Wednesday, October 1, 2025

Cognitive therapy (6) العلاجُ المعرفيُّ

 

6. الملل

قال الأخصائي الكبير في الرياضيات بليز باسكال، الذي عاش خلال القرن السابع عشر، في إحدى المناسبات:

"تنتج جميع مشاكل البشرية عن عدم قدرة الإنسان على البقاء ساكناً في غرفة، جالساً وهادئاً".

 بالطبع، يُشكِّلُ هذا مشكلة كبرى، لأنّ "الإعتقاد"، بنوع من الغباء، بأنك تحتاج للتسلية لتصبح على خير ما يرام، هو:

 أصل العُصاب.

إن تعتقد بهذا، فأنت بدأت بعمل الأشياء جرّاء الخوف (خوف من إصابتك بالملل).

بالتالي، سينصبغ نشاطك بنوع من الإكراه، وهو توجه عُصابي من خلال القيام بكل شيء، آلياً، وبشكل متوتر وبلامبالاة ودون حنان.

قد يُفاجئنا عدد الأشخاص الذين يخشون الملل.

 ففي الخفاء، يخشون الملل، وبهذا، يحاولون تغطية هذه الخشية بنشاطات غير منطقية أو لا تحمل أهمية وتجلب القليل من المتعة.

أو يملؤون اليوم بمهمات وبعض الواجبات الصغيرة، التي لا تترك المجال للقيام بشيء آخر.

يُعاني اولئك الأشخاص عادة أيام العطلات، سيما إن يسافروا، لأنّه سيصعب عليهم القيام بذات الأشياء خلال السفر.

الخوف من الملل كالخشية من العزلة أو الوحدة:

غير معقول وعبثيّ وغير واقعيّ.

ففي الواقع:

 لا يوجد شيء يدعو للخوف!

فكما يحدث مع الوحدة، فيما لو نتخلى عن الخوف، يُشكِّلُ الملل إحساساً طفيفاً بالانزعاج. وفي كثير من الأحيان، يمكن أن يصبح ممتعاً.

الملل لأجل الخلق أو الإبداع

فعلياً، جرى إنجاز أعمال كبرى بفضل الملل بتاريخ البشرية.

 فبكل تأكيد، كتب ميغيل دي ثربانتس روايته الأشهر الكيخوته، لأنّ الملل قد أصابه خلال تلك المساءات الصيفية الحارة في منطقة كاستييا، فبدأ بتخيُّل قصة حول فارس يجوب الآفاق. 

هكذا، رويداً رويداً، بمتعة، بدأ بكتابة عمل كبير وتحول الملل إلى تسلية ممتعة ونوع من الشغف في النهاية.

 بالنسبة للجيل البرجوازي، خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم في روما، شكَّلَ واقع عدم العمل بأيّة مهنة وتمضية الوقت بين الكتب والفنون والحب والإثارة واحدة من أكبر المتع الحياتية.

 يمكن أن يُشكِّلَ الملل حلاوة وطلاوة

بأيّ حال، لا يُشكل الملل أية حالة جدية من التهديد:

 لا يشكل الملل خطراً على السلامة الجسدية، لا يوجد ما يدعو للقلق.

في النهاية، لا يوجد شيء يدعو للخوف!

ففي أسوأ الأحوال، يمكن أن يبدو غير مريح قليلاً، لكن، ليس كثيراً.

معرفة الملل، لا خشيته، الإستفادة منه أو التساهل معه على الأقل:

 يُشكِّلُ خصلة هامة لدى أولئك الراغبين بامتلاك حياة شيِّقة.

يبدو كنوع من التناقض وربما يُشكِّل حالة تناقض، لكن، فعلاً:

يبدو الملل، من حين لآخر، شرطاً ضرورياً لإمتلاك حياة مثيرة.

يعاني كل مغامر من لحظات تعب في سياق قيامه بمغامراته:

 الإنتظار لساعات طوال في مطار ما، قضاء يومين في منطقة جبلية مقطوعة، ..الخ. 

7. إتخاذ القرارات والخجل 

يحدث شيء شبيه في نطاق إتخاذ القرارات:

 أحياناً، نشعر بخوف لاعقلاني لدى محاولتنا إتخاذ قرار.

يعود أصل التردد بإتخاذ القرارات إلى التفكير بكون الأخطاء المُحتملة الناتجة عن إتخاذ تلك القرارات:

 عبارة عن مخاطر خيالية .. وهو وهم كبير.

إذاً، تظهر صعوبة إتخاذ القرار كثمرة لتهويل التبعات السلبية للأخطاء المحتملة أو الممكنة الناشئة بعد إتخاذه.

حول الخجل

الخجل عبارة عن مشكلة حقيقية، لا نُدركُ أبعادها الواقعية المؤذية في كثير من الأحيان.

بسبب الخجل، نتخلى عن التعرُّف على أشخاص مدهشين يمكننا امتلاك علاقة رومانسية مميزة معهم.

بسبب الخجل، نخسر التعلُّم بسبب عدم رفع يدنا والقول بأننا لا نفهم.

بسبب هذا الخجل، خجل غبيّ، نخسر الكثير.

كما قال الكاتب جان دو لا فانتين:

"يدفع الخجل من الإعتراف بأول خطأ إلى إرتكاب المزيد من الأخطاء".

يمكن للخجل أن يُنتِجَ ذعراً حقيقياً لدينا.

بيَّنت دراسة إحصائية بأنّ أشخاصاً بعينهم يخشون من الكلام أمام حشد من الناس أكثر من خشيتهم من الموت.

في الواقع، الخوف من عمل شيء يسبب الإستهزاء هو الخوف رقم واحد في مجتمعاتنا.

 ويا لسخافة هذا الأمر!

في كثير من الإضطرابات النفسية، يلعب الخجل دوراً مهماً في تعقيد المشكلة وديمومتها.

على سبيل المثال، خلال نوبات الإكتئاب، عادة ما يمتلك الشخص "خشية من الخوف"، يعود هذا في جزء، على الأقل، إلى الخجل من التسبب بالإستهزاء أو خشية الجمهور في حالة عوارض الإكتئاب الحاد.

عملياً، يرتكز كل علاج فعّال لهذه المشكلة، على:

 تخفيض حجم ذاك الخجل.

هكذا، سواء لدينا اضطراب من النوع "العُصابيّ" (اكتئاب أو حصر نفسي)، أو نرغب بجعلنا أكثر قوّة على المستوى الحسي الإنفعالي، ستتوجب علينا محاولة إلغاء الخوف من الإستهزاء أو إختزاله إلى أقصى حدّ ممكن.

يوجد طريقان معرفيان أو إدراكيان (من الفكر) لأجل مكافحة الخجل، هما:

 يبدأ الطريق الأول من عدم إعطاء أهمية زائدة عن حدها لمسألة الإحساس الذاتي بالاستهزاء، أي، فهم أن الإحساس بالخجل هو امر عاديّ، وبالتالي، يستحيل التخلُّص منه بشكل نهائي.

أما الطريق الثاني، وهو الطريق الأساسيّ، فيبدأ من الإنتباه إلى أنّ صورتنا الإجتماعية تمتلك القليل من الأهمية.

فيما لو نفكر هكذا، فلن نشعر أبداً بقضية الإستهزاء، ببساطة لأنه سيهمنا ما يقوله الآخرون عنّا:

 قليلاً جداً.

يقول الخجل، أو الخشية، من الإستهزاء على إعتقاد غير عقلاني:

 بأنّ رضى الآخرين أمر أساسيّ.

وفي الواقع، لا نحتاج لهذا الرضى.

تتمثل الفلسفة الشخصية المُثلى باعتماد مبدأ، يقول:

 بأننا كلنا نمتلك ذات القيمة، بشكل مستقل عن راتبنا وقدراتنا أو صورتنا.

فما هو مهم هو قدرتنا على إبداء المودة، ويعتبر هذا الأمر متاحا للجميع على قدر المساواة.

يتبع

مواضيع ذات صلة

العلاج المعرفيّ (1) مقدمة ومصادر هذه السلسلة

العلاج المعرفيّ (2) في أصل الإنفعالات الحسيّة

العلاج المعرفيّ (3) الإستفظاع هو أمّ جميع الإضطرابات الإنفعالية

العلاج المعرفيّ (4) الرغبات والإحتياجات

العلاج المعرفيّ (5) الإنشغال الزائد وروتين النقاش المعرفيّ

أصلُ مُصطلح علم النفس

الفارق بين علم النفس المعرفي وعلم النفس السلوكي

No comments: