Wednesday, July 30, 2025

Sociology of smell and Odours (24) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

 

الروائح والعنصرية 

”مشكلة“ رائحة الجسد هي مشكلة إجتماعية مرتبطة،  في أغلب الأحيان، بأنماط من السلوكيات العنصرية1. 

في روما القديمة، عبَّرَ ما يسمى بـ”رائحة الغرباء“ عن خوف الرومان من عالم مجهول خارج حدود الإمبراطورية الآخذة في التوسع. كتب سالفين دي مارسيليا، وهو مؤلف لاتيني مسيحي من القرن الخامس، التالي: 

”كلُّ ما له علاقة بالبرابرة، حتى رائحتهم، هو أمر مقيت وكريه بالنسبة للرومان“. 

قد لا يرجع ذلك فقط إلى حقيقة أن أفراد هذه القبائل لم تستحم أبدًا تقريبًا أو أنهم قد إرتدوا الفراء حتى خلال فصل الصيف، بل إلى  حضور عادة غريبة لديهم، قد تمثلت بإستخدام كميات كبيرة من المواد الدهنية الزنخة كمثبت للشعر، وهي رائحة قوية تؤرخ لنهاية واحدة من أكثر الإمبراطوريات روعة في التاريخ وبداية واحدة من أكثر الإمبراطوريات ظلاماً ووباءاً، لم تعرفها الإمبراطورية من قبل. 

الغزو الإسباني لأميركا: صدام حساسيات شميّة لا صدام حضارات 

"لا بد أنه شمَّ الرائحة النتنة المنبعثة من الخيول والجنود الإسبان، الذين لم يغسلوا ملابسهم ولم يستحموا منذ شهور. بكل تأكيد، لا بد أنه شعر برائحة الفم الكريهة المنبعثة من فم كورتيس (قائد جنود إسباني) خلال ثرثرته بلغة غير مفهومة بالنسبة له وترجمتها عشيقة الإسباني وجاريته "لا مالينش" من السكان الأزتيك الأصليين. لم يشكل الغزو صداماً بين الحضارات فحسب، بل كان صداماً بين الحساسيات الشمية أيضاً". 

"قبل وبعد الغداء والعشاء،  يغسلون أيديهم بالماء دوماً"، كتب كورتيس مندهشاً من سلوك أولئك السكان الأزتيك الأصليين، الذين إستقبلوهم ملوحين بالمباخر، التي إنبعثت  سحب الدخان ذات الرائحة القوية منها. بدت لفتة، لم تشرف الزائرين فحسب، بل طردت الرائحة الكريهة المنبعثة من الجنود الإسبان المسلحين المتسخين أيضاً. 

كان هؤلاء الرجال، الذين استضافهم قصر في المدينة، شهوداً كريهي الرائحة على عالم لم يعرفه الوجود الأوروبي سابقاً. لم يروا أحداً مثل الإمبراطور موكتيزوما. كان الحاكم، الذي كشف عنه الغازي برنال دياز ديل كاستيو، نحيفاً، لكن، قويَّ البنية ومتوسط الطول وذو لحية متناثرة طويلة، وبلغ عمره حوالي أربعين عاماً، وكان نظيفاً للغاية واعتاد أن يفعل شيئاً غير مألوف بالنسبة للأوروبيين: فقد إستحم يومياً فترة المساء. شكلت مآدبه متعة حسية حقيقية. فقد مرَّ أشهى الأطباق في أمريكا الوسطى عبر أنف الإمبراطور وعينيه: 

ثلاثمائة طبق من الأطباق العطرية المتقنة، بينها مطبوخ الدجاج والتدرج والبط والقواقع والجراد والأرانب البرية والأرانب وأفخاذ الضفادع الموضوعة على منقل طيني مع الفحم لإبقائها ساخنة. كما فاحت رائحة خبز الذرة من غرفة طعام  موكتيزوما. وفي نهاية الوجبة، وبينما نشط المغنون والراقصون والمهرجون والأقزام والحدباء الحديث بعد العشاء، دخَّن التبغ الممزوج بصمغ الصنوبر وشرب الشوكولاتة وإبتهج واضعاً بويقة من الزهور على أنفه رمزاً للنار وسلطانها، الذي لا يضاهى على وجه البسيطة. 

بالنسبة لأولئك السكان الأزتيك وسواهم من سكان أميركا الوسطى، إرتبطت الرائحة الكريهة بالخطيئة والخزي والعار. ربما هذا ما ساهم بتحطيم الوهم: خرج موكتيزوما محبطاً من لقائه مع كورتيس وحاشيته من الجنود كريهي الرائحة. لم يكونوا آلهة بيضاء. 

إضافة إلى قسوتهم، إضطر السكان الأصليين إلى تحمُّل بشاعة رائحة الوافدين الجُدد. 

 يُحكى بأنّ احد رجال الدين اليسوعيين، الذين وصلوا حاملين الصليب بيد وسكين مشحوذ باخرى، إرتدى ثوبه الكهنوتي طوال الوقت ولم يخلعه أبداً: سعى لتقريب السكان الأصليين إلى الله، لكن، إنتهى الأمر بنفورهم بسبب الرائحة الكريهة الصادرة عن كل سنتمتر مربع من جسده2. 

في جميع الثقافات، أدى الخوف من الآخر إلى ظهور أكثر أشكال التمييز الشمي تنوعًا. لم يُعفَ أي مجتمع من تشويه سمعة الأجنبي في عملية بناء هويته. فالآخرون، دائماً، هم الذين تفوح منهم رائحة كريهة. في القرن السادس عشر، كان أول ما لاحظه اليابانيون عن الأجانب هو رائحتهم الخانقة، التي تنبعث منها رائحة الجبن والحليب الفاسد، وهو ما يتذكره كتاب مثل شوساكو إندو جيداً. ومنذ ذلك الحين، استُخدم تعبير باتا كوساي (”رائحته كالزبدة“) أو جايجين كوساي (”رائحته كالأجنبي“) لوصف الشخص الذي تبدو تصرفاته أو عاداته غريبة وغير طبيعية بالنسبة لليابانيين. 

وكتناقض واضح، يترافق التقدير والتقييم لأشخاص محددين ولمجموعات معينة مع تمييز آخرين. على مستوى الروائح، يتضمن هذا التمييز الإقصاء المكانيّ وتقليل القيمة على التوالي. إحتقار أولئك الذين لا يستوفون المعايير الإجتماعية أو يتعارضون مع تناغم المجموعة أو الجماعة. تتحول رائحة الآخر، الآن، إلى معيار أخلاقي قيمي إجتماعي حاسم. فمن ناحية، تلعب روائح الأفراد دوراً مُقلِّلاً للمكانة أو القيمة، بالتالي، هو أمر شبيه بوصمة العار إجتماعياً. من ناحية أخرى، هناك مجموعات من السكان موصومة بالعار أصلاً، يُضاف لها الآن وصمة الرائحة، سواء حضرت هذه الرائحة أو لا. يتحول هذا الأمر، بالتالي، إلى مناسبة أو سياق أو علامة على التمييز العنصري والإجتماعي وحتّى الأخلاقي3. 

إهتم البريطانيون بحاسة الشمّ والطبقة الإجتماعية؛ فيما إهتم الأميركيون بحاسة الشم والعلاقات العرقية. 

 عَكَسَ توماس جيفرسون تفكير الكثير من البيض عندما قال بأنّ للسود "رائحة كريهة قوية جداً". 

 العام 1774، كتب إدوارد لونغ، وهو مالك أراضي جامايكي شرس، الآتي: 

"للسود رائحة بهيمية أو نتنة". 

لاحظ غونر ميردال الآتي: 

يطال الإعتقاد بوجود "رائحة ماعز" تصدر عن السود، كسائر الإعتقادات الأخرى المماثلة الحاضرة لدى مجموعات أخرى، النطاق الشخصي وهو مفيد لتبرير رفض التفاعلات الإجتماعية وإستخدام أماكن عامة تقضي بوجود تماس مباشر أو قريب، مثل المسارح والنقل العام. يمكن أن نضيف إلى هذه القائمة المدارس وأماكن العمل. 

وفي هذا الصدد، قال ميردال: 

"إنه لأمر لا يُصدَّق، فلا يمنع هذا الأمر إستخدام السود في أعمال منزلية حتّى، بل وفي الخدمات الأكثر حميمية". 

حلَّلَ جون دولارد الإعتقاد "السائد في الشمال والجنوب"، الذي يعتبر بأنّ "للسود رائحة كريهة للغاية برأي البيض". وصفه كأحد "الإجراءات الدفاعية" العديدة التي إعتمدها البيض: 

 "وهو دليل واضح أخير على إستحالة حصول إرتباط عميق بين الأعراق". 

 بالتالي، "برَّرَت" الرائحة الفصل المؤسسي والإضطهاد العرقي في الولايات المتحدة الأميركية، على ذات المنوال، قد "برَّرَت" التحيُّز والإضطهاد الطبقيّ في المملكة المتحدة4. 

حقَّقَ آلان كوربين أبحاثاً حول الروائح في فرنسا القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ذُكِرَ بأنّ لجميع المجموعات السكانية تقريباً روائح مميزة، وقد وُصِفَ بعضها مع الكثير من التفصيل. 

 قرويون، راهبات، ذوو الشعر الأحمر، يهود، زنوج، قوقازيون، عمال مكسيكيون، ألمان، فنلنديون، جامعو الخرق، فقراء، عذراوات وقحبات: 

حضرت رائحة مميزة لدى كل مجموعة منها، قد عكست المكانة الأخلاقية المتخيلة للسكان: 

عذراوات خيِّرات (ذوات رائحة عطرة)، قحبات شرِّيرات (ذوات رائحة كريهة)؛ صُنِّفَت رائحة البحارة بين أسوأ الروائح. 

تمتاز عاداتهم بالخلاعة؛ يجد البحار سعادته القصوى في السُكر وبرائحة التبغ الممزوجة بأبخرة النبيذ والكحوليات والثوم إلى جانب أطعمة أخرى يستلذ بتناولها، تجعله رائحة ثيابه المشبعة بالعرق والأوساخ والقطران مُنفِّراً في أغلب الأحيان. 

 لهذا، يغدو توصيف الروائح، المحبذة والكريهة، تصنيفاً أخلاقياً مُقنعاً. يستمر هذا التصنيف طبقياً وعرقياً وسكانياً بالحضور حتى اليوم. لهذا التصنيف الأخلاقي (المعنوي)، المؤسس على إعتقادات شمية، تبعات إجتماعية5.

 يتبع 

المصادر

1. Racism and Body Odor, Racism Monitor: Issue 2

https://armlebanon.org/racism-monitor-issue-2-racism-and-body-odor/

2. Federico Kukso, Odorama; Historia cultural del olor. Taurus. 2019

3. Die soziale Konstruktion olfaktorischer Wahrnehmung. Eine Soziologie des Geruchs. Dissertation zur Erlangung des akademischen Grades des Doktors der Sozialwissenschaften an der Universität Konstanz. Vorgelegt von Jürgen Raab im September 1998

4. A sociology of smell, Anthony Synnott. The Canadian Review of Sociology and Anthropology, vol. 28, nº 4, in November 1991

5. Corbin, Alain, 1986 The Foul and the Fragrant: Odor and the French Social Imagination. Harvard University Press

للإطلاع على مواضيع أخرى ذات صلة

 (1) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(2) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(3) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(4) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(5) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(6) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(7) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(8) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(9) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(10) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(11) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(12) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(13) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(14) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(15) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(16) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(17) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(18) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح 

(19) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(20) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(21) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(22) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(23) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(25) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

(26) علم إجتماع حاسة الشمّ والروائح

No comments:

Post a Comment