في هذا الجزء، سنتطرق للعلاقة بين حاسة الشمّ والروائح والأغذية والتذوُّق في يوميات الناس.
بحسب جويل كانداو:
تنتبه الناس إلى الروائح، عندما تبدو مهمة في حيواتهم اليومية، وليست مجرد جزء من الخلفية الحسية والإنفعاليّة الحسيّة1.
قد لا تمتلك حاسة التذوق لدينا سوى خمس مذاقات قابلة للإدراك، ولكن، حاسة الشم لدينا تعوض ذلك بالقدرة على إدراك ما يقرب من 10000 رائحة مميزة. وهذا هو سبب أهمية حاسة الشم في الإحساس بالنكهة أو الطعم. وقد وجدت الأبحاث أن حاسة الشم لدينا تؤثر بنسبة 75-95% على النكهة أو الطعم. هل تذوقت البصل المبشور والبطاطا المبشورة وأنفك مسدود؟ سيصعب عليك التمييز بين النكهتين لعدم تمكنك من شم رائحتهما أيضاً2.
يتساءل أنتوني سينوت، قائلاً:
هل نُصدِرُ الأحكام على الطعام والبيئة والناس من خلال الروائح؟
في كل يوم، نتأكَّدُ من صحّة هذه المعادلات الرمزية لدى شمِّنا ما نأكله وما نشربه. بسبب الرائحة، نتخلص من كل ما هو فاسد: السمك التالف، اللحم منتهي الصلاحية، البيض المتعفن، الحليب الحامض، النبيذ المتخلِّل والرزّ المحروق الأكثر شيوعاً. كما نحكم على الطعام بوصفه محبذاً أو فاسداً بسبب رائحته، نفعل الأمر ذاته مع البيئة. نتمتع بأريج الورود وبرائحة هواء البحر النقيّ. نتجنب الإنبعاثات السلبية: القمامة وأنظمة الصرف الصحي وادخنة العربات المتنوعة والتلوث والروائح الكريهة الصادرة عن مصانع الورق ومصانع معالجة الأسماك واللحوم؛ في الوقت الراهن، نتجنب دخان التبغ بكل أنواعه حتّى، فرائحته كريهة ويسبب الأذى: فهو سامّ ومسرطن ويسبب الغثيان. نحكم على أقراننا بذات الطريقة التي نحكم من خلالها على الغذاء والبيئة. فإن تصدر رائحة "كريهة" عن شخص، أو يبتعد عن القاعدة الشمية الثقافية السائدة، فقد تُشير الرائحة إلى وجود خلل ما صحّي أو حسيّ أو ذهنيّ. الرائحة هي علامة طبيعية ذاتية لكينونة جسدية ومعنوية؛ الرائحة عبارة عن رمز للأنا3.
في النهاية، أظهرت التجارب الحديثة أن أنوفنا ضرورية لإخبارنا، على سبيل
المثال، ما إذا كان الطعام غير صالح للأكل أم لا، فعلى الرغم من أننا غالبًا ما
ندركها بوضوح، إلا أن الدلائل البصرية وحدها غير كافية، وهي تحفز جزءًا مختلفًا من
الدماغ4.
تتساءل إيزابيل الليندي، قائلةً:
متى يبدأ التذوُّق وينتهي الشمّ؟
وتتمثل إجابتها، بالقول:
هما متلازمان وغير قابلين للفصل5.
سواء في المجتمعات المتعودة على الروائح أو التي لديها رُهاب منها، يتضح
وجود تمييز بين الروائح "اللطيفة" والروائح "الكريهة أو
المُنفِّرة". بذات الوقت، يجري إستخدام هذا التقسيم بجميع الثقافات لأجل
تصنيف الأغذية، لكن، كذلك، تصنيف الحيوانات والنباتات والأماكن.
يجري تصوُّر الروائح الكريهة كروائح مُنفِّرة وتُقيَّمُ سلبياً بشكل مستقلّ عن أيّة سمة ثقافية إجتماعية. كقاعدة عامة، ترتبط بحوادث التحلُّل والتعفُّن في الطبيعة؛ فهي تُشير إلى التلف أو خسارة ما حصل نموّه طبيعياً، أي إنحطاط الصيغة الأصلية، التحلُّل، ذوبان الحدود الواضحة بين الأحياء والبيئة المحيطة. كذلك، ترتبط رائحة العفن بالقذارة وخطر الإصابة بالعدوى والمرض والأذى الجسدي6.
يعترف الطُهاة بأهمية عمل حاستي الشم والبصر بتناغم معاً وتتفوقان على حاسة الذوق:
"حاسة الشم هي الحاسة الثانية في تحضير الطعام، يؤكد أحد كبار الطهاة في منطقة نيس الفرنسية، فيما تبدو الحاسة الأولى هي حاسة البصر".
في حالة قصة إيميل، وصف جان جاك روسو الروائح من خلال ربطها بوعد مستقبلي
بنوع طعام، قد احتفظ برائحة مكونات نيئة، والتي علاوة على ذلك، تحتوي على مناشدة
مختلفة فعلاً لكل اعتماد فرديّ على الخبرة المسبقة المكتوبة ضمن المنطقة الشمية
الدماغية – والتي ستختلف رائحتها بشكل فعلي عن روائح أشياء مطبوخة، فحاسة الشم
المطبقة على المكونات النيئة أو المطبوخة عبارة عن إدراك حسي لا غنى عنه لدى
الطُهاة؛ تُوصَفُ روائح المكونات والأطباق في مختلف مراحل التحضير في سلسلة من
المقابلات مع الطهاة كالعلامات الموسيقة بأية مقطوعة موسيقية، والتي تُساهم بتزيين
الأطباق.
تأتي رائحة الطعام من مواد طيّارة صادرة عنه، عبارة عن جزيئات صغيرة وخفيفة منطلقة إلى الهواء لتصل إلى أنوفنا عبر التنفُّس. ربما يحتوي كل مُكوِّن على الكثير منها – على سبيل المثال، في تصنيف المواد الكيميائية الحاضرة في رائحة النبيذ الألماني الشهير باسم نبيذ التوابل، جرى إعداد قائمة ضمت أكثر من 40 مُكوِّن فردي مختلف. لا نستقبلها كلها بالضرورة:
"عادةً، تخلق حفنة قليلة منها العنصر المُهيمن على الرائحة، فيما تزود البقية بمعلومات عامة داعمة ومحققة لغنى في الملاحظات".
بالتالي، تبدو رائحة أيّ طعام خاصة ومعقدة، تساعد على شرح سبب كون أغذية بعينها هي طبيعية أو ليست على هذا النحو:
تقود معرفتنا لرائحة الجزيئات إلى تحقيق فهم ما نتذوقه في النهاية7.
أخيراً، ترتبط
حاسة الشمّ نفسياً بحاسة الذوق وتلعبان معاً دوراً هاماً في استهلاك الأغذية.
تُرافِقُ حاسة الشمّ حاسة الذوق، في النهاية، في طريقين. الأول، الروائح إلى جانب
الرؤية، تُساعدنا الألوان والأشكال على إنتقاء أطعمتنا. الثاني، يُعزِّزُ الجهاز
الشمي نكهات الغذاء فيجعل الغذاء ذو نكهة جذّابة. في الواقع، قيل بأنّ النكهة
تتشكل من 80% شمّ و20% ذوق. يتأكد هذا الطرح إن نتخيل تناولنا للطعام خلال إصابتنا
بالرشح8.
يتبع
المصادر
1. Joël Candau, The olfactory experience: constants and cultural variables, page: 4
2. https://www.healthyfood.com/advice/taste-smell-and-flavour-how-it-all-works/
3. A sociology of smell, Anthony Synnott. The Canadian Review of Sociology and Anthropology, vol. 28, nº 4, in November 1991
4. Grigor, J., S. Van Toller, et al. (((1999). "The Effect of Odour Priming on Long Latency Visual Evoked Potentials of Matching and Mismatching Objects." Chemical Senses: Proceedings of the 32nd Annual Meeting of the Japanese Association for the Study of Taste and Smell (JASTS XXXII) 24(2): 137-144.
5. Afrodita, Isabel Allende
6. Die soziale Konstruktion olfaktorischer Wahrnehmung. Eine Soziologie des Geruchs. Dissertation zur Erlangung des akademischen Grades des Doktors der Sozialwissenschaften an der Universität Konstanz. Vorgelegt von Jürgen Raab im September 1998
7. Jane Levi, Engraved in the Mind: The Significance of Smell. The London Consortium.11 May 2012
8. The Hidden Power of
Odors, Studying scents in the academic marketing literature, Bachelor’s thesis
in Marketing Aalto University School of Business, Vivi Kiukkanen, December 2017
للإطلاع على مواضيع أخرى ذات صلة
(1) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(2) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(3) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(4) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(5) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(6) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(7) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(8) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(9) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(10) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(11) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(12) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(13) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(14) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(15) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(16) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(17) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(18) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(20) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(21) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(22) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(23) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
(24) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
No comments:
Post a Comment