 

9. حول اللاأدريين والملحدين   

ماذا يعني مُصطلح لا أَدَرِي؟ 

يقول اللا أدريون بأنه لا يمكن معرفة إن تكن الآلهة موجودة أو لا.

وأنت ترى أن لديهم الحقّ، أليس كذلك؟

نعم. يبدو لي ما يقولوه صحيحاً.

على اعتبار أننا لا نتمكن من رؤية الآلهة، لا أحد يمكنه التأكُّد من وجودها فعلياً؛ لا أحد يمكنه إثبات وجودها.

لكن، ومن جانب آخر، من يرون بأن الآلهة من إبتكار البشر، كذلك، هو أمر لا يمكن التحقُّق منه.

عندما تبتكرُ مخيلتنا حيواناً أسطورياً، فلا أحد يمكنه التحقُّق من وجود حيواننا هذا الغير موجود فعلياً.

حسناً، يحدث ذات الأمر مع الآلهة، لا أحد يمكنه إثبات عدم وجودها.

(في أجزاء سابقة، هناك إثباتات لعدم وجود الإله أو الله أو يهوه)

يُقال عن شخص بأنه لا أدريّ:

 عندما لا يدافع عن وجود الآلهة ولا عن عكس هذا، أي لا يدافع عن عدم وجودها.

اللا أدريّ، هو شخص لا يؤمن بالآلهة لإستحالة إثبات وجودها.

 لا يعتقد اللا أدريون بوجود إله واحد قد خلق كل ما يمكننا رؤيته فعلياً، ولا بوجود عدة آلهة، يتمتع كل واحد منها بقواه الخاصة ومسؤوليته عن أماكن محددة من عالمنا.

لكن، وكما رأينا سابقاً، لا يمكن إثبات عدم الوجود، كذلك، لا يصرح اللا أدري، علانية، بأن الآلهة غير موجودة.

وضع توماس هاكسلي مصطلح لا أدري (أغنوستيك) خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

 تأتي كلمة اللا أدرية الإنكليزيّة Agnosticism من الكلمة اليونانية  γνῶσις أو gnosis مُضافاً لها حرف a والمكافي لأداة النفي "لا" باليونانية، بالتالي، يعني هذا المصطلح:

 "الذي لا يعرف أو لا يدري".

لم تكن اللا أدرية، بالنسبة لهاكسلي، عقيدة أو منهج عمل، وعندما رغب بتحديد وجهة نظره في موضوع الآلهة، ابتكر مصطلح "لا أدري" كتوصيف معاكس للتيار العقائدي، الذي ميَّزَ مسيحيي القرون الأولى المعروفين بإسم "غنوتيتسم"، فبحسب كلماته:

"اعتبر المسيحيون الاوائل بأنهم يعرفون الكثير حول الأشياء، التي لا يمكن معرفة شيء عنها في الواقع".

خلال الفترة الممتدة بين 1860 و1870، عندما حدد هاكسلي موقفه، كانت الكنيسة الانغليكانية بحالة حرب مع الإكتشافات العلمية، سيما التطور الدارويني، الذي اصطدم بالقراءة الحرفية لسفر التكوين وبعقائد أخرى، مسيحية أو يهودية أو إسلاميّة.

 وُلِدَ رد الفعل اللا أدري ضدّ الدوغمائية، عند هاكسلي، في هذا السياق الثقافي.

 تعكس بعض كلماته موقفه تجاه الحياة بالعموم، حين قال:

"اشعُرْ كطفل صغير إزاء الوقائع وحضّر نفسك لترك أيّة فكرة مسبقة جانباً، لأنه في حال عدم قيامك بهذا، فلن تتعلم شيئاً أبداً".

رغم حداثة مُصطلح اللا أدرية، فما يعكسه معناه قائماً منذ زمن طويل. فبروتاغوراس، الذي عاش خلال الفترة الممتدة بين عامي 487 ق.م - 420 ق.م، قد وضّح هذا، بقوله:

"بما يخص الآلهة، لا يمكنني قول شيء، لا شيء يخص وجودها، لا شيء يخص عدم وجودها، حيث يعيق هذا عمل الكثير من الأشياء".

كذلك، دافيد هيوم، ومنذ حوالي 300 عام، اعتبر أنّ إمكانية إرتكاب أخطاء، ما يعني قابلية إرتكاب الأخطاء عند البشر، تجعلنا لا نتمكن من امتلاك يقين مطلق بأيّ شيء ما عدا تأكيدات تافهة صحيحة بالتعريف مثل، على سبيل المثال لا  الحصر:

  "كل شخص أعزب هو غير متزوّج! أو أن جميع المربعات مُتكوِّنة من أربعة أضلاع!".

في حقب زمنية أحدث، فيما لو نصغي إلى كلمات الشاعر الأرجنتيني بورخيس، يمكن إعتباره لا أدريّاً أيضاً:

"لا يمكنني تعريف نفسي بالملحد، لأن هذا يتطلب نوعاً من اليقين، لا أمتلكه".

برأيي، وفي موضوع الآلهة، الخلود وعوالم ما بعد الموت، فيما لو نقف عند المعنى الحرفي للمُصطلح، فكلنا لا أدريين، لا أحد يمكنه إمتلاك معرفة يقينية. فيصرح البعض بأنهم ألوهيين مدعومين بالإيمان، فيما يؤسس آخرون إلحادهم على نقص الأدلة، لكن، فيما لو نتحدث عن الآلهة بشكل حصري، سيصبح موقف اللا أدري هو الأكثر وضوحاً.

أجرى ريتشارد داوكينز في كتابه "وهم الإله" قياساً مهماً، حين تحدث عن الأبريق، الذي استخدمه برتراند راسل لتفسير سبب تحولنا إلى لا أدريين كإشارة لكثير من الأشياء.

يمكن لأيّ شخص التأكيد بأنه يؤمن بوجود أبريق يدور حول المريخ. هل يمكننا إثبات بأن هذا غير صحيح، أي بأن الأبريق لا يدور حول المريخ؟

 كلا.

لهذا، كي نصبح دقيقين، يجب أن نصرح بكوننا لا أدريين بما يخص وجود أو عدم وجود الأبريق الدائر.

 لكن، هذا لا يعني بأنه لا يمكننا التدخُّل، وبأنه لا يمكننا مغادرة النقطة المتوسطة من الميزان، كي نميل إلى حيث نشاء من الجانبين.

لأسباب كثيرة - بين أسباب أخرى تجعلنا نتمكن من متابعة بصماتها للعثور على مبتكريها - يبدو بديهياً بأن الأباريق الدائرة، حالها حال:

 بابا نويل، حوريات البحر، شياطين الهواء، وسواها من كائنات أسطورية، هي ثمرة الخيال البشريّ، وإن كنا لا نتمكن من إثبات وجودها من عدمه.

حسناً، كذلك، أرى بأن إستحالة إمتلاك يقين بأشياء كثيرة، لا يعني بأن نتراجع عن التفكير والبرهنة وإمعان النظر بأي خيار أفضل بين جميع الإمكانيات.

فيما يتعلق بالآلهة، أرى أنّ عبء إثبات وجودها يقع على من يؤكدونه من جانب.

ومن جانب آخر، واقع الحديث، بشكل محدد للغاية، عن أننا جميعاً لا أدريون، لا يجب أن يضع كل الإحتمالات في سلّة واحدة للخيارين - وجود الآلهة أو عدم وجودها -، بذات الصيغة التي لا يبدو فيها ذات الأمر، إعتبار وجود أبريق على مدار فضائي كأمر مكافيء لعدم وجوده.

لهذا، أعتبر نفسي مُلحِدَاً.

لماذا أكون مُلحداً ولستُ لاأدريّاً؟

يصف الكثير من غير المؤمنين أنفسهم باللا أدريين. لا يؤمنون بالله، لكن، هم غير متأكدين؛ ولهذا، لا يعتبرون أنفسهم مُلحدين. 

حيث يقولون بأنّه:

 "ربما يوجد شيء هناك في الخارج. على كل حال، فنحن لا نعرف كل شيء (لا ندري = لاأدريين)". 

ما هي درجة التأكُّد من عدم إيماننا بالله لنُوصًف بالملحدين؟

 ببساطة، لا يمكن أن نتأكد بنسبة 100% من أيّ شيء.

 لكن، يمكننا التأكد بنسبة 99.99999% بكثير من الأشياء، وهذا كافٍ لإتخاذ قرارات يومية بحيواتنا.

أليس كذلك؟

لا يمكننا التأكد، بأنه في حال سقوطنا على الأرض من على السرير صباحاً، من أنّ رقبتنا لن تنكسر، لكن، لا نبقى في السرير طوال اليوم لتفادي حدوث هذا!!  

نسافر بسيارات وبطائرات، حيث إحتمالات البقاء على قيد الحياة ليست بنسبة  100%، لكن، نعم، يكفي حضور نسبة قريبة للقيام بالسفر. 

في مثل هذه الأحوال، نحلِّل (الخطر – الفائدة)، ونقرر بأن الفائدة تبرّر التعرُّض لبعض الخطر.

 ما هو الحدّ الفاصل بين اللاأدري والملحد؟

أشير لأن الملحدين هم أشخاص قد قدّروا الامكانات وحلّلوا معادلة (الخطر – الفائدة)، فوجدوا بأن وجود الله أمر غير مرجّح، وأنهم يفضلون إمضاء حيواتهم دون كل هذا العبء، الذي يكلفك كل إعتقاد بحمله.

فعبء الإعتقاد مُزعج. 

ليس بسبب تبديد الوقت والنقود في هذا السبيل، بل لأنه يُنتظر منك أن تقوم بتغيير رأسك (الغاء تفكيرك أو قتل قناعاتك).

وكما قال دان كويل:

 "خسارة الرأس عبارة عن شيءٍ فظيعٍ".

عندما تؤمن في دين ما، فلن تتمتع بحرية إستخدام رأيك الشخصي بما يناسبك، أو يناسب عائلتك ومجتمعك. 

بل  أكثر من ذلك، حيث يُنتظر منك عدم إبداء الرأي بما يؤكده الآخرون حول إمتلاكهم لسلطة فوق طبيعية.

ومنذ اللحظة التي لن يقدموا، خلالها، أيّ دليل يثبت ما يقولونه باستثناء الكلام: 

مطلوب منك حذف قرائتك الشخصية للأمر.

حاول الكثيرون، على مدار قرون، بناء قواعد منطقية للإعتقاد الفوق طبيعي.

 لكنهم قد أخفقوا. 

يتأثَّرُ البعض حتى الآن بطروحات من قبيل: 

كيف يمكن – للكون، الحياة والوعي – أن تظهر من لا شيء؟!!

هم يقولون، بالتأكيد، لمن يسمعهم، بأن الله قد عمل كل هذا. 

لكن، لا يعيرون إنتباههم لسخف الحجّة:

شيء لا يمكنه الصدور من لا شيء، وبالتالي، يتوجب صدوره عن الله، الذي صدر من لا شيء!!!!!!!!!!!!!!!

في آخر الأمر، لقد انتهى الإعتقاد إلى عالم الغيب في الإيمان قبل أن يمرّ في العقل.

 أقنعت الكنائس (والكُنُس والمساجد والأديرة وسواها) الجزء الأكبر من البشر بالإعتقاد بما هو غير قابل للتصديق، وإعطائه المصداقية وهو أبعد ما يكون عن الواقع، أي عملت على عقلنة اللامعقول!

  الملحد شخص لا يمكنه الإقتناع بشيء فاقد لأدنى قاعده منطقية.

فالإعتقاد الغيبيّ، عبارة عن خيال محض ووهم بائس يعود لمرحلة الطفولة المعرفيّة عند الجنس البشري، والتي تعززت بالتفسيرات الخرافيّة لكل الظواهر والوقائع الطبيعية.

أخيراً، بالرغم من أننا كلا أدريين وملحدين، نشكل أقلية بمواجهة المؤمنين، وفق انطباعي، بما يخص الآلهة، فالعقلنة المتواضعة لبضعة أفراد، هي أهم من عقائد موروثة لا يمكن إخضاعها للنقد لدى المليارات.

يتبع

تنويه: مصادر الموسوعة كاملة في الجزء الأوّل

للإطلاع على باقي الأجزاء

الموسوعة الإلحادية (1) إعداد: أحمد فاسم الحاج إبراهيم - مُقدِّمة

الموسوعة الإلحادية (2) متابعة المُقدِّمة

الموسوعة الإلحادية (3) تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (4) متابعة تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (5) متابعة تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (6) ما يقوم الإلحاد به + شبح الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (7) ذهنية المُلحِد + الوصايا الإلحادية العشر

الموسوعة الإلحادية (8) لماذا يتحدث المُلحِد كثيراً حول الأديان والآلهة

الموسوعة الإلحادية (9) الإلحاد وتاريخ من الكفاح الطويل

الموسوعة الإلحادية (10) قصّة جديرة بالتذكُّر

الموسوعة الإلحادية (11) المُلحدون والموت

الموسوعة الإلحادية (12) البحث عن بدائل غير مادية

الموسوعة الإلحادية (13) الموت بحسب العلم

الموسوعة الإلحادية (14) إبيقور وتولستوي والموت

الموسوعة الإلحادية (15) كيف يواجه الملحدون الموت؟

الموسوعة الإلحادية (16) بخصوص الأخلاق

الموسوعة الإلحاديّة (17): الرئيسيّات والأنسنة والأخلاق

الموسوعة الإلحادية (18) النسبوية الأخلاقية وأخلاق الإتجاه الإنسانيّ العلمانيّ

الموسوعة الإلحادية (19) الأخلاق والإنتقاء الطبيعي والبحث عن الأخلاق لدى الرُضَّع

الموسوعة الإلحادية (20) الأخلاق فلسفياً والقيم بشرياً والقاعدة الذهبيّة

الموسوعة الإلحادية (21) الوظيفة الأخلاقية للدين والمشهد الأخلاقي لسام هاريس

الموسوعة الإلحادية (22) أصلُ النظرة السلبية للإلحاد وللملحدين 

الموسوعة الإلحادية (23) هل الإلحاد عبارة عن دين آخر أو دين جديد؟ 

الموسوعة الإلحادية (24) الأدلة التي قادت الفيلسوف الفرنسيّ أندريه كونت سبونفيل إلى تبني الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (25) متابعة الأدلة التي قادت الفيلسوف الفرنسيّ أندريه كونت سبونفيل إلى تبني الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (26) يُنهي أندريه كونت - سبونفيل كلامه حول الأدلة التي دفعته لتبني الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (27) العلاقة بين الزندقة والإلحاد

الموسوعة الإلحادية (29) العلاقة بين الإلحاد والتفكير النقديّ

No comments: