2025/12/29

Sociology of smell and Odours (45) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح


 في هذا الجزء، سيتركَّز الحديث حول دور حاسة الشمّ والروائح في الحياة الجنسيّة 

تشير العلاقة البارزة بين الروائح والشمّ والعمليّة الجنسيّة، خلال مختلف الحقب التاريخية والثقافات، إلى مستوى عالٍ من الأهمية التطورية.

فقد أشار فرويد إلى أن الروائح ما هي إلّا محفزات قوية للأحاسيس الجنسية، لهذا، يًعتبر كبح تلك الأحاسيس المبنية على الرائحة ضرورة حضارية. ويؤكد علم التشريح على الصلة بين الروائح والجنس:

 فالمنطقة التي نختبر من خلالها الروائح، وهي الفص الشمي، هي جزء من الجهاز الحوافي، أي المنطقة الدماغية المسؤولة عن الإنفعالات الحسيّة، وهي المنطقة التي تُستمد منها الأفكار والرغبات الجنسية.

 يقترح بريل (1932) أن الناس تُقبِّل بعضها البعض لتقريب الأنوف، حتى يتمكنوا من شم رائحة بعضهم البعض (قبلة الإسكيمو).

 أو ربما يُقبِّلون ليجعلوا أفواههم قريبة من بعضها البعض حتى يتمكنوا من تذوق بعضهم البعض، لأن معظم ما نسميه تذوقاً يعتمد على حاسة الشم أساساً1. 

تاريخيًا، اعتُبر بعض الروائح منشطاً جنسياً، وهو موضوع فيه الكثير من العادات الشعبية والعلوم الزائفة. ففي البقايا البركانية لمدينة بومبي، حُفِظت جرار العطور في الغرف المخصصة للعلاقات الجنسية. كذلك، إستحمَّ المصريون القدماء بالزيوت العطرية استعداداً للمواعدة الغرامية، فيما أغوى السومريون نساءهم بالعطور. كما تم التأكيد على العلاقة بين الرائحة والإنجذاب الجنسي في الطقوس الصينية التقليدية، واستخدمت جميع الثقافات، تقريباً، العطور في طقوس الزواج.

وفي الأساطير، ترمز بتلات الورد الجوريّ إلى الرائحة الفوّاحة المحببة، وتصف كلمة deflowering الإنكليزية "فض البكارة" أي الفعل الأولي للجنس، علماً أنّ معنى الكلمة الأصليّ هو نزع الأزهار عن النبات.

يزخر الأدب القصصي بإشارات ماكرة إلى حجم الأنف كرمز للحجم القضيبي، كما في مسرحية الأديب الفرنسيّ سيرانو دي برجيراك الشهيرة. وقد استفاد التحليل النفسي كثيراً من هذه الإرتباطات.

 فقد وصف الأخصائي الألماني النفساني فليس فهمه للأنف القضيبي كوجود صلة ضمنية بين الأنف والقضيب. كذلك، يربط علم النفس اليوناني بين الروائح والجنس2. 

بحسب إيوان بلوخ: 

ومن المحتمل جداً أن هذا الإعتقاد الشائع، الذي يعتبر بأن الأنف الكبير هو إشارة إلى أشخاص عاطفيين أو شهوانيين، يستند إلى فكرة مفادها أنّ قدرة هذا الأنف على الشم أكبر، وبالتالي، حامل هذا العضو هو أكثر إثارة جنسية من غيره من الناس3. 

كذلك، تلعب الرائحة دوراً لا يحظى بالتقدير الكافي على مستوى الإنجذاب الجنسي، وهو ما يساعد على تفسير سبب عدم قدرة الجاذبية البصرية وحدها على تفسير مدى جاذبية الشخص جسدياً4.

العلاقة بين حاسة الشم والرغبة الجنسية 

ترتبط حاسة الشم إرتباطاً وثيقاً بالحياة الجنسية، وبالتالي، فهي تخضع للكبت وأشكال أخرى من التعديل من قبل الأنا5. 

أقرَّ أبقراط بوجود علاقة بين التطور الجنسي وحاسة الشم، فقد لاحظ أن الروائح الجنسية لا تصل إلى جودتها الكبيرة قبل الوصول إلى سن البلوغ. أُشيرَ إلى الرائحة كمحفز جنسي قوي في العديد من الأعمال الأدبية، بما في ذلك أعمال شيلي وبودلير وزولا وشكسبير6. 

وفقاً لجوهانا بينداس وتوماس هوميل وإيلونا كروي، وهم فريق من أطباء الأنف والأذن والحنجرة من دريسدن، فإن أقل من 1 في المئة من الأشخاص، الذين يعانون من ضعف حاسة الشم، يشعرون بالقلق من تأثيرات هذه الحالة على حيواتهم الجنسية. 

إذاً، هل حاسة الشم غير ضرورية لحياة جنسية مُرضية، أم أن الأشخاص الذين يعانون من ضعف حاسة الشم، لا يعرفون أهمية ما ينقصهم؟ 

تظهر النتائج، التي توصل إليها بنداس، أن الرائحة عبارة عن أمر أساسي لتجاربنا الجنسية.

ففي الواقع، قد تبدو الحياة الجنسية المُرضية، ببساطة، هي مجرد إتباع للأنف7. 

بحسب إيزابيل الليندي: 

كما أن رائحة الجسد مثيرة جنسياً، كذلك، هي رائحة الطعام الطازج والمُحضَّر جيداً. لا تساهم عطور المطبخ الفاخر بأن يسيل لعابنا فقط، بل تخلق رغبة قويّة لدينا، إن لم تكن شهوانية، فهي قريبة جدًا منها. أغمض عينيك وحاول أن تتذكر الرائحة النفاذة لقلي زيت الزيتون، حيث يُقلى البصل الطري، وفصوص الثوم النبيلة، والفلفل الرزين والبندورة الناعمة. الآن، تخيل كيف تتغير تلك الرائحة، إثر إضافة ثلاثة خيوط من الزعفران ثم السمك الطازج المنقوع في الأعشاب، وأخيراً رشّة من النبيذ وعصير ليمونة. تبدو النتيجة محفزة او مثيرة كأكثر الروائح المثيرة للإنفعالات الحسيّة، بل أكثر بألف مرّة من أي عطر. في بعض الأحيان، عندما أستحضر رائحة طبق لذيذ، فإن الحنين واللذّة يدفعاني إلى البكاء8. 

وتندمج الروائح بالقبلات العشقيّة في هذا المقطع الشعريّ: 

" من وقتها، الأرض والشمس والثلج

هطول الامطار التشرينيّة على الطرقات

كل شيء، الضوء، الماء

قد ترك في ذاكرتي

رائحةً

صادرةً عن الخوخ الفوّاح:

إنها الحياة

بيضاوية في كوب

بصفائها وظلالها

ونضارتها.

يا قبلة فمويّة!

مُفعمة برائحة هذه الفاكهة الرائعة

تنطبع الأسنان والشفاه

 برائحة العنبر العطرة

الصادرة عن مضغ الخوخ المندمج بالقبلات!".

- مقتطف من قصيدة إلى الخوخ، بقلم بابلو نيرودا9

أخيراً، في الكثير من الأحيان، لا نعي بأننا نستخدم حاسة الشم لدينا بغية اتخاذ قرارات، بينها قرار عاطفيّ عشقيّ. 

"عندما تُقبِّلُ شخصاً ما، فإنك تشمّ رائحته وتشم جسده وتشم عملية التمثيل الغذائي لديه، لأنها تخرج من رئتيه عندما تقبله؛ تشم أنفاسه، تشم حالته المرضية — إذا كان مريضاً، فسوف تُدرك ذلك عبر حاسة الشمّ". 

 نحن نستخدم كل هذه المعلومات — بوعي أو بغير وعي — عند اختيار شريك(ة) الحياة10.

 يتبع 

المصادر

1. Hirsch, A., & Gruss, J. (1999). Human male sexual response to olfactory stimuli. Journal of Neurological and Orthopaedic Medicine and Surgery, 19, 14-19.

2. Hirsch, A., & Gruss, J. (1999). Human male sexual response to olfactory stimuli. Journal of Neurological and Orthopaedic Medicine and Surgery, 19, 14-19.

3. Dr. Iwan Bloch's. Odoratus Sexualis. Page: 25

4. Scientists Study the Effect of Smell on Sexual Arousal

https://www.technologynetworks.com/neuroscience/news/scientists-study-the-effect-of-smell-on-sexual-arousal-304538

5. January 1983. Olfaction and SexualityOlfaction and Sexuality. Michael Buxbaum, MDThomas Jefferson University

6. Ellis H: Studies in the Psychology of Sex, Volum e 1, Pa r t 3. New York, Random House, 1936.

7. Bendas, J., Hummel, T., & Croy, I. (in press). Olfactory function relates to sexual experience in adults. Archives of Sexual Behavior.

https://www.psychologytoday.com/intl/blog/attraction-evolved/201810/sexual-desire-and-odor

8. Aphrodite, Isabel Allende. Spanish version

9. Extract from Ode to the Plum, by Pablo Neruda

10. Let’s obliterate the myth that humans have a bad sense of smell. Humans have excellent olfaction and can smell more than a trillion odors. by Brian Resnick. Updated Nov 23, 2017

 للإطلاع على مواضيع أخرى ذات صلة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (1) تعريف علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (2) عدم الإهتمام بهذا العلم

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (3) أهمية الروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (4) آراء أخصائيين بعلم الإنسان بهذا الموضوع

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (6) دور الروائح في النفور والإنجذاب

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (7) تفادي الروائح الكريهة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (8) رائحة الأزهار وهويّة شميّة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (9) إدارة الإنطباع الحسي

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (10) إدارة الإنطباع الحسي متابعة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (11) متابعة الحديث حول الإنطباع الحسي

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (12) نهاية الحديث حول الإنطباع الحسي

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (13) مناهضة الحواس، سيما حاسة الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (14) مواقف فلاسفة وأخصائيين إجتماعيين من الموضوع

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (15) مواقف قديمة داعمة للموضوع

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (16) معاني وتصنيفات الروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (17) العلاقة بين الشمّ والروائح والذاكرة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (18) كيفية بناء التقييم الشميّ 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (19) حاسة الشمّ والأغذية والتذوُّق

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (20) الرمزية الشميّة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (21) تاريخ وسياسة حاسة الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (22) الشمّ والروائح والتقسيم الطبقيّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (23) حاسة الشمّ والروائح والتقسيم الجندريّ الجنسيّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (24) الروائح والعنصرية

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (25) عوالم حسيّة مختلفة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (26) الروائح والشمّ في الطبّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (27) أهمية بحث علم الإجتماع للروائح

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (28) الروائح والهويّة وخسارة القدرة على الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (29) رائحة الفم (النَفَسْ) الكريهة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (30) رائحة الأقدام الكريهة 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (31) جورج زيميل وحاسة الشمّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (32) روائح المدن

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (33) العلاقة بين حاسة الشم والروائح واللغات 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (34) الروائح في العمل التجاري 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (35) الأديان الإبراهيمية والروائح والشمّ 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (36) الروائح البيئيّة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (37) ضعف حاسة الشم لدى البشر؟!

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (38) مفهوم رائحة الأجنبيّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (39) الفنّ الشميّ أو الروائحيّ

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (40) الروائح الجسدية عموماً

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (41) رائحةُ الإبطين الكريهة

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (42) عملية الشم وعلاقتها بالتواصل في حياة البشر

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (43) رائحة الحيوانات المنوية والإفرازات المهبلية 

علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح (44) البخُّور

No comments: