Saturday, September 20, 2025

Cognitive therapy (3) العلاجُ المعرفيُّ

 

لكن، ما الذي تعنيه هذه المصطلحات؟

عندما قلنا بأنّ حدث بعينه هو "فظيع" (أو سيبدو "فظيعاً" حال وقوعه)، فنعني قول الآتي:

أ. لن أبدو سعيداً أبداً.

ب. من الأفضل عدم وقوع الحادث.

ت. لا يمكنني تحمُّله.

في الطرف الآخر، عندما نقول بأنّ شيئاً ما "ممتعاً" (أو حال حدوثه، سيبدو "ممتعاً")، فهذا يعني:

 "من المؤكد أنني سأظلّ سعيداً، إلى الأبد!".

يميل الأشخاص الأكثر ضعفاً على صعيد إنفعالي إلى تقييم كل ما يحدث معهم (أو ما يمكن أن يحدث لهم) في الطرف الآخر الأسوأ من الخطّ، "أي الفظيع".

الكلمة الأكثر تعبيراً، هنا، هي:

الاستفظاع.

الإستفظاع هو أمّ جميع الإضطرابات الإنفعالية!

لنتحدث عنه بالتفصيل، لأنّ تغيُّرنا إلى أشخاص أصحاء وأقوياء على المستوى الإنفعالي، سيتوقف على فهمنا الصحيح لهذا المُصطلح. 

عندما نتعود على التقييم بشكل أسلم وبواقعية وإيجابيّة أكبر، ستهدأ إنفعالاتنا أكثر، لأننا سنتذكر بأنّ الإنفعالات، التي نشعر بها، هي مُنتَجْ أفكارنا أو تقييماتنا دوماً.

فعلياً، يهتم الأشخاص الأقوياء ذهنياً كثيراً بعدم تضخيم الإمكانات السلبية الحياتية الحاضرة لديهم، ويشكّل هذا مصدر منعتهم.

 فقد إقتنعوا بأن القسم الأكبر من الملمات ليس "سيئاً جداً" ولا "فظيعاً أو مريعاً".

يساهم هذا الإقتناع العميق بالحفاظ على هدوئهم:

 هذا هو سرّهم.

بالتالي، يتعلَّمُ الأشخاص في العلاج النفسيّ المعرفيّ تقييم ما يحدث (أو ما يمكن أن يحصل معهم) بناءاً على معايير، مثل:

الغايات

منفتحون على العالم مع مقارنة سليمة

بنّاؤون

مع حدّ أدنى من الوعي الفلسفي

موضوعيّة إنفعالية أو إنفعالية عقلانيّة

عند القول بأننا نتعلَّم التقييم مع معايير موضوعيّة، فهذا يعني بأنه علينا محاولة تأسيس تقييماتنا على ما يقوله العلم أو المعرفة المتميزة بأقصى صرامة ممكنة.

بالعموم، يقول لنا العلم (الطبّ، الاقتصاد، الفلسفة أو علم الإنسان):

 بأننا ككائنات بشرية نحتاج قليل القليل، كي نبدو بأفضل حال.

فإحتياجاتنا الأساسية قليلة.

بهذا الاتجاه، يستخدم أخصائيُّو علم النفس المعرفي، عادة، عبارة من النمط:

"عندما أقرأ كتب علم الأحياء، تقول لي دوماً بأنّ الإحتياجات الأساسيّة للأشخاص هي مياه، أملاح، أملاح معدنية، ..الخ؛ لكن، للآن لم أقرأ معلومة تفيد بأننا بحاجة إلى أثداء كبيرة أو صغيرة أو طول قامة كبير أو قصير ....إلخ!".

فلكي نعرف، يجب عقد المقارنات!

لكن، للقيام بهذا بشكل حسن:

 تجب المقارنة مع كل العالم، مع كل الجماعات البشرية، مع كل الإمكانات الواقعية المعطاة في الحياة، دون إقصاء الموت والأمراض وحالات العوز الأساسيّة.

من جديد، يعلمنا تمرين مقارنة جيّد بأننا ككائنات بشرية نحتاج القليل لنبدو سعداء، ونمتلك كلنا هذه القدرة، أينما حللنا:

في أفريقيا وفي إسبانيا أو على سطح المريخ، إن نتمكن من العيش في هذا الكوكب بيوم ما.

أحياناً، نصير عصابيين، عندما نُركّز بذواتنا كالأطفال الصغار، الذين يعتقدون أنهم يشكلون مركز الكون.

فالمؤكد، أننا لا نُشكّلُ مركزاً لأيّ شيء!

يتوجب أن ننفتح على واقع العالم أجمع، حيث تُخبرنا أوضاع أشخاص آخرين يعيشون بيئات مختلفة، مرة أخرى، عن الإحتياجات الأساسيّة للكائنات البشرية.

فيما لو تعش أسرة صينية أو أفريقية بسعادة لأنّ إحتياجاتها الأساسيّة من الغذاء مغطاة، فهذا يعني بأنّ الكائنات البشرية يمكن أن تبدو سعيدة، بمجرد تغطية إحتياجاتها الأساسية بالعموم.

أحياناً، نعيشُ في مجتمعات إصطناعية، تقودنا إلى التفكير بأنه فيما لو لا نمتلك شقّة أو لا يمكننا قضاء إجازة على شاطيء البحر:

 فلن نستطيع إمتلاك شعور أو إحساس بالسعادة.

 يُعتبَرُ هذا الطرح بعيداً جداً عن الواقع أو مُنفصلاً عنه.

 إمتلاك معيار منفتح على العالم، يعني بالضرورة إمتلاك الوعي بواقع الكائن البشريّ:

 فالواقع في أفريقيا هو واقعنا أيضاً.

 تصنيف كل الأشياء السلبية التي تحدث لنا "بالفظيعة" ليس شيئاً بنّاءاً، حيث يُعاني هذا التصنيف من إخفاق انفعاليّ لا يساعد على حلّ الأوضاع. بالتالي، ما هو بنّاء أكثر، ما هو وظائفيّ أو وظيفيّ أكثر:

هو العمل على تصنيف ما يحدث لنا ضمن المنطقة المركزية من خطّ تقييم الأشياء الحياتية، لا ضمن مناطق الأطراف، سيما طرف الفظاعة والمرارة.

لدى مواجهة وضع سيء ما، علينا مواجهة السؤال التالي:

"إلى أيّ حدّ، يمنعني هذا الوضع من تحقيق أشياء قيّمة في حياتي؟".

أو السؤال الآتي:

"ما الذي يمكنني فعله في ظلّ هذا الوضع السيّء؟".

مهما إسودَّ لون هذا الوضع، فهناك تدرُّجات لونية ممتزجة مع اللون الأبيض!

يتبع

مواضيع ذات صلة

العلاج المعرفيّ (1) مقدمة ومصادر هذه السلسلة

العلاج المعرفيّ (2) في أصل الإنفعالات الحسيّة

أصلُ مُصطلح علم النفس

الفارق بين علم النفس المعرفي وعلم النفس السلوكي

No comments: