2025/10/17

Cognitive therapy (13) العلاجُ المعرفيُّ

25. لا خوف من الآلام

أرسل معلّم هندوسي مسنّ تلميذه الشكّاء البكّاء ذات صباح لجلب الملح.

وعندما عاد، أمره بوضع قليل منه في كأس ماء وأن بشرب المحلول الناتج.

- ما هو طعمه؟ سأله المعلّم.

- قويّ للغاية! أجاب التلميذ.

ضحك المعلّم، وقال له أن يضع ذات كمية الملح في بحيرة.

مشى الإثنان سوياً، رمى التلميذ الملح في البحيرة.

أمره المعلم بشرب الماء من البحيرة.

وبعد أن شرب التلميذ، سأله المعلّم:

- ما هو طعمه؟

- طعم رائع ومميز.

- ألا يوجد أثر للملح؟

- كلاّ، أجاب التلميذ.

جلس المعلم بقرب التلميذ، وبكثير من الحنان، شرح له الأمر:

- الألم في هذه الحياة عبارة عن ملح صافي، لا أكثر ولا أقلّ. فكمّ الألم هو ذاته بالنسبة للجميع، لكن، تتوقف مرارته على الوعاء الذي نصبه به. هكذا، عندما تختبر الألم، الأمر الوحيد الذي يتوجب عليك القيام به هو توسيع فهمك وتفهمك للأشياء. فيمكنك أن تتحول، انت ذاتك، من كأس إلى بحيرة.

الألم ليس أكثر من شيء غير محبب، لكن، لا يمكنه حجب الحياة كليّاً، لأننا قد نختبره بأيّة لحظة، فدوماً يمكننا القيام بأشياء إيجابيّة تحقق لنا الرضى. يمكننا التأكيد على مقولة:

 "تحيا الحياة، رغم الألم!".

نعرف بأنّ الأشخاص الذين يتحكمون بإنفعالاتهم ويعيشون بسعادة فعلياً، هم أولئك الذين يقدرون الحياة، التي لن يعكّر الألم صفوها ولن يُفقد التنعُّم الحيوي بها. يعرف أولئك الأفراد كيف يحددون الفرص المختلفة بوجودهم وليس لديهم خوف تجاه أيّة آلام جسدية.

بالتالي، نقول لأنفسنا:

 "يمكنني تحمُّل الألم ببساطة. لا يُخيفني الألم. أستطيع استيعابه وأستمتع بهذه الحياة الرائعة".

متسلحون بقدرتنا الهائلة على العقلنة، يمكننا كبالغين اختيار الطريقة المناسبة لفهم الألم بصورة إيجابيّة أكثر.

بالعموم، تسمح الإعتقادات المنطقية لنا بتحقيق تحمل جيد للآلام، وهي:

- الألم ليس شأناً قابلاً للعزل فقط، بل يمكن تعديله من خلال العقلنة أيضاً.

- يمكن لأيّ كان أن يقوم بهذا، حتى الأطفال بعمر ثلاث سنوات.

- حتى مع الشعور بالألم، يمكن القيام بأشياء قيّمة، بحيث تمنحنا سعادة ملموسة. بالتالي، لا يجب أن يهدمنا الألم تحت أيّ ظرف.

- يمكن أن يساعدنا الألم في التركيز بما هو مهم فعلياً.

عموماً، نميل إلى تضخيم الإحساس بالألم، فنضيف له جزء نفسيّ قد يصل إلى 90% مما نتلقاه منه بالنهاية.

الأشخاص الذين لا يضخمون الألم، يلفتون انتباهنا، كأنهم يمارسون اليوغا، لكن نمتلك جميعاً هذه القدرة.

تتمثل الاستراتيجية الخاصة بتحقيق هذا الأمر: بالتخلُّص من الخوف من الآلام.

لأجل التخلُّص من هذا الخوف، يتوجب علينا فهم إمكان شعورنا بالسعادة بالرغم من حضور ألم عندنا، فيما لو نتوقف عن التذمُّر ونركّز في أشياء قيّمة.

الألم أو عدم الراحة المقبولة بفرح، يمكن أن تشكّل نعمة، لأنها تدفعنا إلى البحث عن متع أكبر من خلال  التعامل مع الفنون وعبر المحبّة.

26. تحويل الحياة إلى شيء ممتع

في يوم صيفيّ، رأت الناس الحكيم ناصر الدين (جحا) خارجاً للبحث عن شيء، وبدا عليه نوع من الإنفعال. هبُّوا إليه وسألوه:

- هل توجد مشكلة، مولانا؟

- لقد فقدتُ مفتاحي، أجابهم.

وحاول جميعهم تقديم يد العون له. وإثر مضي بعض الوقت، وكان الجوّ حاراً، جلس أحد الجيران على حجر وسأل:

- قل لي، مولانا، ما الذي كنت تقوم به خلال آخر لحظة رأيت فيها المفتاح؟

- كنت أدرس في المنزل.

وجّه الجميع أسماعهم إليه لينصتوا إليه بشكل أفضل. فتابع الجار أسئلته:

- إذاً، أين تعتقد أنك قد أضعت المفتاح؟

- في المنزل، ابني العزيز. بالضبط هناك - أجاب الحكيم ناصر الدين بهدوء.

جُنَّ جنون الجار، وقال بأعلى صوته:

- إذاً، لماذا تبحث عنه هنا في الشارع؟

- لأنّه يوجد هنا الكثير من الضوء، ابني العزيز، يوجد هنا ضوء ساطع.

يبحث الكثيرون عن مفتاح السعادة عبر الإنجازات والمتع والعلاقات، يعتقدون بأنّ الحلّ دوماً في الخارج. يبدو أنه يوجد الكثير مما يلفت الإنتباه في تلك الأشياء.

مع ذلك، هم قلائل مَنْ يظفرون ويبحثون عنها في داخلهم.

27. إنزعاجات ناشئة عن الذهن

في أحد الصباحات، توجّه الموت نحو إحدى المدن، فصادفه شخص وسأله:

- ما الذي ستقوم به؟

- سأحصد حيوات مئة شخص - أجاب الموت بصوته الفظّ والمتقطّع.

- هذا مريع! قال الشخص.

- هذا ما يجب أن يحصل، ردّ الموت. فهذا ما أقوم به.

جرى الشخص بأقصى سرعة، لكي يُحذّر كل من يعرف مما هو قادم.

مضى النهار وحلّ الليل. تواجه ذات الشخص، من جديد، مع الموت:

- قُلتَ لي بأنك ستحصد حيوات مئة شخص!

 لماذا حصدت حيوات ألف؟ أجابه الموت، بهدوئه المعهود، بالآتي:

- لقد أكملتُ كلمتي. لقد حصدت حيوات مئة شخص وحصد الخوف حيوات الباقين!

توجد اضطرابات ذات منشأ نفسيّ، أمراض من كل نوع وتبدو جسدية ظاهراً، لكن، قد خلقها الذهن واقعاً.

ليس المسؤول عن تلك الشرور فيروس، كما بيّنت القصّة أعلاه، بل شيئاً إسمه الخوف.

تظهر عوارض نفسية المنشأ من خلال آليّة إرتداد. نحن أنفسنا من يُنتجها.

أنتِجُ القلق خوفاً من القلق!

 أنتِجُ التعب خوفاً من الإجهاد!

هو شيء شبيه بالأثر الناتج عن الذهاب على دراجة هوائية ورؤية مطب، وكمحاولة لتفاديه، يأمرني ذهني بالمرور فوقه!

لأجل القضاء على الخوف المفرط، علينا مجابهة الأحساسيس المخيفة.

لا يوجد علاج سواه.

كلما أسرعنا بإنجاز هذا الأمر، كلما حصدنا نتائج أفضل في العلاج النفسي المعرفي. سواء عانينا من تعب ذو عوارض نفسية أو قلق أو ضبابية ذهنية أو آلام مخلوقة من قبل الذهن، فستعيد الآليات التالية لنا لون الوجه والإبتسامة والشغف في الحياة.

فيما لو نتحرر من الخوف والقلق والألم والإجهاد ذو المنشأ النفسي:

 ستتلاشى كلها.

عندما نختبر هذا الإنزعاج، يمكننا قبوله وتفهمه وتقديم أفضل ما عندنا، لكن على وجه الخصوص، علينا مواجهة الوضع المخيف دوماً.

28. تجاوز الموت وسواه من منغصات الوجود

تقدّم المعلّم النبيه من أبواب القصر الملكي، وعلى اعتبار أنه شخصية معروفة، لم يستوقفه الحرس، تابع سيره  حتى وصل إلى قاعة العرش ذاتها. وجد الملك جالساً هناك.

- ماذا تريد؟ سأله الملك، الذي عرفه بالحال.

- يسرني النوم في هذا النزل الصغير - أجاب الحكيم.

- لكن، هذا ليس نزلاً صغيراً! هو قصري الرائع! ردّ الملك.

- هل يمكنني أن أسألكم: من امتلك هذا المكان قبلكم؟

- والدي، الذي مات. أجاب الملك.

- وقبله؟

- جدّي، الذي مات أيضاً.

- بالتالي ألا يُطلَقْ إسم نزل على مكان يذهب إليه ومنه أشخاص مختلفين؟!

حين نواجه أزمة وجودية أو نخشى الموت، نقول عادة الآتي:

 نتواجد في هذا الكوكب المتحرك كضائعين في غياهب المجرّة. فيما لو نُمعن التفكير بهذا، فسيسكننا القلق، سيما أننا سنموت وهو الأمر المُرعب!

فعلياً، كل ما تجب معرفته حول معنى الحياة، يتضمن كوننا نحن جزءاً منها. نحن أبناء الطبيعة. دوماً، حين نتناغم معها، سنصبح بأحسن حال.

عندما نتوجه إلى التنزُّه في الجبال، تمنحنا رؤية الأحراش وسماع أصوات متناغمة فيه، كخرير المياه وأصوات الطيور، السلام.

يحدث هذا جرَاء اتصال دماغنا بكل ما يُحيط بنا.

تُنشّط الأشياء الجميلة أعصابنا وتُشعرنا بالروعة.

فلا يهمنا كثيراً أن لا نعرف من أين أتينا ولا إلى أين نذهب، لكن، هذا لا يهم، نعرف بأننا نتواجد هنا حيث نتوقف ونبقى.

بل أكثر من هذا، من الأفضل جهل معنى الحياة، لأنّ هذا يعني بأننا ننتمي إلى شيء ضخم للغاية، شاسع للغاية، ولن نتمكن من فهمه في لحظة معطاة.

لم يقم العلماء بأكثر من اكتشاف شيء بسيط للغاية من هذا الكون المترامي الأطراف، القليل جداً، لكن، نعرف بأنه شيء مدهش من التعقيد والإتساع. علينا الانتماء إلى شيء كهذا - رغم أننا لا نفهمه - على أن ننتمي إلى شيء صغير مملّ.

لا يزال الموت أحد أكثر المواضيع "تنغيصاً". وعندما لا نتقبله، سنعاني بصورة مضاعفة عند موت أحد الأحبة، ونعاني بصورة أكبر عندما يجري تشخيص مرض خطير نعاني منه.

تعود كل هذه المخاوف إلى سوء فهم للحياة وللموت.

 بإمكاننا امتلاك موقف آخر إزاء الموت - مُتأثّر بشكل أكبر ومُخيف بشكل أقلّ - لأنّ كثير من المجموعات البشرية، بطول تاريخها، قد قبلت الموت بصورة طبيعية.

شعر سكّان أميركا الأصليُّون، أحد أكثر الشعوب اعتماداً على الغذاء الطبيعي، بتعاطف واحترام حيال "الشقيق الموت".

 فعندما يقترب أجل المسنّ عندهم، يجتمع مع أحبائه ليخبرهم التالي:

"لقد عشتُ ما هو كافٍ يا أحبائي، وغداً، سأغادر للالتقاء بالروح الكبرى".

وبهذا يتوجه إلى الجبال، دون طعام، لكي يموت هناك.

 لا يشكّل هذا عملية أسطرة للهنود الحمر ورعاة البقر.

إنّ التفكير السيء بالموت، تحويله لنوع من الهوس، عدم قبوله، يشكّل جواز سفر العبور نحو العُصاب.

كل موت وأيّ موت هو عادي ومنطقي، تموت الناس ويشكّل هذا حادث طبيعي عند الكائن البشريّ.

يجب أن نقوّي جهودنا لأجل فهم أن الموت: هو أمر حسن.

بل وحتى الموت الباكر، هو أمر لا يمكن تفاديه ويُكمِل وظيفة.

جهل المعنى الأخير للحياة هو أمر إيجابي، بحيث يقول لنا هذا بأننا ننتمي إلى كون هائل الإتساع والتعقيد، وهذا أمر رائع بحدّ ذاته.

يتبع

مواضيع ذات صلة

العلاج المعرفيّ (1) مقدمة ومصادر هذه السلسلة

العلاج المعرفيّ (2) في أصل الإنفعالات الحسيّة

العلاج المعرفيّ (3) الإستفظاع هو أمّ جميع الإضطرابات الإنفعالية

العلاج المعرفيّ (4) الرغبات والإحتياجات

العلاج المعرفيّ (5) الإنشغال الزائد وروتين النقاش المعرفيّ

العلاجُ المعرفيُّ (6) الملل والخجل وإتخاذ القرارات

العلاجُ المعرفيُّ (7) الصداقة وإطلاق الأحكام والشجار والتهدئة

العلاجُ المعرفيُّ (8) العدالة وضرورة العمل

العلاج المعرفيّ (9) الإحباط والمعاناة من الواجبات والإهتمام بالصحّة

العلاجُ المعرفيُّ (10) مصدر السعادة والمنهج العلاجي الإدراكي المعرفي واتقدير الذاتيّ والإكتفاء

العلاجُ المعرفيُّ (11) تجاوز العُقد ولا للصراع مع الأشياء والأشخاص

العلاجُ المعرفيُّ (12) مواجهة المصائب ولا خشية من المسؤولية وضرورة تخفيف القلق

العلاجُ المعرفيُّ (14) تحقيق التغيير والرعونة والغيرة والعيش وحيداً

العلاجُ المعرفيُّ (15) قواعد نافعة وبرمجة العقل والمنهج العلاجي المعرفيّ

أصلُ مُصطلح علم النفس

الفارق بين علم النفس المعرفي وعلم النفس السلوكي

No comments: