Tuesday, July 22, 2025

Sociology of smell and Odours (21) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

تاريخ وسياسة حاسة الشم 

إن القراءة والكتابة حول الماضي - الممارسات التي تقع في قلب العلوم الإنسانية التفسيرية - هي تجارب نخوضها بكامل أجسادنا، بما في ذلك أنوفنا. لذلك، نحن بحاجة إلى فهم طرق الشم، التي زُرِعَت من قبل المجتمع والثقافة والتاريخ وخبرتنا اليومية الحياتية والعمل والترفيه. إن التكييف الثقافي والاجتماعي، لحاسة الشم لدينا، هو عبارة عن عملية تاريخية تستحق الإهتمام بها الكشف عنها1. 

لعلّ تقديم القرابين، تاريخياً، قد عكس سياسات الحكم والكهنوت المتحالفين، حيث حضرت الروائح وحاسة الشمّ بقوّة. 

هكذا تميزت الممارسات القربانية المتوسطية – وقد كانت هكذا قديماً دوماً – بالروائح، فقد أُحرِقَ البخور على طول طريق الموكب الديني الطقسي، وفي الموقع الذي مورس الطقس به. كذلك، تزينت المذابح بالورود والأكاليل والعطور، وهو ما جرى مع التماثيل المعبودة ومع ضحايا القربان وقادة الطقس واللباس الخاص بالطقوس والمشاركين. تُضاف رائحة صادرة عن إراقة النبيذ (المُعطّر). بخصوص الحيوانات المُضحى بها، تُضاعِفُ رائحة الدم واللحم المشوي أو المغلي عدد الروائح الحاضرة. وباعتبار أن النار قد حضرت بشكل شبه دائم، ترافقت تلك الروائح مع رائحة الدخان. ففي الدخان، تتآلف الروائح خلال سير العملية الطقسية والتي يمكن أن تعبر، حرفياً، من الأرض إلى السماء. وصف لوقيان السميساطي التضحية بالحيوان وفق مُصطلحات بصرية شميّة: "بخار إلهي، ويكون مناسباً للفتحات الأنفية الإلهية، يرتفع نحو السماوات، ويغزو كل قسم منها". كانت "رائحة" الأضحية، بالتالي، متنوعة، مركَّبة من كل ما هو متوفر ومزين لسلسلة نشاطات الطقس. يمكن أن تكون رائحة بسيطة مثل البان فقط؛ ربما تحمل روائح عطرية كبرى لحفل طقسي ديني مُكلف. لكن بالنسبة للقدماء، سواء كانوا يونانيين، رومان، مصريين، سوريين، يهود – لزمت رائحة الأضحية الخاصة "جمالية" ما لكي يجري الاهتمام بها، أو لتصير مناسبة حتى، للألوهة التي قُدِّمت باسمها2. 

بحسب أنطوني ساينوت: 

نادراً ما جرى درس تاريخ وسياسة حاسة الشمّ، لكن، حقَّقَ آلان كوربين أبحاثاً حول الروائح في فرنسا القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ذُكِرَ بأنّ لجميع المجموعات السكانية تقريباً روائح مميزة، وقد وُصِفَ بعضها مع الكثير من التفصيل. قرويون، راهبات، ذوو الشعر الأحمر، يهود، زنوج، قوقازيون، عمال مكسيكيون، ألمان، فنلنديون، جامعو الخرق، فقراء، عذراوات وقحبات: حضرت رائحة مميزة لدى كل مجموعة منها، قد عكست المكانة الأخلاقية المتخيلة للسكان: عذراوات خيِّرات (ذوات رائحة عطرة)، قحبات شرِّيرات (ذوات رائحة كريهة)؛ صُنِّفَت رائحة البحارة بين أسوأ الروائح. 

تمتاز عاداتهم بالخلاعة؛ يجد البحار سعادته القصوى في السُكر وبرائحة التبغ الممزوجة بأبخرة النبيذ والكحوليات والثوم إلى جانب أطعمة أخرى يستلذ بتناولها، تجعله رائحة ثيابه المشبعة بالعرق والأوساخ والقطران مُنفِّراً في أغلب الأحيان. لهذا، يغدو توصيف الروائح، المحبذة والكريهة، تصنيفاً أخلاقياً مُقنعاً. يستمر هذا التصنيف طبقياً وعرقياً وسكانياً بالحضور حتى اليوم. لهذا التصنيف الأخلاقي (المعنوي)، المؤسس على إعتقادات شمية، تبعات إجتماعية3. 

يمكن أن تبدو العلاقة بين حاسة الشمّ والسياسة غامضة؛ ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالرائحة، تبرز بوضوح أسئلة حول الحرية والتضييق والإختلاط أو التمييز الإجتماعي والوجودي4. 

يرى توماس هوبز بأنّ الحواس ذات قاعدة عقلية وذات شرط عقليّ، وهذا الأخير، بدوره، شرط للتعايش السياسي والإجتماعي بين الناس. يُشدِّدُ هوبز على أنّه: 

"لا نستطيع التفكير بأيّ شيء، إن لم يحضر مسبقاً، كليّاً أو جزئياً، بنطاق إحدى حواسنا"5. 

تدخل تاريخيّة حاسة الشمّ والإرتباط بين الجهوزية العضوية الحسيّة البشرية وبين العمليات الثقافية أو الإجتماعية للتغيير مع تداعياتها المتنوعة: 

 في نطاق مسؤوليّات علم الإجتماع.

ضمن هذا الإطار، تُطرَحُ الأسئلة التالية: 

- في أيّة مناسبات إجتماعية تُستخدَم الروائح، وما هو المعنى وما هي الوظيفة المعزوة لها في تلك الممارسات أو الإستخدامات؟ 

- ما هو معنى التمييز والتحريم المرتبطين بروائح معينة بحقب تاريخية محددة؟ 

- بأيّة نطاقات إجتماعية (الدين، علم، أدب، طب، تقنيات، أزياء، عمارة، بيئة، ...إلخ) يمكن تحديد إنحطاط وثبات وحداثة التعامل مع الروائح؟ 

- ما هي العلاقات بين التطور أو التغيُّر الثقافي والإجتماعي وبين "الإدراك الشمي"؟ 

- ما هي وظيفة الروائح في خلق مباديء النظام الإجتماعي والحفاظ عليه؟ 

- إلى أيّ مدى يؤثر التقدُّم الحضاريّ في طريقة تعامل المجتمع مع الروائح؟ أي، بالتحديد: ما هي القيم والقواعد المسلكية والقياسات الإجتماعية المُتشكِّلة في مجرى نشوء هذه الحضارة؟ كيف تكتسب مشروعيتها وقوتها وإلى أيّة عمليات تغيير تخضع؟ 

- بالعموم: ما هي الخلفيات التاريخية الإجتماعية للتعامل الراهن مع الروائح وحاسة الشمّ؟ ما هي مكانة الرائحة في مجتمعاتنا الراهنة؟6 

بنهاية القرن الثامن عشر، يلاحظ المؤرخ الفرنسي آلان كوربين حدوث تراجع "بالتسامح الشمي" مترافق مع صعود الذهنية البرجوازية. بحسب كوربين، فإن البرجوازية البروتستانتية كانت مسؤولة عن نمو الشجب الأخلاقي لاستخدام العطور. حيث رمزت طبيعة العطر سريعة الزوال إلى التبديد والغلوّ؛ أشار استخدامها إلى انحطاط الذوق من خلال الرغبة المتناقضة مع العمل الأخلاقي، لا تحمل أية فائدة ولا أية وظيفة عملية بل شكلت، بناءاً عليه، أمراً لا أخلاقياً7. 

إنطلاقاً من وجهة نظر علمو – إجتماعية، يستحق تحليل قدرة البشر على خلق قرابة وحميمية بمساعدة الحواس، ودمج ما هو منفصل أو مختلف فعلياً، الإهتمام، لأجل فهم عمليات الخلق والتماسك وخلق "النحن" ضمن العائلات. الإنتماء وإمتلاك هوية جماعة، إضافة لكونه إدراك وإعتراف بصريّ وسمعيّ، فهو قضية شمّ وروائح أيضاً. بعيداً عن عزو روائح لجماعات إجتماعية أكبر ولعمليات التوصيف النمطية التقليدية والإقصاء، يمكن إعتبار الروائح كقاعدة لخلق الإنتماء والهوية. يلفت هذا الأمر إنتباهنا إلى مقاربات علمو – إجتماعية أصيلة لمسألة التبادل التفاعليّ القائم بين الإدراكات الشمية والعلاقات الإجتماعية8.

 يتبع 

المصادر

1.   Smell and the Past, Noses, Archives, Narratives, William Tullett, BLOOMSBURY ACADEMIC Bloomsbury Publishing Plc

2. THE OLFACTORY CONTEXT, Smelling the Early Christian World Religious symbols reek of meaning. Clifford Geertz

3. A sociology of smell, Anthony Synnott. The Canadian Review of Sociology and Anthropology, vol. 28, nº 4, in November 1991 

4. https://journals.openedition.org/estetica/8383

5. Hobbes, Thomas: Leviathan. Reclam, Stuttgart: 1980 (1651)

6. Die soziale Konstruktion olfaktorischer Wahrnehmung. Eine Soziologie des Geruchs. Dissertation zur Erlangung des akademischen Grades des Doktors der Sozialwissenschaften an der Universität Konstanz. Vorgelegt von Jürgen Raab im September 1998

7. The Smell Report, An overview of facts and findings, Kate Fox, Director Social Issues Research Centre

8. Odor as a medium of cohesion and belonging, A sensorial approach to family, Tino Schlinzig


للإطلاع على مواضيع أخرى ذات صلة

 (1) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(2) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(3) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(4) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(5) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(6) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(7) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(8) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(9) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(10) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(11) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(12) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(13) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(14) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(15) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(16) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(17) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(18) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح 

(19) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(20) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(22) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(23) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(24) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(25) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(26) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

No comments:

Post a Comment