Tuesday, October 7, 2025

Sociology of smell and Odours (36) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

تحدثنا في جزء سابق حول روائح المدن بالعموم، أما في هذا الجزء، فسيجري الحديث حول الروائح البيئية، التي ستتجلى فيما سيلي من أفكار. 

تُعد بيئات الروائح في البلدات والمدن مهمة للغاية وتتحد مع المعلومات الحسية الأخرى للتأثير، بشكل مباشر، على تجارب الناس اليومية في الحياة الحضرية وعلى تصوراتهم للأماكن والشوارع والأحياء المختلفة.

ومع ذلك، عندما أذكر للناس أنني أجري بحثاً عن الرائحة في المدن، فإنهم دائماً ما يرفعون حواجبهم بنوع من الإستغراب والعجب، ويتساءلون عن سبب أهمية النظر في دور الرائحة في البيئات الحضرية.

ويشير البعض إلى أننا سنصبح بحال أفضل، إذا لم نتمكن من شمّ رائحة التلوث أو النفايات أو دخان السجائر المرتبط بالحياة الحضرية في كثير من الأحيان.

رغم أن هذه التعليقات قد أدهشتني، بدايةً، إلا أنني أُقدِّرُ، الآن، أنها مترسخة في إنشغال المجتمع بالطريقة التي تبدو عليها الأشياء (الأشخاص والبيئات والأشياء)، وبدرجة أقل، بالطريقة التي تصدر عنها.

 كما أنني أدرك، الآن، أن هذه التعليقات متأثرة ببعض المزايا الخاصة بحاسة الشم1.

يمكن أن تأتي الروائح البيئية من مصادر عديدة، مثل: 

    الحيوانات: عمليات تغذية الحيوانات الموجودة في الزرائب

    الزراعة: السماد الطبيعي والأسمدة الكيميائية أو مبيدات الآفات

    الأنشطة البشرية: السماد العضوي ومياه الصرف الصحي والقمامة والحرائق ومواد التنظيف المنزلية

    الصناعة: مصافي النفط، مدافن النفايات، مصانع الورق، محطات معالجة مياه الصرف الصحي

    الطبيعة: التربة الرطبة، الحدائق، الحرائق

    المركبات: عوادم العربات المتنوعة2 

قد لا تشكل تلك الرائحة، بحد ذاتها، خطراً على الصحة. ومع ذلك، فإن المادة التي تصدر عنها هي ذات مخاطر صحية أو لا.  لذا، يعتمد تقييم المخاطر الصحية على مصدر تلك الرائحة. قد تمتلك الرائحة تأثيرات عصبية على المشاعر والذاكرة. يمكن أن يسبب التعرض للروائح الكريهة ظهور الإجهاد و / أو إنخفاض جودة الحياة. قد تمتلك المادة، التي هي مصدر الرائحة، بحد ذاتها، آثار صحية تبعاً لخصائصها السمية3. 

قد تتصدَّر أخبار المدن "المُصدرة لروائح كريهة أكثر" عناوين الصحف والمجلات، لكن، يبدو الواقع أكثر خطورة. فلا تقتصر مهمة السلطات المحلية على إنفاذ القوانين، بل عليها حماية المواطنين من الآثار الواقعية المحتملة على صحتهم جرّاء التعرُّض للروائح البيئية الكريهة. ففي الغالب، يتوجب على المجالس المحلية والمناطقية التحقيق في الشكاوى المرفوعة حول مواقع مكبات النفايات والزرائب والمداجن والمصانع والمطاعم وسواها، حيث تؤثر الروائح الكريهة الصادرة عنها سلباً على الراحة والنوم وتزيد من التوتُّر، وهو ما يؤثر على حيوات المواطنين سلباً حتى عندما تبدو مستويات التلوُّث دنيا من الناحية التقنية.

تحتاج متابعة تلك الشكاوى إجراء تحقيقات وجمع أدلة والتواصل مع الشركات والمؤسسات المتنوعة، أي هناك حاجة للوقت وللخبرة. تتأسس الصحّة البيئيّة على الوقاية ودرء المخاطر وحماية المواطنين بمنحهم الثقة في أنّ بيئتهم آمنة وصالحة للعيش المُريح4. 

الفئات السكانية الحسّاسة 

لا يتفاعل الجميع مع الروائح البيئية بذات الطريقة. ففي العموم، يُعتبر الذكور والإناث اليافعون أكثر حساسية للروائح البيئية. 

على سبيل المثال، يبدو غير المدخنين، عادةً، أكثر حساسية لدى تعرضهم للروائح البيئية مقارنة بالمدخنين.

لدى المعاناة من الإكتئاب واضطرابات القلق أو الصداع النصفي والحساسية والربو وأمراض الرئة المزمنة الأخرى: 

 فسيظهر الإحساس بتفاقم هذه الحالات عند شم روائح كريهة بيئية خلال مدى زمني طويل. 

الأعراض الشائعة 

قد يؤدي التعرُّض للروائح البيئية الكريهة، في بعض الأحيان، إلى ظهور أعراض جسدية معينة، تتجلى تلك الأعراض، عادةً، عندما تصل تلك الروائح البيئية إلى "مستويات مُهيِّجة".

 رغم هذا، قد تظهر تلك الأعراض، أحياناً، حتى عندما يقلّ مستوى إزعاج تلك الروائح البيئية الكريهة  أو تقلّ قدرتها على التهييج.

أكثر الأعراض الناتجة عن التعرُّض للروائح البيئية الكريهة، هي: 

 الصداع والغثيان. 

بالإضافة إلى أعراض ومشاكل صحية أخرى، من قبيل: 

 الدوخة ودموع العينين وانسداد الأنف وتهيج الحلق والسعال أو الصفير، سيما لدى المعاناة من الحساسية والربو ومشاكل الرئة المزمنة الأخرى، كذلك، تظهر مشاكل النوم بسبب تهيج الحلق والسعال5. 

تُعتبر الروائح الكريهة البيئية نتيجة حتمية لنشاطات إقتصادية متنوعة لا يمكن الإستغناء عنها، رغم هذا، وبالتدقيق بما جرى عرضه أعلاه من معلومات حول مخاطر صحيّة واقعية نتيجة للتعرُّض لتلك الروائح البيئية الكريهة أو المزعجة، يجب على الشركات والمصانع والمزارع القيام بأعمال إستباقية وإتخاذ إجراءات وتدابير متنوعة لتفادي إزعاج الجيران والإسهام بالإساءة لنوعية وجودة حيواتهم، بالتالي، عوضاً عن نشوء الخلافات والنزاعات المتنوعة، تنشأ علاقات وديّة وهو الأفضل للجميع بالنتيجة6. 

إعتباراً من الآن، تمكن قراءة حالة التطوُّر الثقافي والحضاري لمجتمع و"مستواه الثقافي" من خلال قدراته وتقنياته على الإنتاج المضبوط وتفادي وفصل الروائح الكريهة، أي إعتباراً من إمكاناته في التلاعب "بالحالة الطبيعية" الشميّة. هكذا، تتحول معرفة إنتاج الروائح المحببة اللطيفة وتفادي تلك الكريهة المُزعجة، بالإضافة إلى تنظيم وإزالة الروائح الكريهة والتمايز المرتبط بقواعد السلوك، إلى تعبير عن عملية سيرورة الحضارة، التي يصفها نوربرت إلياس، بقوله: 

"إعادة ضبط حضارية لكل ما هو شمّي، والذي لا يُشير إلى الجسد البشريّ، فقط، بل سرعان ما يصل للمجال الحيوي الخاص الفردي وللنطاق العام (المؤسسات العامة ومناطق السكن والمدينة، بالعموم، وصولاً إلى "البيئة المحيطة" بالنهاية)"7.

يتبع

المصادر 

1. Urban Smellscapes, Understanding and designing city smell environments. Victoria Henshaw. Routledge is an imprint of the Taylor & Francis Group, an informa business. © 2014 Taylor & Francis

2. Environmental Odors

https://www.atsdr.cdc.gov/odors/about/index.html

3. Odour: Environment and Public Health

https://www.hpsc.ie/a-z/environmentandhealth/odour/

4. World Environmental Health Day 2025 - The Hidden Power of Bad Odours: How smell shapes our health

Friday, 26 September 2025, Ian Andrews, CIEH Head of Environmental Health

https://www.cieh.org/news/blog/2025/world-environmental-health-day-2025-the-hidden-power-of-bad-odours-how-smell-shapes-our-health/

5. Are Environmental Odors Toxic? For more information about environmental odors, please contact the Agency for Toxic Substances

and Disease Registry (ATSDR) at 1-800-CDC-INFO (236-4636) or visit the environmental odors website: www.atsdr.cdc.gov/odors

https://www.atsdr.cdc.gov/media/pdfs/2024/11/Are_Environmental_Odors_Toxic_508.pdf

6. Guidance for Industries - Odour Management Plan (OMP) - D-Noses

https://odourobservatory.org/wp-content/uploads/sites/2/2021/04/Odour-Management-Plan.pdf

7. Die soziale Konstruktion olfaktorischer Wahrnehmung. Eine Soziologie des Geruchs. Dissertation zur Erlangung des akademischen Grades des Doktors der Sozialwissenschaften an der Universität Konstanz. Vorgelegt von Jürgen Raab im September 1998

Elias, Norbert: Über den Prozeß der Zivilisation. Soziogenetische und psychogenetische Untersuchungen. 2 Bände. Suhrkamp, Frankfurt am Main: 1976

  للإطلاع على مواضيع أخرى ذات صلة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (1) تعريف علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (2) عدم الإهتمام بهذا العلم

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (3) أهمية الروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (4) آراء أخصائيين بعلم الإنسان بهذا الموضوع

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (6) دور الروائح في النفور والإنجذاب

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (7) تفادي الروائح الكريهة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (8) رائحة الأزهار وهويّة شميّة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (9) إدارة الإنطباع الحسي

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (10) إدارة الإنطباع الحسي متابعة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (11) متابعة الحديث حول الإنطباع الحسي

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (12) نهاية الحديث حول الإنطباع الحسي

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (13) مناهضة الحواس، سيما حاسة الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (14) مواقف فلاسفة وأخصائيين إجتماعيين من الموضوع

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (15) مواقف قديمة داعمة للموضوع

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (16) معاني وتصنيفات الروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (17) العلاقة بين الشمّ والروائح والذاكرة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (18) كيفية بناء التقييم الشميّ 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (19) حاسة الشمّ والأغذية والتذوُّق

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (20) الرمزية الشميّة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (21) تاريخ وسياسة حاسة الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (22) الشمّ والروائح والتقسيم الطبقيّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (23) حاسة الشمّ والروائح والتقسيم الجندريّ الجنسيّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (24) الروائح والعنصرية

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (25) عوالم حسيّة مختلفة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (26) الروائح والشمّ في الطبّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (27) أهمية بحث علم الإجتماع للروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (28) الروائح والهويّة وخسارة القدرة على الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (29) رائحة الفم (النَفَسْ) الكريهة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (30) رائحة الأقدام الكريهة 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (31) جورج زيميل وحاسة الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (32) روائح المدن

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (33) العلاقة بين حاسة الشم والروائح واللغات 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (34) الروائح في العمل التجاري 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (35) الأديان الإبراهيمية والروائح والشمّ

No comments: