2025/10/19

The Atheist Encyclopedia الموسوعة الإلحادية (21)

 

13.4 الوظيفة الأخلاقية للدين بقلم بول كورتز

 يوجد الكثير من الأسباب لحضور أنظمة الإعتقاد الديني، لا سيما الوظيفة الأخلاقية، فبالإضافة للحفاظ على عبادة الله الآب أو العالي الغير المرئي في عصر الحداثة، فستحتفظ المعاهد الدينية بوظيفة أخرى رئيسية، هي:

 التزويد بنظام قواعد وأنظمة سلوكية.  

لا شكّ بأن آلاف الفرق والثقافات، قد طبقت تلك القواعد على شرائح واسعه من المجموعات الاجتماعية الثقافية في الماضي. فقد رأينا الأديان التاريخية الكبرى التي تزودنا بعشرات الرسل وموعظة الجبل وفضائل القرآن وطريق الصدق البوذي ...الخ.  

في آخر المطاف، هل يُشكِّلُ الدينُ ضرورةً أساسيةً على المستوى الأخلاقي؟  

هل تلعب القواعد الأخلاقية دوراً مهماً حيوياً في الصراع من أجل البقاء على قيد الحياة؟

ألمح علماء الأحياء الإجتماعيين  لأنه إن احتاجت مجموعات من البشر مواجهة المصائب، فقد إحتاجت لقواعد داخلية تحكم مسلكيتها ولأنظمة أخلاقية ولبعض القيم المتكيفة، وهي متأصلة في الدين، فتعكس شعوراً بالواجب والخضوع.

  الأديان ليست نظاماً بسيطاً للإعتقادات، حيث أنها تعرِّفُ طريقة حياة ويوجد فيها قواعد سلوك وتنظم صيغ عديدة له. تتحكم الأديان بالعلاقة بين الجنسين وتحديد أي سلوك جنسي مشروع أو آثم. وتطبق هذا، أيضاً، على بنية العائلة، حيث يرسم الدين العلاقات المناسبة للأب وللأم وللأبناء.  

بنفس الطريقة، تؤثر الأديان على مؤسسات إجتماعية أخرى أعقد، فتدخل حقل المحظورات والرُهاب النفسي. تعتبر بعض الأفعال مثالاً للعفة والشرف، فتنال المكافآت في هذه الحياة كما في الحياة التالية.

فيما تعتبر غيرها خبيثة ولا يمكن السماح بها، ولها عقوبات متنوعة مثل الموت، الحرْم الكنسي، المنفى، عقوبات مادية، سجن أو حرمان من حقوق.

يرتبط المعنى الأصلي لمصطلح أخلاق بما هو قائم وبالتقاليد وبعادات الأشخاص، الذين يعيشون ويعملون معاً. تخضع تلك المجموعات لذاك النظام الضابط جيداً للسلوك، جيل إثر جيل، دون الحاجة لإبتكار قواعد جديدة لكل لحظة. بإمكانهم تعليم أبنائهم أخلاق الآباء، وهكذا، يمكن تأكيد وجود تماسك ما وإعداد وحدة داخلية ضرورية لدوام الجماعة. هؤلاء الأفراد أو الجماعات، الذين لن يستطيعوا تطبيق الوصايا، لن يكون بمقدورهم البقاء على قيد الحياة، ومن هنا، لن يتمكنوا من نقل ما لديهم لأجيال مستقبلية قادمة.

  الأخلاقية، بهذا المعنى، بالإضافة لكونها تكيفية، فهي تكتسب عند اتحادها بالدين معنى العقوبة الإلهية. توجد مكافآت وتعويضات إلهية، ويزوّد الحب أو الخوف من الله  بأسباب تنفيذ الواجبات والوظائف الأخلاقية.

الأخلاق ليست من إعداد بشري بسيط، بل هي موحاة إلهياً. فقد حمل موسى رسالة الله لأبناء اسرائيل من على طور سيناء.

يزود، هذا، بقاعده مقدسة لنظامه السياسي البطركي، والحق الإلهي بإدارته. إنه الوحدة بين الدين والأخلاقية والتي تدعم النظام الأخلاقي، إضافة لامتلاك الأخلاقية وظيفة عميقة إجتماعياً، فهي تزود بإطار عمل ورابطة اندماج تؤهل الجماعه لحفظ نفسها، وكذلك، حفظ وظائفها. فالكائنات البشرية حيوانات إجتماعية قادرة على البقاء على قيد الحياة خارج منظومة إجتماعية، لكن، تمتلك الأخلاقية وظيفة حيوية وراثية أيضاً.

كل هذا أساسي كي نفهم الدور التاريخي الإيجابي الذي يلعبه الدين. وإن يكن القانون الأخلاقي الديني قاسي، فهو يمد ببعض قواعد الإستقرار و النظام دوماً، ويجنِّبُ هذا السلوك الفوضوي. عبر الخضوع للصيغ التقليدية، يجري حفظ  السلم الاجتماعي.

غالباً، في المجال الأخلاقي، لا يستقيم التساؤل بين السيء والجيد، الصحيح أو المخطيء، بل بين اثنين أو أكثر من الفضائل أو اللطائف، مما لا يمكننا امتلاك إثنين منهما، أو الأقل سوءاً من بين إثنين سيئين.

وإن يكن نظام متماسك مساعد على تعريف الحقوق والمسؤوليات، فقد يصل ليصير قمعياً لا يوفر شروحات ولا تعديلات تطبيقية ضرورية في بعض الأحيان، وهكذا، سيشكل هذا النظام عقبةً أمام التقدُّم.

هي نقطة ضعف، تتفاقم أكثر، عندما يحضر نظام تقليدي للأخلاق يحول دون ظهور أخلاقيات جديدة (أمر لا يمكن تجنبه في التاريخ الانساني).

بحيث يُصعّب نزاع التنافس الأخلاقي: التعامل مع التعهدات.

قديماً، وصّف اليونانيون  القيم الأخلاقية لشعوب أخرى مثل "البربر"، وكذلك  لمدن – الدولة الهيلينية حيث وجد تنوع واسع من العادات، كما يُلاحظ بالفرق بين القوانين الأخلاقية بين إسبرطة وأثينا.

 اصطدمت الحملات الصليبية المسيحية بالأفكار الأخلاقية الإسلامية.

 أطلع ماركو بولو، بوقت متأخر، أوروبا على فروق ثقافية غريبة من جنكيز خان والإمبراطورية الصينية.

في نصِّنا، هنا، حيث تصل الاخلاقية التقليدية غالباً لتُشكّل عقبة أمام التقدم وفهم الإنسان خاصة، إن يكن رعوي، تعصبي قومي، إثني أو وطني.

 كالسيف القاضي بالصحيح وغير الصحيح.

الفروقات في الأخلاقية هي نتائج للحرب والغزو لدى محاولة جماعة فرض طريقتها بالحياة على جماعة أخرى، كما فعل الاسكندر الكبير عندما غزا بلاد فارس.

يجب أن تظهر منظومة قوانين، بالنهاية، لحل الخلافات بين الشعوب، أو تعريف صيغ واقعية من السلوك يُسمَحُ له شرعاً، وتحديد ما هو شرعي وما هو غير شرعي وتقوية قانون الحياة عبر السلطة أو منظومة الحُكم.

بمرور الزمن، وجب على الأديان القبلية التحوُّل لتصير كونية أكثر، كما فعلت المسيحية باليهودية لتحويلها من دين قومي لرسالة كونية لكل البشر، وكما فعل الاسلام، في وقت لاحق، حيث حاول فرض أخلاقياته وقوانينه ضمن بقعة جغرافية واسعة من خلال الغزو.

بالعودة للموضوع الحيوي الوراثي في هذا النص، نطرح السؤال:  

هل تؤثر المؤسسات الدينية في مجرى تطور الأخلاقيّات؟

يبدو رد تابعي الأديان الكبرى هو نعم، فهم من يحددون من سيستطيع الإنتاج ولماذا. ولو أن تزايد القواعد متنوع. توجد قواعد تحكم الوأد والاجهاض؛ قديماً، مارست المجتمعات اليونانية الوأد ولو أن المسيحيين والمسلمين قد عارضوه وتصدوا له بوقت لاحق.

على نحو مماثل، في المجتمعات اليهودية والاسلامية، فقد مات بعض الأطفال جراء استعمال سكين الختان من قبل الحاخام أو الشيخ. تطبق بعض الأديان طقوس التفقيه أو مراسم البلوغ. يُثني بعضها على العزوبية، العفة والعذرية، يتساهل غيرها أكثر بالسماح بحرية جنسية. وصلت المجتمعات اليهودية والمسيحية  لتطبق نظام الزواج الأحادي، فيما يطبق المسلمون نظام تعدد الزوجات.

طبّق الكهنة الكاتوليك والبوذيون مبدأ العزوبية، لكن تزوج رجال الدين اليهود والمسلمين والبروتستانت وأنجبوا وضاعفوا عدد أبناءهم.

توجد قواعد تحكم الطلاق والزواج. ظهرت تشريعات بشكل صدفوي أو متطفر، كمثال، حين لاحظ محمد موت كثير من جنوده في معاركه، فكَّرَ بأنه من الأفضل بتلك الحالة للرجل بأن يتزوّج من أكثر من إمرأة. فتعتبر الحاجة للإهتمام بالأرامل والأيتام رواية ثابتة في القرآن.

امتلكت تلك الوصايا تأثيراً سببياً لا يمكن تجنبه طال إستراتيجيات متعدده وأوجدها الأشخاص بإستقلالية عن التكيف مع البيئة.

 تأثيرات عميقة مشابهة حول السلوك، تستعمل بطرق أخرى:  

يغسل الهندوس أمواتهم في نهر الغانج وتُتْرَك الجثث هناك، بلا شك، سبَّبَ هذا الأمر ظهور الكثير من الأمراض المعدية.

تحمّل الحجاج المسلمون لمكة مشقة السفر، فتعرضوا للإصابة بأمراض كمرض الكوليرا خلال الطريق.  

يقبّل المسيحيون في القداس المصلوب ذاته ويشربون من نفس كأس النبيذ، هكذا، انتقلت الأمراض المعدية.  

تبنى بعض الأديان عنصراً جبرياً تجاه المرض والألم، مما ساهم بمنع أو إضعاف الجهود العلمية الطبية لإكتشاف العلاجات على مدى زمني طويل.

 خلال زمن طويل، وُجدت أديان قد منعت تشريح الجثث. لهذا، توجد قوى غير واعية وغير عاقلة تشوش على الإنتقاء الطبيعي.

يصعبُ تأكيد تأثير هذا بتطوير إستعدادات وراثية بناءاً على تلك الحزمة الواسعة من التطبيقات أو الممارسات.  

ومع ذلك، لاحظ إرنست فان دن هاغ أنه من المحتمل حضور مؤثرات متضادة في مجموعة الصيغ المنظمة للزواج والسكان والذخر الوراثي؛ اجتهد بعض الكهنة الكاتوليك ودرسوا في أديرة، عاشوا حالة عزوبية، من هنا، لم يستطيعوا توريث موهبتهم الثقافية لأجيال مستقبلية. بينما أسس حاخامات اليهود والأكاديميون التلموديون في بولونيا وروسيا عائلات كبيرة. بشكل مشابه، يحضر الحرم الديني اليهودي ضد الزواج من خارج الجماعه، والذي يمكن أن يحتوي إتجاه إستعدادات وراثية سلبية كعارض مرض تاي ساكس.

يوجد موضوع آخر للنقاش، هل بمقدور الأفراد التحرُّر من القواعد الأخلاقية الصارمة التي تحكم الجماعة أو لا؟

يبدو أنه قد ظهر تطوراً إيجابياً إضافياً قد جرى في التاريخ الانساني، وتمثل بإنفصال أخلاق الدين عن العادات الأخلاقية، إضافة لظهور جهود مستقلة لترسيخ الأخلاق كحقل مستقل بذاته عبر بحث مؤسس على العقل بشكل كلي، متحرّر من العقوبات الدينية.

  الصوفيون اليونانيون، هم من جعلوا ذاك التطور ممكناً.  

في الأسفار من مدينة – دولة لمدينة – دولة، تأثّروا بنسبية المسلكية الأخلاقية.  

عبد الرجال والنساء أوثاناً مختلفةً، وقد طبقوا قيماً أخلاقية مختلفة، وقد أخذ معلِّمو الطرق  في حسبانهم تلك التنوعات وقد رفضوها كلها.

فقد رأى تراسيماكو، كاليكليس، غورغياس، بروتاغوراس وغيرهم أن تلك القيم نسبية، بالنسبة للمجتمع، وتبنتها النخبة الإجتماعية لتحقيق مصالحها.

من هنا، وصل الصوفيون المُتشككون وغير المحتشمين في مقاربة المطلقات. بالمقابل، طبقوا مصلحتهم الخاصة، فن الحصول على النجاح والسير للأمام (بشكل رئيسي، كما يفعل الأصدقاء أو عبر التأثير في الناس). بحث كلّ من سقراط وأفلاطون عن استقرار حقل أخلاقي خارج كل تنافس، واحد لا يتأسس بالاتفاق، فقط، بل يمتلك عمق ما في القوانين الطبيعية. هم أيضاً، قد بحثوا مسألة إماطة اللثام عن الأساطير الهوميروسية – كما يفعل سقراط وأدامانتو في كتاب الجمهورية – باعتبارها قاعدة غير مناسبة ومنافقة للسلوك الأخلاقي. هل كانت تلك الأخلاق المثالية – طيبة، عفة، جمال، الحقيقة، العدالة – ضمن طبيعة الأشياء، كما فكَّرَ سقراط؟ وهل باستطاعتها تمثيل دور الدليل أو المُوجِّه للسلوك؟

  نشر أرسطو في كتابه "علم الأخلاق - إلى نيقوماخوس" بحث تجريبي مؤسس على العقل العملي.  

ما هو الخير؟ تساءل، وكيف يمكننا عيش حياة خيِّرة؟ عرض طريقة مطابقة للعقل، تتوخى تحسين الطبيعه البشرية وتحقيق وجودنا بالقوة وامتلاك مقياس ما للجودة، الشرف، السعادة أو الهناء.

 أثبت الفلاسفة، منذ ذلك الوقت، بأن الأخلاق يمكن أن تتأسس على العقل.

لا تحتاج للخضوع للأخلاقية التقليدية أو للمذهب الديني.

هكذا، إن امتلكت القوانين الأخلاقية في بداياتها وظيفة اجتماعية، فلإنها جزء من طبيعة الكائن البشري، وإن توجب عليه العيش في جماعة والبقاء على قيد الحياة، فلن يحتاج لعقوبة إلهية ليصير كاملاً أو لكي يعمل الكمال.

بحث البشر الحديثون، اعتباراً من تلك النقطة، استقرار شروط الحياة الجيدة بأساسيات عقلية ومحاكمة المسلكيات الأخلاقية بتعاقباتها المسلكية على مستويي الخير والشر.

وهو أمر جيّد، إن زاد السعاده الانسانية وقلَّلَ الألم، وسيء، إن يحصل العكس.

بالإضافة لوجود صيغ للعدالة، والتي يمكن تبريرها بشكل مستقل عن أي مختص أساسي باللاهوت، كما بيّن كانط.

يملك الوعي الأخلاقي منابعه الخاصة:  

ستزوّد القدوة والإيثار، بأسباب إضافية، لأجل السلوك الأخلاقي.  

لا يوجد شك بأن أنظمة الإعتقاد الدينية، قد امتلكت وظيفة أخلاقية وإجتماعية في الماضي؛ لكن، تجاوزت الإنسانية تلك الحاجة أو الحالة.  

من مسهِّلْ، أولي، للمسلكية الأخلاقية، انتقل الدين إلى تشكيل عائق أو عقبة.  

 من الضروري القيام بتحقيق إعادة صياغة أخلاقية وتطبيق الذكاء النقدي لحل المشكلات البشرية.

 تنويه 

بول كورتز هو أستاذ متقاعد للفلسفة بجامعة نيويورك الحكومية في بوفالو، مؤسس مجمع لأجل إنسانية علمانية ومحرر في رئاسة مجلة شكوكيّة هي فري انكيري. كورتز، كتب العديد من الكتب، من بينها "دفاعٌ عن العقل" أبحاث في أنسنة العلمانية والارتيابية، العيش بلا دين.

14.4 المشهد الأخلاقيّ: التفكير في القيم البشريّة وفق مُصطلحات كونية

إثنا عشر سؤال، تتصل بكتاب "المشهد الأخلاقيّ" مع أجوبة مؤلّفه سام هاريس.

السؤال الأوّل: هل تمتلك الأسئلة الأخلاقيّة أجوبة صحيحة وأخرى غير صحيحة؟

الجواب: يجب ربط الأخلاقيات، بمستوى ما، مع رفاه الكائنات الواعية. حال وجود طرق فعّالة، بشكل او بآخر، للبحث عن السعاده ودرء التعاسة عن هذا العالم، ومن الواضح أنه يوجد، بالتالي، للأسئلة الأخلاقية، نعم، أجوبة صحيحة وخاطئة.

السؤال الثاني: هل تقول حضرتك بأنّه يمكن للعلم الإجابة على تلك الأسئلة؟

الجواب: نعم، من حيث المبدأ. فالرفاه الإنساني ليس ظاهرة إحتماليّة. فهو يتوقف على الكثير من العوامل، من علم الوراثة وعلم أحياء الأعصاب إلى علم الإجتماع والإقتصاد. لكن، يبدو أنه توجد معارف علمية، يجب العمل على تفعيل نجاحها في هذا العالم. تُطبَّقُ قضايا أخلاقيّة، في كل الأحوال، التي يمكننا التأثير على رفاه الآخرين من خلالها.

السؤال الثالث: ألا يمكن أن تحدث نزاعات ضمن التطلعات الأخلاقية ذاتها؟ ففي كثير من الأحيان، ألا تُبنى سعادة شخص على تعاسة شخص آخر؟

الجواب: نعم، يحصل هذا في بعض الأحيان، ونُطلق عليه تعبير "المجموع الصفريّ". مع ذلك، فكلامنا عمومي، فالقضايا الأخلاقية هي أهم من هذا النمط. ففيما لو نتمكّن من إلغاء الحروب والحدّ من إنتشار السلاح النووي والملاريا والجوع المُزمن والإعتداء على الأطفال،....الخ، ستكون تلك التغييرات جيدة للجميع. دون أدنى شكّ، توجد أسباب حيوية عصبية ونفسية وإجتماعية لما يحصل، ما نقصده بهذا الإطار، هو أن العلم، من حيث المبدأ، يمكنه القول لنا بالضبط، لماذا ظاهرة كالإعتداء على الأطفال، تُساهِم بتقليل الرفاه البشريّ، لكن، لا ننتظر العلم ليقوم بهذا لنا. فنحن لدينا أسباب مُقنعة لاعتبار سوء معاملة الأطفال، يعود بسوئه على الجميع. أرى أنه من الأهمية بمكان، أن لا نُقيم الإعتبار لأي تأكيد نابع من خياراتنا الشخصية، ولا لأيّ شيء، قد كيّفتنا ثقافتنا على الإعتقاد به ببساطة. إنه تأكيد يقترب من فنّ بناء عقولنا وفنّ بناء إجتماعيّ لعالمنا. يجب العثور على هذا النمط من الأخلاقيات في أيّ فهم علميّ بسياق التجربة البشريّة.

السؤال الرابع: وما الذي يحدث، فيما لو أنّ بعض الأشخاص لديهم أفكار مُختلفة حول ما هو هام في الحياة؟ أيمكن للعلم أن يقول لنا بأنّ أفعال حركة طالبان ذات طابع غير أخلاقيّ، بينما تؤكد جماعة طالبان بأنها تسلك سلوك اخلاقيّ؟

الجواب: كما أشرح في كتابي، توجد طرق كثيرة، يمكن للناس تحقيق النجاح بواسطتها، لكن، وبكل وضوح، توجد طرق أكثر للوصول لعدم النجاح. فجماعة طالبان، هي مثال واقعي لجماعة من الأشخاص الساعين لبناء مجتمع أقل جودة من مجتمعات يمكن الإختيار بينها. نسبة النساء الأفغانيات، اللواتي يقرأن 12%؛ ومتوسط معدل الحياة في أفغانستان للفرد هو 44 عام. فأفغانستان، هي من ضمن مجموعة بلدان ذات نسبة وفيات عالية، على مستوى الأمهات والأطفال في العالم. كذلك، توجد نسبة ولادات عالية في أفغانستان. بالنتيجة، تكثر وفيات النساء والأطفال في أفغانستان وبنسبة نجدها في القليل من الأماكن على امتداد العالم. الدخل القومي بأفغانستان بأخفض مستوياته بالنسبة للمتوسط العالمي العام 1820. يمكن التأكيد، هنا، ودون أدنى شكّ، على أنّ الرد الأفضل على هذا الوضع المُزري (الرد الأخلاقي أكثر) ليس برشّ أحماض البطاريات على وجوه طفلة صغيرة تحت ذريعة جرم السعي إلى تعلّم القراءة. يدخل كل هذا ضمن علم الأحياء وعلم النفس وعلم الإجتماع وعلم الإقتصاد. بالتالي، ليس مضاداً للعلم، التأكيد على أنّ جماعة طالبان، هم على خطأ في قضايا أخلاقيّة. في الواقع، يتوجب علينا قول هذا، من اللحظة التي قبلنا فيها، باننا نعرف شيئاً ما عن الرفاه البشريّ.

السؤال الخامس: لكن ما الذي يحصل، فيما لو أن لطالبان أهداف أخرى في الحياة ببساطة؟

الجواب: حسنا، وبإقتضاب، ليس لديهم شيئاً من تلك الأهداف. فهم يبحثون عن السعادة في هذه الحياة، والأمر الأهمّ لهم، هو تخيلهم بتأمينهم لسعاده بحياة مستقبلية. فهم يؤمنون بتمتعهم بحياة أبدية سعيدة بعد الموت، عند تطبيقهم للقوانين الإسلامية السائدة بدقة. وهذا تأكيد، يجب أن يقول العلم رأي فيه، فهو غير صحيح عملياً. الأمر الذي لا شكّ فيه، هو أن جماعة طالبان باحثة عن الرفاه بصيغة ملموسة ما، لكن، لديهم بضع أفكار غريبة جداً، وتتعلق بكيفية تحقيق هذا الرفاه.

في كتابي، أحاول تفسير سبب عدم القدرة على الإتفاق أو التوافق حول قضايا أخلاقية، بسبب فكرة الأخلاق الصحيحة الخطرة. ففي المجال الأخلاقي، كما في غيره من المجالات، هناك ناس، لا تعرف ما الذي تفقده. في الواقع، أشكّ بأن غالبيتنا، لا تعرف ما الذي تفقده، فمن الضروريّ حضور إمكانيّة لتعديل الخبرة البشريّة، بصيغ تُعطي دوراً لنهوض بشريّ، لا تتمكن غالبيتنا تصوره. توجد، في كل مساحات الإكتشاف الأصليّ، آفاق أبعد منها، فلا نتمكن من رؤيتها.

السؤال السادس: ما الذي تقصده حضرتك، عندما تقول"مشهد اخلاقيّ"؟

الجواب: استخدمت هذا التعبير لتوصيف فضاء كل الخبرات الممكنة، حيث تعانق الطيور قمم الرفاه؛ وتمثّل الوديان قعر الآلام. فنحن جميعاً بمكان ما من هذا المشهد، نتواجد أمام مشهد صعود أو انحدار. بما أنّ خبرتنا مقيّدة كليّاً بقوانين الكون، يجب حضور أجوبة علمية على مسألة ما تكونه الطريقة المثلى لتحصيل كمّ أكبر من السعاده.

هذا لا يعني وجود طريقة صحيحة واحدة أو وحيدة، يمكن للبشر العيش وفقها. هناك إمكانية لوجود قِمم كثيرة في هذا المشهد، لكن، من الواضح، بأنه توجد طرق كثيرة لا تقود إلى القمّة أو القمم.

السؤال السابع: كيف يمكن للعلم أن يرشدنا في هذا المشهد الاخلاقيّ؟

الجواب: كلما ازدادت قدرتنا على فهم الرفاه الإنساني، سنفهم الشروط التي تخدم تحقيقه بشكل أفضل. بعضها واضح. فالمشاعر الإجتماعية الإيجابية، كالشفقة والتعاطف، جيدة بالعموم بالنسبة لنا، ونرغب بتشجيعها. لكن، هل نعرف أي الصيغ فعّالة أكثر لتعليم الأطفال:

 كيف بإمكانهم الإحساس بالقلق بشأن آلام الأخرين؟ لستُ أكيداً من هذا. 

هل هناك جينات مسؤولة عن وجود الرحمة عند بعض الاشخاص أكثر من غيرهم؟

 أيّة أنظمة إجتماعية أو مؤسسات يمكنها تنمية شعورنا بالإتصال بباقي البشر؟ 

لهذه الأسئلة أجوبة، ويمكن لعلم الأخلاق توفيرها فقط.

السؤال الثامن: لماذا تُعتبر محاولة عالم للإجابة على قضايا أخلاقية غير محبذة أو ليست موضع ترحيب؟

الجواب: أرى أنه يوجد سببان رئيسيان لتردّد العلماء بالقيام به، هما:

السبب الاول: بسبب صعوبة فهم الأنظمة المعقدة. فبحثنا في العقل البشريّ في مراحله الاولى، رغم مُضي قرنين على البدء بدراسة الدماغ. لهذا، يتخوّف العلماء من صعوبة العثور على أجوبة أسئلة نوعيّة تطال الرفاه البشريّ، ومن هنا، الثقة في كثير من المشاهد سابقة لأوانها. هذا ملموس لمس اليد. لكن، كما أُبرهن في كتابي، يُرتكَبُ خطأ خطير، حين يجري الخلط بين "لا توجد أجوبة في الممارسة العملية" وبين "لا توجد أجوبة من حيث المبدأ".

السبب الثاني: تعرُّض كثير من العلماء لنوع من التضليل من خلال مزيج من الفلسفة السيئة والتصحيح السياسي، الذي يدفعهم للتفكير بأن كل الآراء صالحة بالتساوي أو غير معقولة بالتساوي. بمستوى محدد، هو أكثر من تصحيح مفهوم، وهو أمر نبيل حتّى، على ضوء تاريخنا المليء بالعنصرية والمشاكل الإتنية والإمبريالية. لكنه ليس أكثر من تصحيح. كما أحاول تبيانه في كتابي، لسنا غير متسامحين، إذا تنبّهنا لأنّ بعض الثقافات والثقافات الفرعيّة تفشل فشلاً ذريعاً في محاولة إنتاج حيوات بشريّة تستحق أن تُعاش.

السؤال التاسع: أي فارق يوجد بين "لا توجد أجوبة في الواقع العملي" و "لا توجد أجوبة من حيث المبدأ"، ولماذا ضروريّ ذاك التمييز، عند محاولة فهم العلاقة بين المعرفة البشريّة والقيم البشريّة؟

الجواب: يوجد عدد لانهائيّ من الأسئلة التي لا يمكننا الإجابة عنها، لكن، لها جواب. 

كم عدد الأسماك في محيطات العالم في هذه اللحظة؟ 

لن نعرف مُطلقاً. ومع هذا، نعرف بأنّ هذا السؤال، وعدد لانهائي من الأسئلة الشبيهة، لها أجوبة واضحة وصحيحة. ببساطة، لا يمكننا الوصول الى البيانات في الواقع العملي وعلى أرض الواقع.

يوجد كثير من الأسئلة المتصلة بالشخصيّة البشريّة، وترتبط بخبرة الكائنات الواعية بالعموم، والتي لها ذات البنية.

 ما الذي يسبّب المزيد من المعاناة البشريّة، السرقة أو الكذب؟ 

فهذا النمط من الأسئلة ليس عبثيّاً، في محاولة تحصيل إجابة، لكن، لن نصل إلى أي جزء، فيما لو نحاول الإجابة بدقّة. 

ومع ذلك، متى قُبِلَ أيّ نقاش حول القيم البشريّة، وتوجُّب أخذه لواقع أوسع بالحسبان، حيث تحضر الأجوبة الواقعية، يمكننا رفض كثير من تلك الأجوبة، بحيث تبدو خاطئة تماماً. 

ففيما لو أُجيب على سؤال عدد الأسماك في العالم، سيقول أحدهم "يوجد 1000 سمكة في البحر بالضبط"، سنعرف بأن ما يقوله هذا الشخص لا يستحق الإستماع. لدى كثيرين آراء راسخة حول القضايا الأخلاقية ولا يتمتعون بمصداقية عبر تأكيدهم هذا. مَنْ يقول بأن زواج المثليين هو المشكلة الكبرى في القرن الواحد والعشرين؛ أو الذي يُجبر النساء على إرتداء النقاب، لا يستحق الإستماع بوصفه مُتحدِّثاُ عن قضايا أخلاقيّة.

السؤال العاشر: ما رأي حضرتك بالدور الذي يلعبه الدين عند محاولة تحديد الأخلاق البشريّة؟

الجواب: أرى أن الدور، الذي يلعبه، بالعموم، ليس إيجابياً. تميل الافكار الدينية حول الخير والشرّ للتركيز على تأجيل الرفاه إلى حياة مستقبلية، ويجعلها هذا دليلاً مشؤوماً لتأمين الرفاه في هذه الحياة. يمكن رؤية القليل من النقاط المضيئة في عتمة التقاليد الدينية، لكن، ليست مطبوعة بالحكمة والفائدة، فمن حيث المبدأ دينية. ليس ضرورياً الايمان بأن الكتاب المقدس مكتوب من قبل خالق الكون، أو أنّ يسوع المسيح إبنه، لرؤية الحكمة والفائدة؛ يمكن إتباع القاعدة الذهبية (عامِلْ الآخرين كما ترغب بأن يُعاملوك، موجودة في الجزء السابق من هذه الموسوعة الإلحادية).

مشكلة الأخلاق الدينية، بأنها، من حين لآخر، تقود إلى إقلاق الناس من أشياء، تعتبرها خاطئة، وقد تُجبرهم، أحياناً، على إتخاذ قرارات تُديم الألم البشري، الذي لا حاجة له. يمكن النظر الى حال الكنيسة الكاتوليكية، فهي مؤسسة منعت الإناث من الإنخراط بسلك الكهنة، لكنها لم تمنع الذكور، الذين يغتصبون الأطفال. تهتم الكنيسة بحبوب منع الحمل أكثر من إهتمامها بوقف المجازر الجماعية. يهمها زواج المثليين أكثر من إنتشار السلاح النووي. فعندما نأخذ بالحسبان بأن الاخلاقيات تُعالج قضايا الرفاه البشري والحيوانيّ، نرى بأن الكنيسة الكاتوليكية ذات موقف مُبهم حول المواضيع الاخلاقية كما القضايا الكونيّة. فهي لا تُوفِّر أيّ إطار اخلاقيّ بديل، بل تُقدِّم إطاراً خاطئاً.

السؤال الحادي عشر: اذاً، لا تحتاج الناس للدين لتصل إلى حياة أخلاقيّة؟

الجواب: كلّا. ويمكنكم إلقاء نظرة على حيوات غالبيّة الملحدين، وإلقاء نظرة على المجتمعات ذات الغالبية الملحدة في العالم: كالدانمارك، السويد،....الخ. لتجد ما لا تجده حتى عند كثير من المؤمنين، الذين يبنون أخلاقياتهم الأعمق على تعاليم الكتاب المقدس والقرآن، واللذان يحتويان على الكثير من التعاليم البربرية، حيث يتوجب على كل شخص عاقل القيام بإعادة تفسير تلك التعاليم أو تجاهلها. 

كيف تُعارِضُ غالبيّة اليهود والمسيحيين والمسلمين العبودية؟ 

فلا تنبع هذه الرؤية الاخلاقية من الكتابات القداسيّة، لأنّ إله إبراهيم يأمل منّا أن نظلّ عبيده. بالنتيجة، حتى الأصوليين الدينيين، يرسمون الكثير من أخلاقياتهم خلال النقاش المُوسَّع حول القيم البشريّة بأمور غير دينية. نحن الضامنون للحكمة، التي نعثر عليها في الكتابات القداسيّة كما هي. ونحن الذين يتوجب علينا تجاهل الله وتعاليمه، عندما يقول لنا:

بوجوب قتل كلّ شخص، يعمل يوم السبت!!!

السؤال الثاني عشر: كيف سيحوّل أو يُغيِّر، القبول بوجود إجابات صحيحة وأخرى خاطئة على قضايا تتصل بالرفاه البشري والحيواني، الصيغة التي نفكّر عبرها ونتكلم بها حول الأخلاق؟

الجواب: ما أحاول تقديمه في كتابي، هو محاولة تأمين إطار، يمكننا التفكير من خلاله حول القيم البشريّة بمصطلحات كونيّة. في الوقت الراهن، القضايا الأهمّ للحياة البشرية (قضايا حول مقومات حياة كريمة؛ أيّة حروب علينا خوضها وأيّها لا؛ بأيّة أمراض يجب أن ننشغل كأولويات ... الخ) خارج الساحة العلميّة من حيث المبدأ. بالتالي، يتوجب علينا فصل الاسئلة الهامة حول الحياة البشرية عن السياق، الذي يجعل تفكيرنا عقلانيّ وأكثر صرامة وصدق .

تتوقّف الحقيقة الأخلاقيّة، بشكل كليّ، على التغيرات الواقعيّة والقويّة في رفاه الكائنات الواعية. بهذا الإتجاه، توجد أشياء يجب اكتشافها من خلال الملاحظة المترويّة واعتماد المنطق النزيه. يتبيّن لي بأنّ الصيغة الوحيدة التي يمكننا، من خلالها، الوصول الى بناء حضارة عالمية مؤسّسة على قيم مُشتركة، تسمح لنا بالإلتقاء حول أهداف سياسيّة وإقتصاديّة وبيئيّة، هي: 

قبول أنّه للاسئلة، حول ما هو صحيح وما هو غير صحيح وحول الخير والشرّ، أجوبة شبيهة بأجوبة الأسئلة المتعلقة بالصحّة البشريّة.

يتبع

تنويه: مصادر الموسوعة كاملة في الجزء الأوّل

للإطلاع على باقي الأجزاء

الموسوعة الإلحادية (1) إعداد: أحمد فاسم الحاج إبراهيم - مُقدِّمة

الموسوعة الإلحادية (2) متابعة المُقدِّمة

الموسوعة الإلحادية (3) تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (4) متابعة تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (5) متابعة تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (6) ما يقوم الإلحاد به + شبح الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (7) ذهنية المُلحِد + الوصايا الإلحادية العشر

الموسوعة الإلحادية (8) لماذا يتحدث المُلحِد كثيراً حول الأديان والآلهة

الموسوعة الإلحادية (9) الإلحاد وتاريخ من الكفاح الطويل

الموسوعة الإلحادية (10) قصّة جديرة بالتذكُّر

الموسوعة الإلحادية (11) المُلحدون والموت

الموسوعة الإلحادية (12) البحث عن بدائل غير مادية

الموسوعة الإلحادية (13) الموت بحسب العلم

الموسوعة الإلحادية (14) إبيقور وتولستوي والموت

الموسوعة الإلحادية (15) كيف يواجه الملحدون الموت؟

الموسوعة الإلحادية (16) بخصوص الأخلاق

الموسوعة الإلحاديّة (17): الرئيسيّات والأنسنة والأخلاق

الموسوعة الإلحادية (18) النسبوية الأخلاقية وأخلاق الإتجاه الإنسانيّ العلمانيّ

الموسوعة الإلحادية (19) الأخلاق والإنتقاء الطبيعي والبحث عن الأخلاق لدى الرُضَّع

الموسوعة الإلحادية (20) الأخلاق فلسفياً والقيم بشرياً والقاعدة الذهبيّة

No comments: