مدخل
على مدى زمني غير قليل، قرأتُ ثلاثة كتب للأخصائي الكاتالاني الإسباني بعلم النفس رافائيل سانتاندرو، هي:
أولاً: فنّ عدم إكساب الحياة طعم المرارة
باللغة الإسبانيّة: El arte de no amargarse la vida
ثانياً: نظّارات السعادة
باللغة الإسبانيّة: Las gafas de la felicidad
ثالثاً: العيش سعيداً في آلاسكا
باللغة الإسبانيّة: Ser feliz en Alaska
حيث تتحدث الكتب الثلاثة حول علم النفس المعرفيّ، وهو قاعدة علاج الأخصائيّ
رافائيل.
يؤكد المؤلِّف على قدرة أيّ إنسان، هذه الأيام، على تحقيق "علاج
ذاتيّ" من خلال قراءة هذه المواضيع، سيما أنّه يستخدم لغة علمية بسيطة خالية
من التعقيدات ويمكن لغالبية الناس التعامل معها.
لهذا، أقدِّمُ في هذه السلسلة زبدة ما قرأته، أو ما فهمته، في الكتب الثلاثة، وكلي أمل أنَّ فهمي سليم نوعاً ما، كي يحمل فائدة ما، وإعتذارات كبرى عن أيّة أخطاء محتملة، قد ترد في هذه السلسلة.
1. مُقدِّمة
يُعتبر الأخصائي النفسي الأميركي ألبرت إليس مؤسساً للعلاجات المعرفية السلوكية (إضافة إلى آرون بيك، أستاذ التحليل النفسي في جامعة بنسلفانيا).
لكن، بحسب هذا المصدر، أوّل
من إستخدم تعبير "علم النفس المعرفي" هو الأخصائي النفسي الأميركي من أصل
ألماني أولريك نيسر.
لدى الحديث عن أخصائيين
في هذا الحقل النفسيّ، يبرز كلٌّ من:
إدوارد تيتشنر وولفغانغ كوهلر وفيلهلم فونت وجان بياجيه ونعوم تشومسكي.
تأثَّر السيِّد سانتاندرو بطروحات إليس، مع ذلك، يذهب بعيداً، لأنه يُشير
إلى ضرورة استكشاف الأفكار والتقاليد والعقائد غير العقلانية، التي نتمسك بها، وقد
اكتسبناها طوال حيواتنا، وتشكل فعلياً السبب في معاناتنا وإحباطاتنا وإصابتنا
بأمراض نفسية متنوعة.
في الوقت الراهن، يشكّل العلاج النفسيّ المعرفي:
مدرسة نفسية ذات قاعدة علمية هي
الأكبر، وقد دُعِّمَت بدراسات ذات فعالية مثبتة.
يوجد أكثر من ألفي بحث مستقلّ، منشور في مجلات متخصصة، داعم لفعاليته.
لم تكتسب أية صيغة علاجية نفسية أخرى هذا النجاح، الذي لاقاه العلاج النفسي
المعرفي.
يعمل آلاف الأخصائيين بعلم النفس، في جميع أنحاء العالم، بالعلاج المعرفي،
وكانوا شهوداً على فعالية مناهجه.
وقد غيّر هذا العلاج حيوات مئات آلاف الأشخاص، لكن، يجب التأكيد على خضوع
العلاج المعرفيّ لعملية نموّ وتطور مستمرين.
يعتبر رافائيل سانتاندرو بأنّ "كلّ شيء حاضر في العقل أو الذهن"،
بالتالي، تبدأ المشاكل فيه؛ وستتنطلق الحلول منه:
حتماً.
بكلمات أخرى، يؤدي تعديل الأفكار
إلى تعديل السلوك.
بناءاً عليه، علينا تعلُّم التعامل السليم مع هذا العقل، لكي نصل إلى
النتائج المرجوة المفيدة.
يعود ظهور الكثير من المشاكل النفسية الراهنة إلى إمتلاك فلسفة خاطئة عن
الحياة.
فبسهولة، قد نُصاب بالإكتئاب والقلق أو بالبؤس الشديد.
يجعلنا الكثير من إعتقاداتنا تُعساء أي لا نشعر بالسعاده، على سبيل المثال
لا الحصر:
عدم وجود إرتباط عاطفي أو زواج؛
عدم تحصيل شهادة جامعية أو ما شابه؛ عدم الوصول إلى منصب هام أو عدم تحصيل وظيفة
محترمة ....الخ.
يبدو العدو الرئيسيّ للإنسان هو ما نسميه "العُصابيّة"، ما يعني،
فنّ إكساب الحياة المرارة من خلال العذاب الذهنيّ.
يشكّل الإكتئاب (الحصر) والقلق والوساوس خصومنا الرئيسيين، وعندما نُخضع
أنفسنا لهم، ما سنفقده هو المقدرة على العيش الرحب.
توجد الحياة كي نستمتع بها:
نحب، نتعلم، نكتشف، ....الخ، وسنتمكن من تحقيق هذا، فقط، عندما نتجاوز
العُصاب (أو الخوف، وهو ما يشكّل العارض الرئيسي للعُصاب).
يشكّل العُصاب عملية كبح لرحابة الحياة؛ فيما تشكّل الصحة الذهنية (القوة
الذهنية أو القدرة على ضبط الإنفعالات) جوازَ سفرٍ نحو الشغف والتسلية الحيوية.
يشكّك كثيرون بإمكانية القدرة على تحقيق التغيُّر، ليصبحوا قادرين على ضبط
إنفعالاتهم. وغالبا،ً ما يعبّرون عن هذا، بالقول:
"لقد عشتُ طوال حياتي هكذا، فكيف يمكنني تحقيق التغيُّر خلال فترة
علاج تمتد لبضعة أشهر أو أقلّ؟".
من المنطقي أن يُطرَحْ هذا التساؤل، فكلنا لدينا إنطباع، أو قناعة حتّى، بأنّ:
من شبّ على شيء شاب عليه.
اعتاد جدي، شديد البأس، على القول بنبرة هادئة:
"في حال عدم نضوج الشخص بعمر العشرين، فلن ينضج أبداً!"، وإلى
حدٍّ ما، لديه الحقّ.
لأنه من المؤكد بأنّ تحقيق التغيُّر الجذريّ هو أمر غير معتاد، لكن، لا
يعني هذا بأنه مستحيل.
اليومُ، نعرف بأنّ هذا ليس متاحاً فقط، بحضور مرشد مناسب، بل يمكن للجميع
تحقيق التغيُّر:
لقد طور علم النفس الراهن مناهجاً لتحقيق هذا الأمر.
نحن ككائنات بشرية، بشكل رئيسيّ، كائنات مُفكّرة، نغربل عبر الدماغ كل
الواقع، الذي يدخل ضمن نطاق عمل حواسنا.
فكما قال الشاعر رامون كامبوأمور (1817-1901):
يتوقف تحديد الحياة على "لون الزجاج الذي تنظر إليها من خلاله"،
وهذه ليست عبارة عابرة! بل تشكّل ظاهرة بالغة الأهمية.
وقد حدّدها الفيلسوف اليوناني ابكتيتوس بصيغة أخرى، حين قال:
"لا يؤثر ما يحدث لنا فينا، بل ما يؤثر فينا هو ما نقوله حول ما يحدث
لنا".
لا يعني هذا "عدم الإحساس بمشاعر سلبية"؛ بل يعني "عدم
المبالغة بالإحساس بالمشاعر السلبية أو عدم تهويل الأمور".
توجد فكرة مدمرة وراء كل إنفعال سلبيّ مُبالَغْ فيه - نعم، دوماً -.
يقول تشارلز داروين، أبُ نظرية التطور، واحد من أهمّ أربعة علماء في كلّ
العصور، في أحد كتبه، التالي:
"بعدما
أنهيت أسفاري، ودرست الأنواع الحيّة، توصلتُ إلى خلاصة مفادها أنّ قدر الكائن
البشريّ هو أن يعيش سعيداً، لأنّ جميع الحيوانات، التي تعيش بحرية، تعيش
كذلك".
كذلك، في عزّ القرن التاسع عشر، قد سأل داروين نفسه:
"ولماذا لا نعيش هكذا؟".
الجواب بديهي، فقد أجاب داروين نفسه:
"لأننا
نعيش بصورة مناهضة للطبيعة".
نخترع حاجات او إحتياجات، هي كل مرّة أكثر إلحاحاً، بحيث تتحول، خلال وقت
قصير، إلى أعباء ثقيلة.
وعندما يعمل عقلنا بصورة سيئة، يُولِّدْ حاجات (إحتياجات) مُبالَغْ فيها،
تساهم بإرهاقه وتوليد معاناة هائلة.
الحياة سهلة (بسيطة) جداً، فيما لو نتمتع بالقدرة على التفكير السليم.
من خلال التحكُّم الذهني، ورغم الإحساس بالألم والخيبة والحسرة أو الهيجان،
يكتسب الفرد ثقة بالنفس، تسمح له بالتمتُّع بالإمكانات المدهشة التي توفرها
الحياة.
يتبع
رفائيل سانتاندرو. أحد أخصائيي علم النفس المرموقين في إسبانيا. إثر عمله
كمدرس في جامعة رامون لول، أتيحت له الفرصة للدراسة والعمل مع الأخصائي الإيطالي
بعلم النفس جيورجيو ناردوني في مركز العلاج النفسي بمدينة آريزو الإيطالية.
في الوقت الراهن، يعمل في عيادته في برشلونة وفي المعهد الطبي بمدينة
برشلونة كذلك.
اكتسب كتابه "فنّ نزع المرارة عن الحياة" شهرة بالغة في مجال الطب النفسيّ على إمتداد العالم.
أخيراً، لمعرفة معاني أهمّ المصطلحات
النفسيّة المُستخدمة في هذه السلسلة، او عموماً، أنصحُ
بالرجوع إلى هذين المصدرين المُتاحين نتياً:
1. معجم علم النفس والتحليل النفسي،
تأليف مجموعة من أخصائيي علم النفس جرى تثبيت إسم كل مفسّر لمصطلح، كما ورد في المعجم،
صادر عن دار النهضة العربية بيروت.
2. كتاب تعزيز تقدير الذات، رانجيت
سينج مالهي وروبرت دبليو ريزنر، صادر عن مكتبة جرير العام 2005.
مواضيع ذات صلة
No comments:
Post a Comment