في هذا الجزء، سيجري الحديث حول العلاقة بين الجندر أو الجنس والروائح، أي دور حاسة الشمّ بالتقسيم أو التمايز الجنسيّ الجندريّ.
رغم حضور رأي يقول بأن القدرات الشمية لدى النساء متفوقة على قدرات الرجال الشميّة، إلا أنّ دراسات، قد شملت عينات كبيرة، تشير إلى أن القدرات الشمية لدى الذكور والإناث متشابهة في الواقع. واستنادًا إلى رائحة الجسم، يمكن للبشر تقييم بعض السمات الشخصية لدى الآخرين، وتتفاعل رائحة الجسم اللطيفة مع المعلومات الوراثية المهمة في إختيار الشريك. وبشكل عام، تعتبر المعالجة الشمية مهمة في العديد من جوانب الحياة البشرية، ومن المهم إستكشاف الخصائص الفردية التي تؤثر على القدرات الشمية1.
بحسب أنطوني ساينوت:
يستمتع بعض الرجال بروائح النساء. على ما يبدو، تصدر رائحة زكيّة ومريحة عن الأمهات، بحسب غونتر غراس في روايته "طبل الصفيح"؛ وللعذارى رائحة عذبة، بحسب التقليد الفرنسي وكما كتب الفرنسي كوربين العام 1846:
"الرائحة اللطيفة الصادرة عن هذه العذراء أطيب وأفضل من روائح جميع عطور شبه الجزيرة العربية".
لكن، هناك جانب آخر لهذا الخطاب الذكري.
يُعتبر هنري ميلر أول من أدخل الرائحة المهبلية إلى الخطاب العام، في روايته "مدار السرطان".
لكن، وفق أيّة مصطلحات؟
ما الذي رغب بقوله؟
تُجيب كيت ميلر بأسلوبها المباشر:
"هو الواقع، الذي يحاول ميلر إقناعنا به، تصدر رائحة نتنة عن الفرج او المهبل، كما يقول كورلي، والمهبل هو جنس. أما فيما يخص التشريح الذكري، تبدو الأشياء مختلفة جداً لأنّ "القضيب" يعكس القوة أو السلطة".
يُعبِّرُ إستقطاب ميلر الأنثوي والذكري، النتانة والسلطة، الفرج والقضيب:
عن عنصر واضح في إضطهاده للمرأة.
قالت كاثرين موراي ميليت حول هذا الامر، التالي:
"ما عبَّرَ ميلر عنه هو القرف والإنتقاص والعداء والعنف والقذارة التي تغلف بها ثقافتنا، أو الحساسية الذكرية بالتحديد، الجنسانية والنساء، لأنّ عبء الجنسانية الثقيل يقع على عاتقهن بصورة أو بأخرى"2.
بحسب فيديريكو كوكسو:
بدأت الروائح، التي جرى إستخدامها لتكريس تمايزاً طبقيّاً، في التحوُّل إلى
محددات للفوارق الجندرية أي الفوارق بين الجنسين الأنثوي والذكريّ. فحتى أواخر القرن
الثامن عشر، لم تكن هناك عطور نسائية ولا عطور رجالية. على سبيل المثال، اعترف
الملك جورج الرابع ملك إنجلترا، ذات مرة، أنه اكتشف رائحته المفضلة، عندما شمّ
رائحة طوق معطر لأميرة أثناء رقصه معها. لم يتم تأنيث العطور إلا خلال أوائل القرن
التاسع عشر: فقد بدا متوقعاً أن تفوح من النساء رائحة الورود الجورية والأزهار؛
فيما تصدر رائحة التبغ وعطر ما بعد الحلاقة عن الرجال. وتم استنكار أي تجاوز لهذا
المعيار الجديد بإعتباره تخنثاً وإفساداً.
ارتبطت
الرؤية (حاسة البصر) بالرجال تعسفياً، فقد هيمن المستكشفون والعلماء والسياسيون
والصناعيون على العالم من خلال نظراتهم الثاقبة. ومن ناحية أخرى، تهمشت حاسة الشم
بإعتبارها حاسة الحدس والإحساس والإغواء، وكلها صفات قد ارتبطت بالنساء. تعلق
الأمر بالخرائط والمجاهر والمال من ناحية، وبالمواد الجافة والمساحيق المعطرة
والعطور من ناحية أخرى3.
على
مستوى الروائح المُقيَّمة إيجابياً، جرى تخصيص قسم للبحث النفسيّ حولها. على مستوى
العطور الجسدية، طوَّروا جداولاً تسمح لكل ذكر أو أنثى بالعثور على العطر المناسب
له(ا). فلا يجب أن تُثير العطور الإعجاب فقط، بل يجب أن تتناسب مع الذكر ومع
الأنثى. فمن جانب، يستخدم مُصنِّعو العطور هذه المساعدة التصنيفية بتجارة المنتجات؛
من الجانب الآخر، يستخدمها التجّار بعملية تأهيل الموظفين. من ناحية أخرى، يجري
عرضها في وسائل الإعلام الشعبية، بغاية تسهيل الإختيار على الجمهور المهتم، بناءاً
على معايير نفسيّة. علاوة عليه، إنطلاقاً من وجهة نظر علمية، هناك سؤال مرتبط
بعملية الإختيار:
إن
تتصف بالعشوائية أو يحدث وفق نموذج قابل للتوصيف ويمكن التنبُّؤ به؟.
الأثر المرغوب ضمن الإثارة الجنسية هو عرض الجاذبية
الجنسية أو حتى تحفيز الشريك(ة) جنسياً من خلال العطر. كذلك، في هذا الصدد، حلَّت
العطور الصناعية – بمزاياها "السحرية" – محل الروائح الطبيعية على مستوى
الوظيفة، لأنها بخلاف تلك الأخيرة، مقبولة إجتماعياً ويمكن إستعمالها والتحكُّم
بها بصورة إنتقائية، وبالتالي، هي إستراتيجية4.
في نطاق التسويق
التجاريّ، قد يتوقف أثر الرائحة على المُستهلِك بناءاً على الفروقات الفردية مثل
الجندر أو الجنس والعمر. فقد أخذ بعض الباحثين هذا الأمر في عين الإعتبار. ففي
الواقع، استخدمت بعض الأبحاث أهداف أنثوية فقط للتحكُّم في الأثر الناجم عن الجندر
أو الجنس5.
يتبع
المصادر
1.https://www.frontiersin.org/journals/psychology/articles/10.3389/fpsyg.2019.00242/full
2. A sociology of smell, Anthony Synnott. The Canadian Review of Sociology and Anthropology, vol. 28, nº 4, in November 1991
3. Federico Kukso, Odorama; Historia cultural del olor. Taurus. 2019
4. Die soziale Konstruktion olfaktorischer Wahrnehmung. Eine Soziologie des Geruchs. Dissertation zur Erlangung des akademischen Grades des Doktors der Sozialwissenschaften an der Universität Konstanz. Vorgelegt von Jürgen Raab im September 1998
5. The Hidden Power of Odors, Studying scents in the academic marketing literature, Bachelor’s thesis in Marketing, Aalto University School of Business, Vivi Kiukkanen, 2017
للإطلاع على مواضيع أخرى ذات صلة
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (1) تعريف علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (2) عدم الإهتمام بهذا العلم
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (3) أهمية الروائح
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (4) آراء أخصائيين بعلم الإنسان بهذا الموضوع
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (6) دور الروائح في النفور والإنجذاب
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (7) تفادي الروائح الكريهة
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (8) رائحة الأزهار وهويّة شميّة
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (9) إدارة الإنطباع الحسي
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (10) إدارة الإنطباع الحسي متابعة
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (11) متابعة الحديث حول الإنطباع الحسي
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (12) نهاية الحديث حول الإنطباع الحسي
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (13) مناهضة الحواس، سيما حاسة الشمّ
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (14) مواقف فلاسفة وأخصائيين إجتماعيين من الموضوع
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (15) مواقف قديمة داعمة للموضوع
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (16) معاني وتصنيفات الروائح
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (17) العلاقة بين الشمّ والروائح والذاكرة
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (18) كيفية بناء التقييم الشميّ
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (19) حاسة الشمّ والأغذية والتذوُّق
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (20) الرمزية الشميّة
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (21) تاريخ وسياسة حاسة الشمّ
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (22) الشمّ والروائح والتقسيم الطبقيّ
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (24) الروائح والعنصرية
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (25) عوالم حسيّة مختلفة
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (26) الروائح والشمّ في الطبّ
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (27) أهمية بحث علم الإجتماع للروائح
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (28) الروائح والهويّة وخسارة القدرة على الشمّ
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (29) رائحة الفم (النَفَسْ) الكريهة
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (30) رائحة الأقدام الكريهة
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (31) جورج زيميل وحاسة الشمّ
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (32) روائح المدن
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (33) العلاقة بين حاسة الشم والروائح واللغات
علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (34) الروائح في العمل التجاري
No comments:
Post a Comment