Monday, July 14, 2025

Sociology of smell and Odours (17) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

 

في هذا الجزء، سنتحدث حول العلاقة بين حاسة الشمّ والروائح والذاكرة: 

إحدى مزايا الروائح، التي يُهتمُّ بإبرازها ووصفها في الأدبيات العلمية الشعبية، كذلك، في النثر والكتابات الخيالية، هي: 

 إيقاظ الذكريات في نفس الفرد حول أماكن وأشخاص آخرين وحالات مزاجية وإنفعالات حسيّة مُرافقة. 

بالتحديد، ضمن هذا الإطار، تكتسب الرائحة "قوتها وسحرها"، ويُشار لهذا الأمر، ويجري توصيفه، فيما يُنشَر من مواضيع حوله: 

 ففي الغالب، يبدو بالنسبة للفرد كرمز فرديّ خالص وأنه هو وحده، الذي ترتبط ذاكرته بالروائح، قادر على تفسيرها وفهم معانيها (بعد) التعرُّض لها وإختبارها. 

على سبيل المثال، من المؤكد بأنّ روائح معينة مُثيرة للذكريات وللإنفعالات الحسيّة ومشاعر المتعة أو الإنزعاج لدى الفرد، لكن، قد تختلف تقييمات وتقديرات الإدراكات الشميّة، بشكل مؤثر، من فرد لآخر1. 

بحسب كيلفين إ. ي. لو: 

تُستخدَمُ إطارات شميّة مرتبطة بالذاكرة لأجل تفسير قصص وروايات حسيّة متضمنة لعلاقات حسيّة (ذات صلة بالعائلة وسواها) وذاكرة حسيّة وزمان ومكان ومشاهد حسيّة2. 

وفقا لنتائج مسح خاصة بحاسة الشمّ: 

هناك دليل علمي على العلاقة بين الرائحة والذاكرة3. 

وفقا لجيبونز: 

 نعتقد أن حاسة البصر مهيمنة حياتياً لدينا، ولكن، كلما إقترب وقت وضع مائدة العشاء، كلما أدركت مدى إرتباط سعادتك الحقيقية بحاسة الشمّ والروائح. ترتبط حاسة شمّنا بجميع إنفعالاتنا الحسية4. 

يقدّم أنطوني ساينوت المزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع، قائلاً:

"إحدى روائحي المفضلة هي رائحة روث الأبقار. نعم! حيث تُعيدني بالذكريات إلى مزرعة عمتي جنوب أوهايو. لقد أمضيت العطل الأمتع خلال طفولتي هناك، وتثير أيّة رائحة ذات صلة بالمزرعة الذكريات الرائعة لديّ".

 

فكَّرَت هيلين كيلر بذات الأمر: 

 "تتمتع حاسة الشمّ بقدرة كبيرة تنقلنا عبر مسافات هائلة طوال جميع الأعوام التي عشناها. تحملني رائحة الفاكهة إلى بيتي الجنوبيّ وإلى لعبي في بستان الدرّاق أثناء طفولتي. فيما تساهم روائح أخرى، لحظية سريعة الزوال، بملء قلبي بالفرح أو بالحزن مع بعض ذكريات الألم". 

 في روايته "صورة الفنان في شبابه" يتذكر جيمس جويس، بدور ستيفين ديدالوس، أيام طفولته وذهابه للمدرسة كسلسلة متوالية من الروائح: 

رائحة "غريبة" على غطاء سريره؛ رائحة أمه، "التي بدت أفضل من رائحة أبيه"؛ وقد أعجبته رائحة "حذاء والدته" لدى تعريضه لحرارة الموقد بغية تخليصه من الرطوبة. في المدرسة، "بدت رائحة روش السيء مقززة"؛ وتذكر "رائحة البرد في المصلى مساءاً. لكن، هي رائحة مقدسة. لم تكن كرائحة القرويين المسنين الراكعين في صفوف الصلاة الأخيرة أيام الأحد. بدت تلك كروائح الهواء والمطر والرعاع والسراويل القصيرة. بالنهاية، هم قرويون أتقياء كثيراً". 

كذلك، يُشيرُ إلى "رائحة البخور الحامضة الضعيفة"، رائحة نبيذ القدّاس، التي جعلته يشعر "بشيء من المرض"، "رائحة شعائرية وغريبة مثل رائحة جلد الكراسي المُهتريء"؛ في غرفة المدير، هناك رائحة مياه راكدة، حيث "أحسَّ برائحة المساء في الهواء، رائحة حقول قد إقتلع الصغار اللفت منها وهي ذات الرائحة التي صدرت عن البستان الصغير".

 

تذكَّرَ جورج أورويل أيام دراسته وفق مصطلحات شميّة أيضاً: 

 "آثار لشيء بارد وكريه الرائحة – هو مزيج روائح الجوارب المتعرقة والمناشف القذرة والبراز الطافية في الممرات إضافة لروائح الطعام المتبقي على الشوكة، سيما بقايا اللحوم، وتللك الصادرة عن حساء لحم الضأن". 

بالتالي، فإن الرائحة والذاكرة والمعنى مرتبطان إرتباطًا وثيقًا، ويصلان إلى أعماق حيواتنا الشخصية طوال اليوم وكل يوم5. 

بحسب الدكتور جيمس هايز: 

لدينا أيضًا ذكريات حاسة الشم، التي عادةً ما تشكل الذكريات الأولى التي نكوّنها، بالإضافة إلى كونها الأطول عمراً؛ على سبيل المثال، قد تذكرك روائح معينة بطفولتك6. 

أخيراً، تُعتبر حاسة الشمّ، إعتباراً من وجهة نظر تطورية، هي حاستنا الأقدم. حاسة دقيقة وسريعة وقويّة وتنطبع في الذاكرة، لهذا السبب بالذات، تُلاقي العطور النجاح وسرّه هو الإستعمال المتكرر لنوع العطر، إلى ان يتحول إلى طابع شخصيّ غير قابل للتجيير ويحدد هويتنا7. 

روائح، ذكريات والكينونة الشخصية

في حقلي علم وظائف الأعضاء وعلم النفس، حاول باحثون دراسة العلاقة بين الروائح والذكريات (على سبيل المثال، أغليتون وواسكيت خلال العام 1999؛ كان وروس، العام 1989؛ هيرتز وآخرون، العام 2004؛ روبين وآخرون، العام 1984). 

ترى الأغلبية بأن الروائح هي إشارات فعَّالة في إحياء ذاكرة الفرد، وتلفت الإنتباه إلى الظاهرة البروستية (نسبة للروائي الفرنسي بروست)، إلى حادثة شهيرة عبر بروست من خلالها شعرياً عن طفولته وعن عمته، بعد غمسه لقطعة من البسكويت في فنجان الشاي: 

غمر الابتهاج حواسي، شيء قد انعزل، قد تحرر، دون تلميح إلى مصدره. وفجأة كشفت الذاكرة أصله وفصله. هي الرائحة الصادرة عن قطعة الحلوى الصغيرة، التي كنت أتناولها صباحات الأحد في كومبراي، عندما كنت أذهب لأقول صباح الخير لعمتي ليون في غرفتها والتي اعتادت على إعطائي قطعة حلوى مغموسة في فنجان الشاي أو الزهورات الذي تتناوله هي. 

يواصل توضيح القدرة الاستحضارية الناتجة عن دمج حاستي الشم والذوق والتي تبدو للعيان كذكريات معاشة: 

لكن، عندما لا يستمر شيء من الماضي البعيد، بعد أن تموت الناس، بعد أن تتكسر وتتناثر الأشياء، تحافظ حاستا الذوق والشم، الأضعف لكنها الأكثر صموداً، اللامادية بصورة أكبر والدائمة أكثر والباقية على العهد، على تواجدها خلال زمن طويل، كالأرواح والذكرى والإنتظار والأمل وسط خراب باقي الأشياء؛ تشق طريقها دون تردد، تُقيم في قطرة بالغة الصغر بجوهرها، وربما غير قابلة للملاحظة أحياناً، بنية الذاكرة الفسيحة8.

كذلك، ترتبط حاسة الشم، على نحو وثيق، بالذاكرة وبالانفعالات الحسيّة لأنّ الجهاز الشمي يتصل مباشرة بالجهاز النطاقي المسؤول عن التحكُّم بالذكريات والانفعالات. إحدى المزايا الخاصة بالرائحة هي حاجتها لوقت أطول لإدراكها مقارنة بمحفزات حسية أخرى. مع ذلك، يبقى أثر الرائحة لزمن أطول أيضاً. يمكن فهم ذاكرة الرائحة وفق أحد أمرين، كذاكرة للروائح أو كذكريات مُستحضرة للروائح. تُشير ذاكرة الروائح إلى القدرة البشرية على تذكُّر مختلف الروائح. في المقلب الآخر، تبدو ذكريات استحضار الراوائح عبارة عن ذكريات مُشفَّرَة بواسطة الروائح. تكون هذه الذكريات إنفعالية بقوّة وغريبة وتأخذنا إلى طفولتنا الباكرة في الغالب، وهي الفترة التي بُنيَت خلالها على الأرجح. بالإضافة إلى هذا، تستدعي الروائح ذكريات سيرة ذاتية، على نحو خاص، أكثر من إشارات حسيّة أخرى. عملياً، تكتسب الذاكرة المشفرة بواسطة الروائح القوّة بمرور الوقت. بأخذ تلك العوامل بعين الاعتبار، ليس مُفاجئاً إعتبار أن الذكريات المشفرة بواسطة الرائحة هي الأقوى بين جميع الذكريات9 

يتبع

المصادر

1. Die soziale Konstruktion olfaktorischer Wahrnehmung. Eine Soziologie des Geruchs. Dissertation zur Erlangung des akademischen Grades des Doktors der Sozialwissenschaften an der Universität Konstanz. Vorgelegt von Jürgen Raab im September 1998

2. Kelvin E. Y. Low, Olfactive frames of remembering: theorizing self, senses and society. The Sociological Review, Vol. 61, 688–708. 2013

3. Gilbert, Avery N., and Charles J. Wysocki 1987 ‘The Smell Survey Results.’ National Geographic, 172(4): 514-25

4. Gibbons, Boyd 1986 ‘The Intimate Sense of Smell.’ National Geographic, 170(3): 327


5. A sociology of smell, Anthony Synnott. The Canadian Review of Sociology and Anthropology, vol. 28, nº 4, in November 1991


6. https://www.unsw.edu.au/newsroom/news/2020/06/Why-one-persons-sweet-scent-is-anothers-foul-odour

7. Afrodita, Isabel Allende

8.  Kelvin E. Y. Low, Olfactive frames of remembering: theorizing self, senses and society. The Sociological Review, Vol. 61, 688–708. 2013 

9. The Hidden Power of Odors, Studying scents in the academic marketing literature, Bachelor’s thesis in Marketing Aalto University School of Business, Vivi Kiukkanen, December 2017 

للإطلاع على مواضيع أخرى ذات صلة

 (1) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(2) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(3) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(4) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(5) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(6) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(7) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(8) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(9) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(10) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(11) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(12) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(13) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(14) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(15) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(16) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(18) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(19) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(20) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(21) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(22) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(23) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(24) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(25) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(26) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

No comments:

Post a Comment