5.1 ذهنيّة المُلحِد
هل يمكن التأكيد، بصورة قاطعة، على عدم وجود الإله؟
هل يطرح المُلحدون هذا الأمر على هذا النحو؟
ما الذي يقومون به في حالة الإجابة بالنفي؟
سنحاول الإجابة، فيما يلي، مع الإعتراف بأنّ غالبيتنا، تُدلي برأيها دون
إمتلاك معرفة عميقة، في الغالب الأعمّ من الأوضاع، ضمن هذا الإطار.
الخطوة الأولى باتجاه فهم ذهنية المُلحد،
بالعموم ودونما تعميم، هي ضرورة حضور تصوُّر واضح حول اللاوجود – وهو بدقّة – الذي لا يترك أثراً ولا أدلةً.
ودون أدلة، يستحيل الإثبات.
لكن، ما الذي يمكن عرضه في الإثبات (هنا، نضع مثال) على عدم وجود فيل
بنفسجيّ؟
عدم وجود صورة له؟
عدم وجود أيّ فيل بنفسجي بأيّة غابة؟
فهذا غير متوفّر بأيّ مكان.
حسناً، في حال
عدم التمكُّن من إثبات عدم وجود فيل بنفسجي، ما الذي يُجبرنا على إستبعاد وجوده
بصورة قاطعة؟
لاشيء.
هكذا، وإنطلاقاً
من وجهة نظر منطقية صارمة، ربما يتواجد فيل بنفسجي.
المُلحد، قبل كل
شيء، هو شخص يتناول أمر الإستحالة المنطقية لإستبعاد عدم الوجود، بصورة قاطعة،
بشكل جدي للغاية. كتبعة لهذا (وبصورة معاكسة لما يحمله التحيُّز متأصِّل الجذور)،
لا يرى المُلحد بأنّ الإله غير موجود بصيغة ما.
إذاً؟
يرى المُلحِدْ أنه في حال وجود الإله، فهذا لا
يُبرِّرْ الإيمان به ببساطة متناهية.
منطق الإلحاد:
لا وجود لأيّة فرضيّة جديّة، من الضروريّ، في هذه الفرضية، وضع الإله كمقدمة قياس،
ولم يتمكن الإلوهيُّون حتّى من إستخدام الإله بصورة متماسكة لأجل تفسير الظواهر
الطبيعية على الإطلاق، ولا تفسير تلك الظواهر، التي لم يتمكن أحد من تفسيرها،
بصورة مختلفة حتى الآن. ففي حال وجود الإله، فكل ما هو قائم يُشير لأنه
"ولسبب غامض ما"، يقرّر عدم التدخُّل في العالم الواقعيّ1.
ففي حالة عدم
تدخله في العالم الواقعيّ، هو غير قابل للإكتشاف أو الكشف بالتعريف.
وإن يكن غير
قابل للكشف، يستحيل تمييزه عن أيّة شخصية خيالية.
ما المعنى الذي
يملكه، إذاً، التعامل معه كما لو أنّه حقيقة أو واقع قائم؟
إنطلاقا من وجهة
نظر إلحادية، مع هذا، لا يوفِّر العالم الواقعيّ وحده التبرير لعدم الإيمان. كذلك،
لا توفّر فكرة الإله، التي يدافع عنها الألوهيون، التبرير ذاته.
هذا يعني حضور
تناقض وتنافر زائد عن الحاجة، قد لا يسمح بالتعاطي الجدي معه.
على سبيل
المثال: يؤكد بعض المؤمنين على أن الإله كليّ المعرفة ويملك القدرة على معرفة كل
شيء بصورة مسبقة (مزامير 139، 3-4. رسالة يوحنا الأولى 3، 20). ومن جانب آخر،
يقولون بأنّ الإله يرغب ويأمل بصلاحهم وتحسنهم. لهذا، يدعونا إلى القداسة (إنجيل
متى 5، 48) ويرسل يسوع بمهمة إنقاذية إلى كوكب الأرض (إنجيل يوحنا 3، 16). أو
يمتلك الإله توقعات بالتغيير، حيث يتبين سلوكه في سفر العدد 14، 11 بالعهد القديم،
والذي يُبدّد أيّ شكّ بهذا الصدد.
حسناً، ألا
تشكّل المعرفة الكلية، عملياً، الإلغاء المُباشَرْ لأيّ نوع من التوقعات؟ حيث يعرف
أدق التفاصيل حول كل ما يحدث في الكون، حتى إمكانية سير الأشخاص بطريق الصلاح أو
لا، كيف يمكن إنتظار تغيُّر شيء في هذه القصة المهيمنة بصورة مطلقة2؟
هل يمكن لأحد أن
ينتظر (كحالة الإله في سفر العدد 14، 11 } حدوث أيّة تغيُّرات في سلوك الشخصيات
بفيلم، هو يعرف كامل تفاصيله بصورة مسبقة؟
أمر فاقد للمعنى.
ويوجد تأكيد نهائيّ، يُعمِّق بصورة أكبر التشويش أو الإختلاط القائم. بحسب بعض
المؤمنين، لا يمكن أن يعمل الإله شيئاً يناقض جوهره. مع ذلك، نراهم يقدمونه ككائن
يطرح توقعات، فتتناقض هذه التوقعات، بقوّة، مع مشهد الجوهر الإلهي:
أي مع المعرفة
الكلية المطلقة.
مثال آخر، أضيفه
إلى الأثر الوحيد الذي يجعلنا نتأكد من اختلاف وتنوُّع تلك الإختلاطات الإلهية.
يؤكد بعض المؤمنين بأنّ الإله لا يعمل أشياءاً غير منطقية. بينما من جانب آخر،
يؤكدون هم ذاتهم بأنّ الإله قد خلق كل ما هو موجود من اللاشيء. هل يوجد أمر بالغ
الإستحالة من ظهور شيء من اللاشيء، من ظهور الوجود من اللاوجود؟
يبدو أن الإله يمكنه
عمل أشياء لامنطقية. وفي حال عدم تمكنه من القيام بهذا، فهذا يعني بأنّ ما هو
منطقي، يقوم بتكييف عمله، لكن، ألا يؤكد المؤمنون ذاتهم بأنه كليّ القدرة، بأنّ
قدرته لا حدّ لها؟
مزيد من التعقيد
والإختلاط!!
لا يمكن قول
"الإله ليس موجوداً"، لكن، يمكن أن نقول "ليس هناك أسباب منطقية
تدعو للإيمان بالإله".
هذا هو، بالضبط،
الموقف أو الوضع العام بين الملحدين3.
بناءاً على كل
ما ورد أعلاه من شروحات.
الأسئلة التي
طرحناها أعلاه، هي ذاتها التي يطرحها ملايين الأشخاص اليوم من المتشككين في
العالم.
وهي ذات الأسئلة، التي سنلجأ لها جميعاً (حتى أصحاب التوجُّه الأُلوهي)، عاجلاً أم آجلاً، ولمرة واحدة على الأقلّ، كي لا نتراجع، بصورة واعية، عن إستخدام المنطق بصورة صادقة.
6.1 الوصايا الإلحادية العشرة
الوصيّة الأولى
إمتلك عقلاً منفتحاً، وكُنْ مستعد دوماً لتغيير أفكارك عند حضور أدلة جديدة.
الوصية الثانية
إبحث دوماً عن فهم كُنه الأشياء، ما هو الأصح، عوضاً عن الإعتقاد بما ترغب
بصحته.
الوصية الثالثة
المنهج العلمي، بما يتضمنه من خطوات واضحة بينها التكذيب والمراجعات، هو
الطريقة الوحيدة التي أثبتت فعاليتها بفهم العالم الطبيعي. حيث يحضر الإقتناع بما
يجري التوصُّل له لا الإيمان به.
الوصية الرابعة
يملك كل شخص الحقّ بالتحكُّم بجسده، بما لا يُلحِقْ الضرر بالآخرين.
الوصية الخامسة
الإله / الله / يهوه ليس ضرورياً لتصبح شخصاً
خيّراً، ولا لتعيش حياة ذات معنى وبسعادة وهناء.
الوصية السادسة
يجب أن تعي تبعات كل تصرفاتك وأن تعترف بالمسؤولية عنها كلها.
الوصية السابعة
يجب أن تُعامِلْ الآخرين كما يحلو لك أن يُعاملوك هم بذات القدر والقيمة.
حاول أن تفكّر بوجهات نظر الآخرين.
الوصية الثامنة
يجب أن تتعامل بمسؤولية مع الآخرين، وكذلك، مع الأجيال المستقبلية القادمة.
الوصية التاسعة
لا توجد صيغة أو طريقة عيش وحيدة صحيحة.
الوصية العاشرة
حاول أن تجعل العالم أفضل مما وجدته، وفق إمكاناتك وبشكل دائم.
ملحوظة: من الضروري التنويه، بداية، بأننا نواجه وصايا بصيغة إقتراحات لا
إلزامات، حيث يمكن لأيّ شخص تطبيق هذه الوصايا؛ ولا ينحصر الأمر بالملحدين فقط!
وكما هو معروف فحتى الوصايا الإلهية، لم يلتزم المؤمنون بها إلا حين تلبي
إحتياجاتهم وتستجيب لظروف حيواتهم. هذه الوصايا الإلحادية قابلة للتحديث بأيّة
لحظة وفق أيّ مستجد حياتي وفكريّ؛ وليست أزليّة أو أبديّة كحال الوصايا الإلهية.
بعد أن قمتُ بترجمة هذا النصّ، بحثت بغوغل عن "وصايا إلحادية"
ووجدت نصين على الأقل تحت هذه التسمية:
يعود أحدهما لوليد الحسيني ويوجد النص الآخر في مدونة الإلحاد، حيث لا يُشير الحسيني لترجمته لأيّ نص علماً أن النقاط التي أوردها تشبه كثيراً النقاط التي قمتُ بترجمتها، في حين أن النص الآخر إجتهاد شخصي غير مُترجم.
هذا الموضوع، ككثير من الأفكار الواردة في هذه الموسوعة، من المدونة الشقيقة فينيق ترجمة.
هوامش
1. يحاول الألوهيون دحض فكرة "عدم تدخُّل الإله في العالم الواقعي"، بحيث يبرهنون على هذا التدخل من خلال حدوث معجزات أحياناً. لكن، ليس هناك أيّ دليل جدي على حدوث هكذا أمر. وتُقصي كل النتائج المتعلقة بهذا الأمر كل التفسيرات الممكنة الغير مرتبطة بما هو فوق طبيعي.
2. لا تلغي المعرفة الكلية المطلقة أي توقُّع إلهي فقط، بل كذلك، تلغي مسألة الحساب الإلهي النهائي. فبحسب قدراته غير المحدودة، يعلم الإله مسبقاً بوجود الكون، ويعلم كل من سيسلك بصورة خيِّرة أو شرّيرة وماهية مصيره بناءاً على ذاك السلوك. هكذا، وبناءاً على قاعدة بسيطة واضحة، ليس هناك حاجة للقيام بحساب نهائي أو يوم قيامة. فالقرار صادر ومختوم منذ الأزل ذاته!
3. من المعروف بأن الكثير من الأشخاص، يؤكدون على "عدم وجود الإله". ويسمى أولئك مناهضي الألوهة مثل اليعاقبة المشككين. بالنسبة لأولئك، يشكل غياب الأسباب المنطقية بحد ذاته، الدليل على عدم وجود الإله. وهذا زعم خاطيء، إنطلاقا من وجهة نظر إلحادية (لدى قسم غير قليل من الملحدين على الأقلّ). حيث يحاولون إثبات زعمهم عبر السؤال:
هل يُعتبر "عدم تناول الكوكايين" نوعاً من الإدمان؟
حيث لا يمكن إعتبار "عدم تناول الكوكايين"، ولا تحت أيّ ظرف، كغياب للإدمان.
إنه لا إدمان. بذات الصيغة، "عدم وجود أسباب منطقية"، لا يمكن إعتباره دليلاً، لأنها تشكل غيابه.
هو: لا دليل.
يتبع
تنويه: مصادر الموسوعة كاملة في الجزء الأوّل
للإطلاع على باقي الأجزاء
No comments:
Post a Comment