Thursday, October 2, 2025

The Atheist Encyclopedia الموسوعة الإلحادية (16)

4. بما يخصّ الأخلاق

1.4 بحثاً عن أخلاق طبيعانيّة

"يأتي كلّ ما هو صائب أخلاقيّاً من المصادر الأربعة التالية: التصوُّر الشامل، أو الاستنتاج الذكي، لما هو صائب، المحافظة على مجتمع مُنظّم يأخذ فيه كل عضو ما يستحقه ويقوم بكل ما عليه من واجبات، العظمة والقوّة لروح نبيلة لا تُغلّبْ أو الأمر والإعتدال في كل قول وفعل، ما يعني القناعة وضبط النفس".

شيشرون

هل إنشغلت يوماً بالرغبة بمعرفة، ما يمكن أن يفكّر به راعي أغنام، قد عاش خلال القرن الأوّل الميلادي:

فيما لو يتمكَّن من العيش معنا اليوم؟

ماذا سيقول بخصوص:

 الحصول على مياه صالحة للشرب في المنزل بمجرد فتح صنبور؛ شفاء أمراض خطيرة جرّاء حقن سائل ما بالجسم؛ السفر بزمن يفوق زمن سير الحصان أو بإرتفاع أعلى من إرتفاع نسر مُحلِّق، وجود أسلحة يمكنها القضاء على ملايين الأشخاص بعدّة ثواني؛ تركيب أعضاء لدى فشل الأعضاء الأصلية؛ الحصول بثواني على كل المعلومة التي نريدها في لوحة مضيئة وملوّنة (حاسوب، هاتف نقّال، ..الخ)؟

هل تجعله، فجوة الألفي عام هذه:

 يرانا كسَحَرَةٍ ذات قدرات فوق طبيعيّة يصعب عليه فهمها؟ 

حتى بالنسبة لنا، فمن الصعب فهم عدم حدوث إنقراضنا، حين عاش أسلافنا بظلّ ظروف قاسية كثيرة.

وصلت الإنسانية إثر مرور 1000 عام من الركود حتى القرون الوسطى إلى وعي متزايد للحاجة إلى التعايش السليم والتعاضد والتضامن مع آلام الآخرين.

وخلافاً لما يمكن التفكير فيه، إعتباراً من وجهة نظر دينية، فإنّ مبادئنا الأخلاقيّة ذات مكونات تطوريّة وإجتماعيّة قويّة:

تعكس توافقات "روح الحقبة". 

وكأمثلة على هذا، لدينا:

 قوانين أشوكا الأخلاقيّة في الهند؛ قوانين حمورابي في بابل؛ قوانين ليكرغوس في أسبرطة أو قوانين سولون في أثينا، وهي قوانين سادت بوقتها ضمن حضارات متطورة، لكن، بمرور الوقت، ثبت خطؤها في فهم الطبيعه البشرية، وبالنهاية، أُزيحت تماماً.

من خلال متابعة حثيثة لتطوُّر السلوك البيولوجيّ الإجتماعي:

 نجد أنّ ما يجري إعتباره مزايا الأخلاق الحصريّة بالبشر (أخلاق بشرية)، مثل: 

المعاملة بالمثل والأنظمة الإجتماعية والتصالح والتشاعر والبحث عن السلام، ما هي إلّا أخلاق يمكن ملاحظتها عند كثير من الحيوانات القطيعيّة كالشمبانزي والدلافين.

حيث يطرح فرانس دي فال في كتابه "الرئيسيّات والفلاسفة" فكرة، تقول:

إضطرت كل الحيوانات الإجتماعية  لتحديد أو تعديل سلوكياتها بصيغ مختلفة لأجل تأمين التعايش والبقاء على قيد الحياة.

 لقد ورثنا تلك المحددات والسلوكيات من أسلافنا أشباه البشر، وهي، بالوقت الراهن، جزء من مجموعة من المواقف:

 التي تمّ تشكيل الأخلاق البشرية من خلالها.

 بين المواقف الأهمّ الموروثة من أسلافنا:

إمتلاكنا الثقة غير القابلة للتغيير، خلال طفولتنا، بكل ما يقوله آباؤنا أو مربونا لنا بالعموم، حيث يوفِّر هذا فائدة إنتقائيّة بمواجهة مخاطر محتملة في بيئتنا. فبمواجهة مواقف حرجة، يمكن للطفل إختبار الأخطار التي يعتبرها الآباء هكذا، ولهذا، نتعلم بأنّ السكاكين تجرح والسيارات تدهس وفيما لو نقع على درج المنزل قد ينكسر عظم ما فينا.

بلحظة ما، يقبل الطفل دون أيّ مساءلة:

ما ينقله الأب من "معرفته الحيوية" حول ما هو مفيد وضار وكيفية التصرُّف المقبول إجتماعياً، لكن، كذلك، ينقل الآباء تحيزاتهم (أحكامهم المُسبقة) والتحريمات والأخطاء (المفاهيم الخاطئة).

بهذه الصيغة، جرى تصنيع إحتياجات زائفة في عقل الطفل الضعيف على مستوى إستخدام المنطق وإجراء المحاكمة الذهنية حول:

وجود كائنات ساحرة مثل بابا نويل والملائكة التي تحمينا وحياة بعد الموت والعقاب بالنار الخالدة، حيث جرى قبولها بعيداً عن الأدلة، مع برهان "أنّ أشياء مؤكّدة لا تحتاج لأيّ نوع من التبرير أو التعليل".

لدى بلوغ هذا الطفل، بدوره، سينقل هذه "المعرفة المفيدة" للجيل اللاحق، وبهذا، يعزِّز مفاهيم سهلة الدحض، لكن، أضحت صعبة الإجتثاث!!

على مدار قرون، جرى تقديم الفكرة القائلة بأنّ أنظمتنا الأخلاقيّة تجد صداها في كائن علويّ متفوِّق كامل وأبٌ وصديقٌ يمكنه فعل أي شيء ويعرف كل شيء ويستمع لنا ويحمينا، وبدونه، سنضيع لأننا كائنات مسكونة بالنقص.

بوقت لاحق، وبصورة رئيسيّة، ستخدم تلك الأفكار الطفوليّة الطبقات الكهنوتيّة، حيث يقومون بالترتيب والتفسير لمختلف الإشارات السماوية، يستقبلون فهمهم بوصفه وحياً، لكن، قد شجّعوا ببعض الأحيان، وعلى مدار قرون، على إرتكاب الجرائم وتعزيز الجهل.

خرجت من داخل الجماعات المتدينة شخصيات غير راضية عن الحقيقة التي يدعيها الوحي، إضافة لعدم رضاها عن التناقضات القائمة بعقائد تلك الجماعات الدينية،  فقرّروا إستخدام قدراتهم الذهنية لحلّ ومواجهة أمور عديدة مُقلقة حول الكون والحياة.

 غاليلة ونيوتن وداروين، إضافة لآخرين غيرهم، وقد يعتبرهم كثيرون متدينين، وبإتخاذهم بضع خطوات قليلة يُحسدون عليها، قد ساهموا بتكوين الجسم المعرفيّ، الذي قاد في آخر 500 عام لتحقيق الكثير من التقدُّم في حياتنا الحديثة.

  نظام التصويب الذاتي للعلم أمر حيوي، يسمح بالتقدُّم وإقصاء كل ما يجري دحضه بالأدلة، حتى لو جرى إعتباره صحيحاً بلحظة ما.

فالآن، نفهم بثقة كبيرة ووضوح شديد ودون بذل كثير من الجهود:

بأنّ الأرض ليست مسطّحة وأنّه لا يمكننا المشي على المياه!

وأنّ الفروقات الشكلية بين الأشخاص لا تعني وجود الأدنى والأرقى؛ أنّ ولادة العذراء مستحيلة فيزيولوجياً.

في المستقبل، قد تسمح إكتشافات جديدة بفهم ظواهر الطبيعة، التي يعتبرها البعض حتى الآن سحرية أو يسببها كائن علويّ لا مُبالٍ.

  إن يكن الشخص منطقيّ ويفهم عمل محيطه، فلا يعني بأنّه قد فقد إنسانيته. 

بغضّ النظر عن الإعتقاد الديني، وعن مستوى التعليم أو الثقافة، فجميعنا قد إختبرنا مشاعر كالحبّ والنشوة والأمل أو الإعجاب، وكذلك، شعرنا بأمور مأساويّة كالحزن أو الألم.

يمكن لهذا المستوى الروحانيّ توجيه سلوكنا في المجتمع، أحياناً، لكن، بالتأكيد، لن يتمكّن من تفسير طبيعة الواقع.

بزمن حديث نسبياً، إنطلق  البحث حول الأخلاق علمياً.

فمن خلال تحليل إحصائيّ للإستجابات تجاه معضلات معقدة أخلاقياً، تمّ التوصُّل لتحديد قواعد أخلاقيّة مقررة تطورياً في دماغنا، الأمر الذي سمح بتحضير نماذج يمكن تطبيقها في إدارة الصراعات والمفاوضات.

وقد برزت التجربة الأخلاقيّة المسماة "معضلة الترامواي رقم 4" أو معضلة القطار،  والتي يمكن إيجازها، بالتالي:

يمشي ترامواي خارج السيطرة في طريق. في طريقه أي على سكّته، ربط فيلسوف شرّير 5 أشخاص. لحسن الحظّ، يمكن تغيير مسار الترامواي إلى طريق آخر من خلال كبس زرّ، لكن، لسوء الحظّ، يوجد شخص مربوط أيضاً هناك، فهل يتوجب ضغط الزرّ وتغيير المسار؟

وافقت غالبيّة الاشخاص المطلقة، ممن سمعوا القصّة، على السماح بكبس الزرّ. رغم تردُّد المُؤمنين ذوي التكوين الأخلاقيّ الدينيّ في كبس الزرّ، إلاّ أنّ غالبيتهم العظمى رأت بأنّ هذا الخيار، على المستوى الأخلاقي، هو الأفضل (حيث يُسفر الخيار الآخر عن قتل 5 أشخاص). تتكرّر هذه النتيجة بشكل ثابت، وبصورة مستقلة عن الثقافة ومستوى التعليم أو الإعتقاد الديني. هو مؤشِّر لما يمكن إعتباره نموذج أخلاقيّ أدنى: 

ليس ضرورياً فيه حضور الآلهة المُتدخِّلة بسلوكياتنا.

لا يمكن تنظيم سلوكنا الإجتماعي عبر نظرية النسبيّة العامة أو قوانين الترموديناميك، فمن الرعونة التفكير بأنّه يمكن إستخدام العلم والعقل كنظام أخلاقي مناسب، لكن، كما رأينا، فهي توفِّر لنا أدوات تعرفنا على أنفسنا بصورة أفضل، نفهم مواقفنا، نرى بوضوح ودون أحكام مُسبقة، نتزوّد بمباديء أخلاقيّة موضوعيّة جديدة يمكن تقييمها على ضوء قدرتها على تحسين أحوال المجتمع.

في تمرين واضح عن الحياء الثقافيّ، سمح لنا إستخدام العقل بامتلاك وعي بالمسؤوليات التي تقع على عاتقنا كأعضاء في المجتمع، لقد تمكنا من تعلُّم أنّ حرياتنا تصل للحدود التي تقرُّها حقوق الآخرين.

 لدينا تقدُّم ملموس بهذا الإتجاه مقارنة بحقب الإيمان الأعمى المسيطر وغير القابل للمساءلة، لقد تطورت حرياتنا بصورة معقولة ومعتدلة وتخضع لأنظمة أخلاقيّة شاملة، تقوم بتنظيم السلوك البشريّ الأرضيّ والراهن:

 دون تأمُّلات في القيم الصوفيّة الفوق طبيعيّة.

يتبع

تنويه: مصادر الموسوعة كاملة في الجزء الأوّل

للإطلاع على باقي الأجزاء

الموسوعة الإلحادية (1) إعداد: أحمد فاسم الحاج إبراهيم - مُقدِّمة

الموسوعة الإلحادية (2) متابعة المُقدِّمة

الموسوعة الإلحادية (3) تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (4) متابعة تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (5) متابعة تعريف الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (6) ما يقوم الإلحاد به + شبح الإلحاد

الموسوعة الإلحادية (7) ذهنية المُلحِد + الوصايا الإلحادية العشر

الموسوعة الإلحادية (8) لماذا يتحدث المُلحِد كثيراً حول الأديان والآلهة

الموسوعة الإلحادية (9) الإلحاد وتاريخ من الكفاح الطويل

الموسوعة الإلحادية (10) قصّة جديرة بالتذكُّر

الموسوعة الإلحادية (11) المُلحدون والموت

الموسوعة الإلحادية (12) البحث عن بدائل غير مادية

الموسوعة الإلحادية (13) الموت بحسب العلم

الموسوعة الإلحادية (14) إبيقور وتولستوي والموت

الموسوعة الإلحادية (15) كيف يواجه الملحدون الموت؟

No comments: