في هذا الجزء، سنهتم برائحة النَفَس وتأثيرها في العلاقات الإجتماعية، إضافة لذكر بعض النكات الخاصة برائحة النَفَس والتي تعكس أهمية هذا الأمر في الحياة الإجتماعية رغم خجلنا من الحديث حوله في أغلب الأحيان.
من جديد، جدير بالتنويه إستخدام المجتمع للرائحة كوسيلة لتعريف العالم والتفاعل معه. فتجربة حاسة الشم حميمة ومشحونة عاطفياً وتربطنا بالعالم.
ويترتب على ذلك أن الرائحة المنبعثة من الفم (النَفَس) يمكن أن تربط الشخص ببيئته الإجتماعية وعلاقاته الحميمية أو تفصله عنها.
إن الطريقة التي يختبر المرء جسده، من خلالها، هي أمر شخصي وخاص جداً، لكن، هو عام جداً أيضاً.
فرائحة النفس عامة، لأنها تحدث في سياق إجتماعي وثقافي وشخصي، فتؤثر على صورة الجسم والثقة بالنفس.
تتشابك صورة الجسد والصورة الذاتية والعلاقات الإجتماعية وتتفاعل وتؤثر على بعضها البعض.
رائحة النفس هي جانب حركيّ وتفاعلي للذات. بالإضافة إلى ذلك، قد تُوصَمُ رائحة النفس ”بالسيئة أو الكريهة“1.
قد يتداخل القلق من رائحة الفم الكريهة، بشكل كبير، مع حياة الفرد الشخصية والمهنية والعملية والإجتماعية.
يعاني معظم الناس من رائحة الفم الكريهة من حين لآخر.
ومع ذلك، يرى بعض الأشخاص أن رائحة الفم الكريهة عبارة عن مشكلة شخصية، رغم أنها قد لا تبدو كمشكلة مستمرة في الواقع.
تتحدد صور الجسم إجتماعياً وتتشابك مع المشاعر الذاتية. وتؤثر هذه المشاعر على السلوك، سيما على مستوى العلاقات الشخصية2.
في كتاب "فيلوجيلوس"، وهو كتاب يوناني روماني فيه مئتين وخمس وستين نكتة من نكات ذاك الزمان، فصل كامل مخصص لروائح النَفَس والروائح الكريهة بالعموم.
تقول إحداها:
"قرر رجل ذو رائحة فم كريهة الإنتحار، فغطى وجهه، فقط، وإختنق
بنَفَسِهِ!".
وتقول نكتة اخرى:
"ذهب رجل ذو رائحة فم كريهة إلى الطبيب وقال: شاهد يا حضرة الطبيب كيف نزلت اللهاة (بمنطقة الحلق) إلى الأسفل. فلما فتح الرجل فمه، أشاح الطبيب بوجهه وأعرض عنه وقال: ”لم تهبط اللهاة، المشكلة أن فتحة شرجك قد إرتفعت!!".
ومن الحُبِّ ما قَتَلْ!
زوج لديه رائحة فم كريهة، يسأل زوجته: حبيبتي، لماذا تكرهينني؟. فتجيبه، قائلةً: لأنك تُقبِّلني!
مع ذلك، في العلاقات الإجتماعية، ودوماً، قد اعتُبِرَ النفس كحقل ملغوم وتهديد مستمر قادر على التسبُّب بنشوب حروب بين الأشخاص. الإنشغال بهذا الأمر قديم. فخلال القرن الخامس قبل الميلاد، أصرّ أبقراط على تمتع شبيبة اليونان القديمة بنفس لطيف، قد شكَّلَ مؤشراً على درجة العذوبة الداخلية وحالة نقاء الروح. من جانبهم، ومنذ مئات السنين، يعتبر الهنود الفم بوابة الدخول إلى الجسد، بالتالي، يصرون على بقائه نظيفاً، سيما قبل اداء الصلوات.
قال الكاتب لوسيليوس، الذي عاش خلال القرن الثاني قبل الميلاد، أنّ أنفاس السيّد تيليسيلا أسوأ من كل الروائح النتنة الشهيرة الأسطورية:
"حتى الكيميرا (باللغة اليونانية؛ الخَيْمَر بالعربية وهو كائن أسطوري قديم يوناني كريه)، التي كتب هوميروس حولها، لم تزفر مثل هذه الرائحة الكريهة!".
ويمكن لزميله الكاتب مارتيال أن يكتب مباشرة وبنزق شديد:
”عندما ينفخ السيّد سابيديوس الشره على كعكة ساخنة لتبريدها، في الحال، تتحول إلى براز!!"3.
يجري تقييم الأبخرة المتصاعدة من الجسد بشكل سلبيّ – مُصدر لرائحة كريهة، كرائحة النَفَس ورائحة التعرُّق، لكن، كذلك، المُتعفِّن أو العَفِن، ولا يتم التطرُّق لها في النطاق الشعبي العام، ما خلا بعض المناسبات النادرة المرتبطة بالسخرية، وبالطبع، في السياق الدرامي الفني وما يناسب الدعاية الإستهلاكية.
في هذه الحالة الأخيرة، يُمثِّلُ نوع الروائح الكريهة المثيرة للغثيان وضعاً إشكاليّاً يقضي بالتحرُّك لتحقيق "النظافة". يتمثل الحلّ بتطبيق قواعد النظافة وإستخدام روائح محببة وهي مطلوبة ومقبولة إجتماعياً، حيث يُعتبر هذا "عملاً سحرياً" تحويلياً بإتجاه الوضع المعتبر "طبيعي أو مألوف"4.
اهمّ العوامل الشائعة المتسببة بصدور نَفَس كريه او رائحة فم كريهة، هي:
1. الطعام: أطعمة أو أغذية بعينها، مثل الثوم والبصل، يمكن أن تترك روائح كريهة، فما إن تصل إلى مجرى الدم إثر إمتصاصها، حتى تنتقل هذه الروائح إلى الرئتين لتخرج مع الزفير وتشكل النَفَس الكريه.
2. إهمال نظافة الفمّ: يساهم عدم تنظيف الأسنان بإنتظام إلى بقاء بقايا الطعام في الفم، مما يؤدي بدوره إلى تكاثر البكتيريا المسؤولة عن توليد رائحة نفس بشعة.
3. أمراض اللثة: تعتبر أمراض اللثة سبباً رئيسياً لرائحة الفم الكريهة. طبقة الترسبات الفموية هي طبقة لزجة من البكتيريا، التي تتشكل على الأسنان، حيث تحتضن بكتيريا متسببة بصدور روائح كريهة، حيث يجب العمل على إزالتها من حين لآخر.
4. جفاف الفم: يلعب اللعاب دوراً مهماً في تنظيف الفم وتحييد الأحماض. عندما ينخفض تدفق اللعاب، تكثر بقايا الطعام والبكتيريا، مما يؤدي إلى صدور نفس كريه الرائحة.
5. الأدوية: يمكن أن يؤدي تناول بعض الأدوية، بما في ذلك مضادات الهيستامين ومضادات الاكتئاب والمخدرات، لصدور رائحة فم كريهة عن طريق تقليل إنتاج اللعاب أو التسبب في مشاكل فموية أخرى.
6. الحالات الصحية الكامنة: قد تؤدي الإصابة بأمراض مثل السكري والفشل الكلوي وأمراض الكبد لصدور رائحة معينة، قد تتجلى من خلال نَفَس كريه الرائحة.
تأثير رائحة الفم الكريهة على العلاقات الإجتماعية
العام 2022، بينت دراسة إحصائية كندية:
أن 28٪ من الكنديين راغبين بإنهاء علاقتهم بسبب رائحة الفم الكريهة المستمرة، وتزداد إحتمالية تحقيق ذلك مع تقدم العمر.
فيما أفادت نسبة 31٪ من الأفراد، الذين تبلغ أعمارهم 55 عاماً أو أكثر، بأن رائحة النَفَس الكريه قد تدفع لإنهاء العلاقة العاطفية.
أخيراً، بالنسبة للكثيرين، لا تؤثر
رائحة النفس الكريه على العلاقات العاطفية فقط، بل يمكن أن تخلق تحديات في البيئة
المهنية أيضاً. قد تتأثر التفاعلات الاجتماعية سلباً، فغالباً، تتجنب الناس الإتصال
الوثيق مع الأفراد المُعانين من رائحة النفس الكريه5.
المصادر
1. Social relations and breath odour
https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/16451502/
2. L McKeown, Social relations and breath odour
3. Federico
Kukso, Odorama; Historia cultural del olor. Taurus. 2019
4. Die soziale Konstruktion olfaktorischer Wahrnehmung. Eine Soziologie des Geruchs. Dissertation zur Erlangung des akademischen Grades des Doktors der Sozialwissenschaften an der Universität Konstanz. Vorgelegt von Jürgen Raab im September 1998
5. The Hidden Struggle: Bad Breath and Its Impact on Relationships and Self-Esteem, Dr. Sharib Manzoor
من الواقع، حوار حول النفس الكريه
الأول: إثر إنصراف الزائر، العفو منك، كيف تتحمل رائحة فمه؟ لقد قتلني
نَفَسَهُ!
الثاني: يأتي لعندي يومياً!
الأوّل: لماذا لا تتكلم معه؟ لكي يعالج هذا الأمر.
الثاني: أخجلُ كثيراً ولا أستطيع التحدُّث حول هذا الأمر معه!!
From reality, a dialogue about bad breath
X: After the visitor left, excuse me, but
how can you stand the smell of his mouth? His breath killed me!
Y: He comes to me every day!
X: Why don't you talk to him? So that he
can fix this problem.
Y: I am too embarrassed and cannot talk to him about this!
De la realidad, un diálogo sobre el mal aliento
X: Después de que el visitante se fue,
perdona, pero ¿cómo puedes soportar el olor de su boca? ¡Su aliento me mató!
Y: ¡Viene a verme todos los días!
X: ¿Por qué no hablas con él? Para que
pueda solucionar este problema.
Y: ¡Me da mucha vergüenza y no puedo hablar con él sobre esto!
De la réalité, un dialogue sur la mauvaise haleine
X : Après le départ du visiteur,
excusez-moi, mais comment pouvez-vous supporter l'odeur de sa bouche ? Son
haleine m'a tué !
Y : Il vient me voir tous les jours !
X : Pourquoi ne lui en parlez-vous pas ?
Pour qu'il puisse régler ce problème.
Y : Je suis trop gêné et je ne peux pas lui en parler !
Aus der Realität, ein Dialog über Mundgeruch
X: Nachdem der Besucher gegangen war,
entschuldige bitte, aber wie kannst du den Geruch aus seinem Mund ertragen?
Sein Atemzug hat mich umgebracht!
Y: Er kommt jeden Tag zu mir!
X: Warum sprichst du nicht mit ihm? Damit
er dieses Problem beheben kann.
Y: Ich schäme mich zu sehr und kann nicht
mit ihm darüber sprechen!
للإطلاع على مواضيع أخرى ذات صلة
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (1) تعريف علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (2) عدم الإهتمام بهذا العلم
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (3) أهمية الروائح
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (4) آراء أخصائيين بعلم الإنسان بهذا الموضوع
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (6) دور الروائح في النفور والإنجذاب
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (7) تفادي الروائح الكريهة
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (8) رائحة الأزهار وهويّة شميّة
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (9) إدارة الإنطباع الحسي
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (10) إدارة الإنطباع الحسي متابعة
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (11) متابعة الحديث حول الإنطباع الحسي
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (12) نهاية الحديث حول الإنطباع الحسي
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (13) مناهضة الحواس، سيما حاسة الشمّ
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (14) مواقف فلاسفة وأخصائيين إجتماعيين من الموضوع
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (15) مواقف قديمة داعمة للموضوع
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (16) معاني وتصنيفات الروائح
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (17) العلاقة بين الشمّ والروائح والذاكرة
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (18) كيفية بناء التقييم الشميّ
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (19) حاسة الشمّ والأغذية والتذوُّق
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (20) الرمزية الشميّة
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (21) تاريخ وسياسة حاسة الشمّ
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (22) الشمّ والروائح والتقسيم الطبقيّ
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (23) حاسة الشمّ والروائح والتقسيم الجندريّ الجنسيّ
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (24) الروائح والعنصرية
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (25) عوالم حسيّة مختلفة
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (26) الروائح والشمّ في الطبّ
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (27) أهمية بحث علم الإجتماع للروائح
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (28) الروائح والهويّة وخسارة القدرة على الشمّ
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (30) رائحة الأقدام الكريهة
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (31) جورج زيميل وحاسة الشمّ
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (32) روائح المدن
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (33) العلاقة بين حاسة الشم والروائح واللغات
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (34) الروائح في العمل التجاري
No comments:
Post a Comment