2025/10/18

Cognitive therapy (15) العلاجُ المعرفيُّ

 

33. قاعدتان قديمتان أساسيتان

- كم هو وزن القليل من الثلج؟ - سأل معلّم تلميذه.

- لا شيء - أجابه الشاب.

- إذاً، دعني أشرح لك القصّة التالية. جلستُ أحد الأيام على هذه الكرسي هنا وتأملتُ بالشجرة القريبة منّا. بتلك اللحظة، بدأ تساقط الثلوج، لم يسقط الكثير منه، بدا تساقطاً خفيفاً، كما لو أنه حلم، دون إحداث أيّ ضجيج.

أنصت الشاب إلى كلمات معلمه، فقد اعتاد على تلقي تعاليم هامة منه. تابع المعلم كلامه، قائلاً:

- وعلى اعتبار أنه لم يكنّ لديّ شيء أقوم به، بدأتُ أعدُّ قطع الثلج المتساقطة على أحد أغصان الشجرة. بلغ عددها 32346 قطعة بالضبط. ولكن، عندما انضمّت قطعة ثلج جديدة أي أصبح عددها 32347، انكسر الغصن. لاحظ أنّ كل قطعة ثلج تزن "لاشيء"، كما تقول أنت.

سندرس قاعدتين قديمتين، لكن، أساسيتين، تسمحان لنا بتحقيق أهدافنا في الحياة، بل وحتى تضفيان شيئاً من النظام والترتيب على تفكيرنا.

سنتعلّم اتباع عنوان محدد للحفاظ على الإيقاع، خطوة خطوة، وهو ما يسمح لنا بالجري لمسافات طويلة.

القاعدتان، هما:

1. ما أبدأه، أنهيه.

2. ما قلت بأني سأقوم به، سأنجزه.

فيما لو نتعود على تنفيذ إلتزاماتنا، خصوصاً الشخصي منها، سنتحول إلى أشخاص ناضجين يمكنهم إنجاز ما يقترحونه بسهولة، وتبدو انفعالاتهم السلبية خفيفة ومنطقية ومفيدة.

القلق، العُصاب، الحزن، التردُّد، الخجل، الكسل:

 عبارة عن انفعالات لا يمكن تفاديها في الغالب الأعمّ. 

حيث تحضر في حيواتنا في كثير من المناسبات. لكن، مع الإنتباه لأنّ الشخص الناضج، يسمح لها بالحضور ويستثمرها لكي يتعلم أشياءاً عمليةً بحياته.

تحدثنا سابقاً حول تعبير ياباني هو أروغاماما ويعني "التناغم مع الطبيعة". يعود أصل التعبير إلى حكمة الزن. ينطوي أورغاماما على فهم أنّ الطقس بارد في الشتاء وحار في الصيف، وأنّ الزلازل عبارة عن قوى تتخطانا ومن الأفضل تعلُم التعايش معها وتطوير تقنية معمارية تشبه تقنية المنازل الورقية.

عندما تصبح الإنفعالات سلبية لامنطقية، فمن الأفضل تجاوزها. يعني هذا تجاهلها ومتابعة الطريق الذي قررنا السير فيه مسبقاً.

34. برمجة العقل

تُروى، بين أسلاف بلدة أقزام، القصة التالية:

بيوم من الأيام، اقترب أسد عطشان من بحيرة مياهها صافية، وعندما انحنى ليشرب، رأى وجهه منعكساً على سطح المياه للمرة الأولى بحياته. فخاف وقال لنفسه:

"يبدو أن هذه البحيرة هي جزء من النطاق الحيوي لهذا الأسد المُخيف. لهذا يجب أن أذهب حالاً!".

لكن، دفعه عطشه الشديد للعودة بعد مضي عدة ساعات. اقترب بحذر من البحيرة، وعندما مدّ رقبته ليشرب، رأى منافسه من جديد!

لم يصدق ما رآه!

كم هو سريع ومتيقظ هذا الحيوان اللعين!

ماذا كان بإمكانه أن يفعل؟

فالعطش كاد يقتله ولا توجد أيّة بحيرة أخرى قريبة.

دفعه وضعه اليائس إلى الدوران حول البحيرة لكي يدخل من مكان ما مظلم.

ولدى وصوله إلى مكان، سحب نفسه وانحنى ليشرب، ولكن، خرج له ذات الوجه!

أصابه الإحباط الشديد. لم يواجه حيوان آخر شديد التمسك بمحيطه لهذه الدرجة.

لكن، في النهاية، دفعه عطشه إلى التحلي بالشجاعة واتخاذ القرار بشرب المياه مهما كلفه الأمر، فتوجه نحو ضفّة البحيرة، ودون التفكير بشيء، أحنى رأسه نحو المياه وشرب حتى ارتوى.

 كما يروي قدماء الأقزام، ذهب بعدها، وكأن سحراً قد وقع له!

فمنافسه القوي قد اختفى للأبد!

الدرس المهم من القصّة أعلاه هو أنّ هيمنة الخوف على العقل تحرمنا من عمل الكثير من الأشياء، التي قد تبدو حيوية وهامة أحياناً.

جميع الظواهر الذهنية – القلق، الاكتئاب، التوتُّر، الحياء أو الخجل، الخ – هي عبارة عن مُنتَج ذهني خاطيء يمكننا التحكُّم به عبر منهج مناسب وبشكل سريع وحاسم، أي من خلال إعادة برمجته على نحو سليم وفعّال.

عندما نتمتع بذهنية مستقرة، فسيسير اليوم بشكل طبيعي، من متعة إلى أخرى. لأننا نعثر في كل الأرجاء على فرص القيام بشيء ما وسيصبح "الحاضر الجميل" مقرَّنا بغضّ النظر عن الحالات الذهنية.

35. المنهج ثلاثي الخطوات

كل شيء في العقل (الدماغ)، سواء انطوى على الشرّ أو على الخير.

 حيث يمكن أن يُشكِّلَ الصديق الأفضل أو الصديق الأسوأ.

ما هو سرّ تطوير القوّة الحسية الانفعالية؟

ما هو مفتاح إنهاء أيّ خوف أو عقدة أو إنزعاج نفسيّ؟

يقدم علم النفس المعرفي الإدراكي الجواب:

 العلاج عبارة عن تعلُّم مُتكوِّن من ثلاث خطوات، هي:

1. التوجُّه نحو الداخل (البحث عن السعادة داخل الشخص).

السبب الرئيسي في عُصابنا كبشر هو الإعتقاد بتواجد السعادة في الخارج. هو الخطأ الرئيسي الذي يُصدِّع الدماغ. نرتكبُ هذا الخطأ في كل مرّة نقول، خلالها، لأنفسنا أشياءاً من قبيل:

"عندما تملك شريكة، ستستمتع بالحياة أكثر" أو "إن لم أكن مصاب بهذا السرطان، فيمكن أن أكون بحال أفضل" أو "لو كنت أكثر جمالاً، لكانت حظوظي في الحياة أفضل بكثير".

 يُشكِّلُ هذا الطرح خطأً جسيماً، لأنّ المبدأ النشط للسعادة يحضر في داخلنا، لا في الخارج.

ويُشكِّلُ عدم الانتباه لهذا الأمر – على نحو متكرر – إلى زرع بذرة الضعف الحسي الإنفعالي النفسيّ فينا.

في كل مرّة ننزعج فيها، يمكن أن نتساءل:

"ما الذي فعلته لأنزعج؟".

إن يوجّه زميل عمل إساءة لنا ونشعر بالانزعاج، فالسبب ليس الإساءة بذاتها، بل بسبب حوارنا الداخلي، الذي نقوله لأنفسنا لدى حدوث المحن أو المصائب. فعوضاً عن النظر للخارج، يجب النظر للداخل ببساطة.

2. تعلُّم السير بخفّة (القدرة على التخلي عن كل شيء).

يُحكى أن سائحاً في اسرائيل قد رغب بالتعرُّف على حاخام معروف هو هيليل الحكيم. فعندما دخل إلى بيته، تفاجأ بأنه لا يوجد سوى رف مليء بالكتب ومقعد خشبي يجلس عليه الحاخام.

 فسأل السائح:

- لكن، حضرة الحاخام، أين هي مفروشاتك؟

- وأين هي مفروشاتك؟ - أجابه الحكيم.

- لكن، أنا هنا مجرّد عابر ..

- وكيف ترى وضعي؟ - ختم الحكيم كلامه.

 السبب الأول للتعاسة هو الإعتقاد بأننا نفتقد للأشياء أو بحالة عوز لها. فيما يبدو، وعلى نحو معاكس، بأنّ معرفة ما يزيد عن حاجتنا هو سبب السعادة.

ما يسمى "العيش في شلل الوفرة" أو "في شلل العَوَز".

خلف كل "عُصاب" – خلفها كلها! – يوجد عجز عن تجاوز "إحتياج مُخترَع"، تطلُب مُبالَغ فيه. دوماً! ويكمن الحل بالتخلي عنه، عندما نفهم بأننا لا نحتاج لا هذا ولا ذاك.

تنتج الحالة العُصابية عن "الإحتياجات المُبالَغ فيها"، وهو اعتقاد يعتبر بأننا نحتاج كثير من الأشياء لنحصل على السعادة أو لنكن على أفضل حال.

3. تقدير ما يُحيط بنا (تعلُّم الافتتان بالحياة).

في البوذية – كما في علم النفس الإدراكي المعرفي – فنّ تقدير المحيط أساسيّ.

 يسمون هذا في اليابان "وابي – سابي".

يوجد أشخاص يعشقون الحياة، فيما يبدو العالم لآخرين كشيء ممل لا يوفر الكثير.

يعيشون كلهم في ذات المكان. يكمن الفارق بأن البعض قد أشعل ضوء التقدير؛ فيما أطفأه البعض الآخر؛ يسمح البعض لنفسه بالاستمتاع بأشياء صغيرة؛ فيما يبحث البعض الآخر عن إنفعالات حسية قوية أو عن لا شيء، بحيث لا يُحصِّلون شيئاً في النهاية.

فمن الروعة بمكان، تمييز ألوان الطبيعة، تنفُّس هواء نقيّ، سماع موسيقى مميزة، بل حتى إحساس الشخص بجسده ذاته! بالنسبة للذهن المتمرّس في التقدير، يمتليء المحيط بأشياء ممتازة ممتعة تستحق الإهتمام.

 إذاً نسبح في عالم غنيّ وجوانب النقص أو العوز في حيواتنا لا تمتلك أية أهمية.

نعيش في "عالم الوفرة" هذا عملياً.

إن نصل لتمثُّل هذه الخطوات سلوكياً، فسنتحول إلى أشخاص أحرار من "التهويلات"، أقوياء وسعداء.

أي ستظهر النسخة الأفضل منّا ذاتنا.

العيش الرحب لا عيش العذاب

عمل شاب مختص بالطب النفسي في مشفى نفسي. في أول يوم عمل له، وخلال جولته في المكان، شاهد مريضاً جالساً على كرسي يتحرك للأمام وللخلف ويكرّر دون توقف القول:

 "لولا، لولا، لولا! ...".

- ما الذي حصل مع هذا الرجل؟ سأل مدير القسم.

- آه، لولا! شكلت حبّه المستحيل. يتذكرها بشكل دائم – أجاب مدير القسم.

تابع الشاب الاخصائي جولته ليصل إلى غرفة فيها مريض آخر، كان يطرق رأسه بالجدار ويصيح:

"لولا، لولا، لولا! ...".

بالحال رجع وسأل مدير القسم:

- تعود مشكلة هذا المريض إلى لولا ذاتها؟

- تماماً. لكن، هذا هو الشخص الذي قد تزوجها!

في كل يوم يمرّ، يتضح أكثر بأنّ نجاح العلاج، كل نموّ شخصيّ، يمكن إيجازه بالآتي:

"عيش السعادة في مكب النفايات".

حيث تبدو التعاسة كتبعة لما يُعاكس هذا الطرح، تبعة لما يمكننا تسميته "الرغبة الغبيّة المتواصلة بالبقاء في الجنّة"، بعد أن نقوم بتحقيق قسم هام من التغيُّر نحو المنعة والإستقرار الإنفعالي الحسي. إثر لحظة الفهم هذه، سيتوقف تغيُّرنا على الممارسة.

بناءاً على ما سبق، يوجد زوج من الظواهر، التي يتوجب علينا أخذها بالحسبان:

أولاً، يتمكن الكائن البشري من خلق وجهات نظر مختلفة، بشكل دائم، حول جميع الأوضاع، بحيث تتحول إلى أوضاع هامة وممتعة.

ثانياً، امتلاك هذه المَلَكة، التي تسمى "عكس الانفعال الحسي أو تجاوزه"، والذي يمكن أن يتحول إلى متعة بذاته.

يرى علم النفس السلوكي بأنّ الشخص يبحث عن التماس مع ما يؤرقه ويهدم الترابط بين "الشيء – الإحساس". في الواقع، هذا يّذكرنا بالفكرة الشعبية التي تعتبر أن مجابهة المخاوف هي السبيل للتحقق من كونها مجرّد أشباح. بالنسبة لعلم النفس السلوكي، التفادي هو أمَّ المشكلة، لأنه بصيغة ما، يُوسِّع الخوف. كما لو أن شخصاً يقع وهو يتزلج فوق منحدر ويقرر إنهاء التزلج لأنه خاف. في المقابل، فيما لو يواجه الموقف مباشرة، يمكن التغلُّب على الترابط الخوف – الوضع ويتابع تزلجه.

لا يبحث الأشخاص الأقوياء والسعداء عن "الجِنان"، فهم يصنعوها! أو بكلمات أخرى، يحولون "مكبات النفايات" إلى "جِنان".

كيف يقومون بهذا؟

يمتلكون الأدلة على تمكنهم من أن يتمتعوا بالسعادة بأيّ ظرف وأيّ وضع.

بالاقتناع والمثابرة!

أطلق الفلاسفة الرواقيُّون على هذه الظاهرة تسمية:

 "الحصن الداخلي"؛ أي، امتلاك خصلة كوننا منتجين للسعادة، بشكل مستقل عن الخارج.

لكي تصير قوياً، يتوجب عليك معرفة خلق "الجِنان" في "مكبات النفايات".

يتمكن الكائن البشري من تحويل أيّ وضع إلى تعلُّم وتمتُّع.

يُشكِّل حوار الشخص مع نفسه أمراً مركزياً في هذه العملية.

يتبع

مواضيع ذات صلة

العلاج المعرفيّ (1) مقدمة ومصادر هذه السلسلة

العلاج المعرفيّ (2) في أصل الإنفعالات الحسيّة

العلاج المعرفيّ (3) الإستفظاع هو أمّ جميع الإضطرابات الإنفعالية

العلاج المعرفيّ (4) الرغبات والإحتياجات

العلاج المعرفيّ (5) الإنشغال الزائد وروتين النقاش المعرفيّ

العلاجُ المعرفيُّ (6) الملل والخجل وإتخاذ القرارات

العلاجُ المعرفيُّ (7) الصداقة وإطلاق الأحكام والشجار والتهدئة

العلاجُ المعرفيُّ (8) العدالة وضرورة العمل

العلاج المعرفيّ (9) الإحباط والمعاناة من الواجبات والإهتمام بالصحّة

العلاجُ المعرفيُّ (10) مصدر السعادة والمنهج العلاجي الإدراكي المعرفي واتقدير الذاتيّ والإكتفاء

العلاجُ المعرفيُّ (11) تجاوز العُقد ولا للصراع مع الأشياء والأشخاص

العلاجُ المعرفيُّ (12) مواجهة المصائب ولا خشية من المسؤولية وضرورة تخفيف القلق

العلاجُ المعرفيُّ (13) ضرورة تجاوز الآلام والمخاوف والموت

العلاجُ المعرفيُّ (14) تحقيق التغيير والرعونة والغيرة والعيش وحيداً

أصلُ مُصطلح علم النفس

الفارق بين علم النفس المعرفي وعلم النفس السلوكي

No comments: