2025/10/28

Sociology of smell and Odours (39) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

 

في هذا الجزء، سنتطرَّق إلى الفنِّ الشمّي أو الفنّ الروائحيّ. 

يثير الإرتباط بين الرائحة والإنفعالات الحسيّة الدهشة من عدم إستعمال الرائحة كموضوع حاضر بقوّة في الفن الغربي.

فحتى وقت قريب نسبياً، عندما بدأ الفنانون بالتعامل مع الرائحة، قد مالوا إلى التعامل معها كرمز (للشعور بشكل عام أو الحماسة الدينية) بدلاً من التعامل معها كمصدر للتجربة الجمالية بحد ذاتها.

 أدرك الفنان أندي وارهول قوة الرائحة سريعة الزوال – وذات إمكانات فنيّة هامة. فقد ظهرت زجاجات العطور بكثافة في لوحاته الصامتة المبكرة، مثل لوحة "القطة الزرقاء وزجاجة عطر" (1954) ولوحة "زجاجات العطر وأحمر الشفاه" (حوالي عام 1962)، وفي بيان سيرته الذاتية "فلسفة آندي وارهول" (1975)، وصف العطر بأنه "وسيلة لشغل حيِّز أكبر"1.

حاسة الشم حاسة قوية توفر العديد من الإمكانيات. وللحديث عن الفن الشمي، يجب أن يحضر توجُّه لإستخدام الرائحة أو حاسة الشم كسياق ومفهوم للعمل الفني. لهذا، نتحدث عن مصطلحي السياق الشمي والمفهوم الشمي. يمكن تقسيم السياق الشمي إلى قيم الرائحة الجوهرية أو الذاتيّة والمُتعمَّدَة. تجلب القيمة الشمية الجوهرية للرائحة أهميتها، بينما تعطي القيمة الشمية المُتعمَّدة معنى إضافياً للرائحة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإدراك الشمي هو جزء من المفهوم الشمي للعمل الفني. ولإدراك ذلك، يجب نقل الرائحة إلى مُستعرض العمل الفني. تحدد الطريقة، التي تنقل الرائحة في العمل الفني، كيفية تفسير الرائحة فيما يتعلق بالعمل، إلى حد كبير2.

 

في كتابه "روائح الفن: إستكشاف جماليات الشم والفنون الشمية (2020)"، يقدم مؤرخ الفن الشمي لاري شينر التعريف التالي للفن الشمي: 

    "تنطوي أعمال الفن الشمي على نية إستخدام الروائح الفعلية بطريقة مميزة تعطي العمل الفني الناتج تأثيراً مميزاً في بيئة فنية بصرية معترف بها عادةً". 

يمكن أن يستند تحليل الفن الشمي بشكل أفضل على حقيقة أن معنى العمل الفني ليس مندمجاً في الغرض الفني، بل يمكن أن ينشأ بطريقة أدائية من الموضوعات المادية او الجسدية3.

 

حالات خاصة من التقاطع بين التحفيز الشمي الروائحي وتساميه على شكل خلق فني بتخصصات فنية مختلفة 

فنون تشكيلية

 

فن تصويريّ حيّ

 

إعتباراً من منتصف القرن العشرين، بدأ إعتبار الحداثة كظاهرة منتمية للماضي وتجلّى هذا الإتجاه من خلال ما يسمى "ما بعد الحداثة". ظهر هذا الإتجاه خلال عقد الثمانينيات من القرن العشرين، ولو أنّ أوائل إرهاصاته قد بدأت خلال عقد السبعينيات. يستقي التفاصيل من أعمال سابقة ويعيد تدوير تقنيات وأفكار ومواضيع حركات أخرى، لكن، يحدث كل هذا إعتباراً من وجهة نظر جمالية راهنة.

 

سيتميز فنّ الأعوام الأخيرة بتنوُّع الخيارات.

 

 لدينا أفضل مثال من خلال معرض الفنّ الحديث بمدينة كاسل الألمانية العام 1982، في فنون التمثيلات الصورية، إحدى مواده الأكثر إستعمالاً اليوم هي الرسوم مع الرائحة.

 

فقد سمح تعطير الرسوم بتجسيد الأعمال الفنية لهمومها وأفكارها على نحو أفضل، ومن الجانب الآخر، كعنصر جديد ومبتكر، تقترب أكثر من الجمهور والعامة.

 

تاريخياً، وبمراجعة المعارض المرتبطة بحاستي البصر والشمّ، نُظِّمَ معرض العام 1978 حول الروائح في الفنّ وتحت عنوان هو "إقتراحات شميّة"، بمرور عام واحد على ذاك التاريخ، انتقل المعرض إلى متحف مدينة مدريد مع عنوان هو "إيحاءات شميّة"، حيث عكس المعرض إقتراح فنّان فرنسيّ متعلق بالحساسية إزاء الروائح، وقد أكَّدَ بأنّ الأشخاص يربطون بين ألوان الطيف المتناغم وسلسلة من الروائح. 

على مستوى الرسم، هناك إمكانية لإعادة خلق أزهار فريدة وباقات ورد أصيلة، تمثيل أو إنتاج لروائح مُبهمة، فتتحول الرائحة إلى جوّ تجريدي منعكس في اللوحة، ويتوقف هذا على وجهة نظر الفنّان وإبداعه.

 

في الموسيقى 

 تتآلف الأحاسيس السمعية الناشئة عن العمل الموسيقيّ مع المحفزات الشمية الناشئة عن الروائح الحاضرة في مكان الحفل الموسيقي لتسمح بربط الذاكرة الحسية بالذاكرة الإنفعالية الحسية لدى الحضور. بهذه الصيغة، يتمكن المؤلف الموسيقي من جعل الحاضرين يحسون بإنفعالات حسية ومشاعر مرافقة لعمله.

هذه العلاقة بين الرائحة والفن، إضافة إلى الإهتمام بدراسة وفهم والتعبير عن عالم التآزر هذا بين الحقلين العلميين، قد إستمرت بالحضور طوال تاريخ الفنّ المُعاصر4.

في المسرح 

يمكن لمعدي أيّة مسرحية مُتكوِّنة من عدد من الفصول إستعمال روائح خاصة بكل فصل، الأمر الذي يخلق حالة تآلف حسيّ بصريّ سمعيّ شميّ مؤثِّر بصورة أكبر على الحضور.

 

في المعارض الفنيّة 

العام 1938، حمَّصَ الشاعر بنيامين بيريه القهوة خلف شاشات معرض خاص بالفنّ السورياليّ قد نظمه مارسيل دو شامب، ومثَّلَ هذا الأمر فنّاً شميّاً من الطراز الرفيع.

في الشطرنج 

العام 1965، صنعت الفنّانة التشكيلية اليابانية تاكاكو سايتو شطرنجاً تتميز كل قطعة منه برائحة مميزة خاصة من خلال إستعمال أنواع من التوابل والزيوت العطرية. فقد عطَّرت الملك الأسود برائحة الكافور؛ الوزير الأسود برائحة الفلفل الحارّ؛ الفيل الأسود برائحة الكمُّون. أما على مستوى القطع البيضاء، فقد عطَّرت البيادق برائحة القرفة؛ القلعة برائحة جوزة الطيب؛ الفيل الأبيض برائحة الزنجبيل؛ الوزير الأبيض برائحة اليانسون الأبيض5.

يتبع 

المصادر

1. Scents and sensibility: why smell counts in art. Jon Day

5 June 2021

https://www.apollo-magazine.com/mauritshuis-scents-in-colour-smell-in-art/

2. The Complexity of Olfactory Art The Use of Scent as Concept and Context in the Work of Art. Author: Peter De Cupere

https://www.researchgate.net/publication/357410923

3. From Image to Smell. The Role of the Olfactory Sense in Contemporary Art Experience by Jonas van Kappel

https://stedelijkstudies.com/from-image-to-smell-essay-jonas-van-kappel/#av_section_2

4. ALAZHAR, Aromas de Leyenda como objeto de estudio. Editor: Editorial de la Universidad de Granada. Autor: Iluminada Pérez Frutos D.L.: GR 1936-2014. ISBN: 978-84-9083-107-6

5. Olfactory art

https://en.wikipedia.org/wiki/Olfactory_art

للإطلاع على مواضيع أخرى ذات صلة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (1) تعريف علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (2) عدم الإهتمام بهذا العلم

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (3) أهمية الروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (4) آراء أخصائيين بعلم الإنسان بهذا الموضوع

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (6) دور الروائح في النفور والإنجذاب

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (7) تفادي الروائح الكريهة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (8) رائحة الأزهار وهويّة شميّة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (9) إدارة الإنطباع الحسي

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (10) إدارة الإنطباع الحسي متابعة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (11) متابعة الحديث حول الإنطباع الحسي

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (12) نهاية الحديث حول الإنطباع الحسي

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (13) مناهضة الحواس، سيما حاسة الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (14) مواقف فلاسفة وأخصائيين إجتماعيين من الموضوع

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (15) مواقف قديمة داعمة للموضوع

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (16) معاني وتصنيفات الروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (17) العلاقة بين الشمّ والروائح والذاكرة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (18) كيفية بناء التقييم الشميّ 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (19) حاسة الشمّ والأغذية والتذوُّق

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (20) الرمزية الشميّة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (21) تاريخ وسياسة حاسة الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (22) الشمّ والروائح والتقسيم الطبقيّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (23) حاسة الشمّ والروائح والتقسيم الجندريّ الجنسيّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (24) الروائح والعنصرية

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (25) عوالم حسيّة مختلفة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (26) الروائح والشمّ في الطبّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (27) أهمية بحث علم الإجتماع للروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (28) الروائح والهويّة وخسارة القدرة على الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (29) رائحة الفم (النَفَسْ) الكريهة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (30) رائحة الأقدام الكريهة 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (31) جورج زيميل وحاسة الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (32) روائح المدن

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (33) العلاقة بين حاسة الشم والروائح واللغات 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (34) الروائح في العمل التجاري 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (35) الأديان الإبراهيمية والروائح والشمّ 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (36) الروائح البيئيّة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (37) ضعف حاسة الشم لدى البشر؟!

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (38) مفهوم رائحة الأجنبيّ


No comments: