44. تجاوز الخوف عبر الإستهزاء به
في شبابه، عبر ناصر الدين (جحا) الحدود على حماره وسلاله المليئة بالقشّ.
عمل بالتهريب، ولدى وصوله إلى مكتب الجمارك، أوّل ما يقوم به هو الإعتراف بأن إسمه
ناصر الدين ويعمل كمُهرّب.
سجَّلَ الموظفون إسمه مرّة إثر
مرّة.
فتَّشوهُ بشكل دقيق وفتشوا السلال
ووصل الأمر بهم حدّ حرق القشّ ليضبطوا شيئاً، لكن، دون نتيجة ولم يعثروا على شيء
أبداً.
في غضون ذلك، إزداد نموّ ثروة ناصر الدين.
وفي النهاية، عندما أصبح حاكماً قروياً، أرسلوه إلى قرية بعيدة جداً وترك
التهريب إلى الأبد.
بأحد الأيام، في تلك القرية البعيدة، إلتقى أحد عمال الجمارك بناصر الدين
ولم يقاوم توجيه السؤال له:
-
الآن، يمكن أن تقول لي، يا ناصر الدين، ما الذي قمت بتهريبه وقتها ولم نتمكن من
كشفه أبداً؟
-
قمتُ بتهريب الحمير!
أجاب الحكيم ناصر الدين.
تُقدِّمُ هذه القصة العربيّة القديمة مثالاً رائعاً، يقول بأنه في كثير من
الأحيان ما هو مهمّ بالنسبة للبعض هو فاقد للأهميّة لبعضهم الآخر.
حال إمتلاكنا لبعض القيم الواضحة، سيهتم عقلنا بالمهم، بغضّ النظر عن رأي
الآخرين.
لأجل الإستهزاء بالخوف وتجاوزه،
تكفي معرفة ما هو أساسيّ:
سيحولنا هذا التركيز إلى أشخاص أقوياء على المستوى الإنفعالي الحسي أو النفسيّ.
45. كُن كالكلب
ديوجين أحد أهم فلاسفة اليونان، ربما، هو أوّلهم، وتأسست هيبته على نمط
حياته. مجَّدَ ذاك الفيلسوف الفقر وإحتقر الغِنى.
مع ذلك، ضجَّت أثينا يوم قرَّرَ
ديوجين الإنتقال للعيش في جرّة من الفخّار، قد طلبها من صديقه تاجر النبيذ، فوضعها
بالقرب من دَرَج موصل إلى مركز أثينا وحولها إلى مسكنه الدائم.
بمرور عدّة أيّام على إقامته في الجرّة، سأله أحد أقرب الناس إليه:
-
لكن، هل هناك ضرورة لتعيش هكذا؟ ألا تُبالِغ؟
-
هو إختبار، يا عزيزي. فلقد عشتُ كنبيل، الآن، سأثبتُ بأنني أعيش بسعادة كخادم أو
أجير – أجاب الفيلسوف.
لكن، ما لم تتمكن أثينا من فهمه هو تبنيه للقب غريب عجيب.
بمرور فترة على مكوثه في الجرّة، طلب بأن ينادونه "الكلب"، ومن
لحظتها، سيصير تلاميذه "كلاب" مثله.
وقد أوضح ديوجين ذاته الهدف من هذه المُناورة:
-
من الآن أنا "ديوجين الكلب"، لأنني مثل الحيوانات، أرغب بتطبيق مهارة
رائعة:
بألّا يهمني رأي الآخرين أبداً.
الكلاب أحرار فيما يقوموا، أو ما لا يقوموا، به ولا يستحون بمواجهة أحد.
سنُعرَف بالكلبيين وستُعرَف فلسفتنا بالكلبية.
أعشق لقب "الكلب" لأنه لكي تتحرر من الخجل، يجب أن تصبح كلبياً،
أي شخص يعلم بأنّ عناصر السعادة موجودة داخله وأن الإستقلالية أمراً حسناً يجب
الدفاع عنه بمواجهة رأي الآخرين الخاطيء.
التبوُّل على النُقّاد
يُحكى أنه جرت دعوة ديوجين إلى مائدة ثريّ مُعجب به. على إحدى الطاولات،
جلس إراستينيس، فيلسوف مُنافِس ومُعلِّم لأغلب أطفال أغنياء أثينا فتمتع بحظوة
كبيرة. رغم هذا، فهو حسود ولم يتحمل عقله إعتبارهم له مجرّد مُعلِّم؛ فيما إعتبروا
ديوجين رجلاً حكيماً كأسطورة حيّة.
بإحدى اللحظات، مدفوعاً بالشراب،
رفع إراستينيس يده ورمى عظماً إلى ديوجينوس قائلاً:
-
أيها الكلب، إليك طعام شهيّ!
كذلك، كان قد أصاب السُكر ديوجين، فنهض وتوجَّه نحو طاولة المُعلّم. صمت
جميع من جلس إلى تلك الطاولة لسماع ردّه، لكن، رفع ديوجين طرف ردائه وأمسك بقضيبه
وبدأ بالتبوُّل.
إشتعلت القاعة بالضحك، عندها، قال
ديوجين:
-
فعلياً، يمكنني تناول العظام والتبوُّل على مُدعي الحكمة، كما يفعل الكلب بالضبط.
لا يصيبك الإحباط، أيها الصديق، فربما، بيوم ما، قد تتمكن من القيام به أنت.
46. التحرُّر من العادات السيِّئة
ذهب رجل ورع جداً إلى الصلاة كل يوم وأتمّ كافة الواجبات الدينية الكنسية.
بإحدى المناسبات، حدث طوفان وغرقت
الشوارع والمنازل. فصعد الرجل الورع إلى سطح بيته، لكن، إستمرّ إرتفاع منسوب
المياه. هناك في الأعلى، ووصلت المياه إلى ركبتيه، طلب العون من الله. بمرور وقت
قليل، ظهر مركب عسكري، وعرض عسكريّ العون عليه لإيصاله إلى مكان آمن.
-
لا، شكراً. سينقذني الله – قال الورع.
بمرور القليل من الوقت، زاد منسوب المياه ووجب على الورع السباحة. بمرور
ساعة، مرّ قارب آخر ورموا له سترة النجاة، لكن، رفضها هو.
-
لا، شكراً. سينقذني الله – صرخ من وسط المياه.
بنهاية اليوم، إكتشفته طائرة عمودية سابحاً ومرهقاً، فرموا حبلاً لإنقاذه.
-
لا، شكراً. سين....
غرق الورع وجرفته المياه.
عندما إستيقظ ووجد نفسه أمام الله، قال له:
-
أيها الربّ، قلت لي بأنك ستنقذني، لكن، تركتني أموت! صرخ شاكياً.
-
لقد حاولتُ، لكن، قد رفضت المساعدة – أجابه الله.
-
لم يكن الأمر هكذا، قال الورع.
-
أنظر، أرسلتُ لك قارباً وسترة نجاة وطائرة عمودية حتى!
فإن لم تكن هذه مساعدة، فلا أعرف
ما هي المساعدة!
كلنا قد وقعنا في حبائل عادة سيِّئة ما، مثل تناول أطعمة
جاهزة مزعجة؛ أو التواجد مع آخرين لا يناسبنا التواجد معهم؛ أو تمضية الوقت بألعاب
لا معنى لها بدل القيام بشيء مفيد مُنتج.
هي نشاطات قسرية لأننا نقوم بها لملء فراغ عُصابي أي فراغ غير موجود.
تمنعنا هذه العادات السيِّئة من عيش حياة ممتعة حقاً، لأنها قسرية
وروتينية.
في كثير من الأحوال، قد تُسبِّب الكثير من المشاكل لنا مثل إدمان القمار
وممارسة الجنس المحفوفة بالمخاطر وإلتهام الأطعمة غير الصحية دون ضبط أو تحكُّم.
تبحث العادات "المالئة للفراغ والقسرية" عن تغطية فراغ داخلي
سخيف، الذي هو الخوف من عدم القيام بشيء أي الملل والملل والملل!
الخطوتان اللازمتان لإستئصال تلك العادات من حيواتنا، هما:
أ. التحلي بالطموح والرغبة بعيش حياة عذبة وكثيفة.
ب. تنشيط محبة القيام بمهام بسيطة أو صغيرة.
من يشعر بالحاجة لعمل نشاطات "لملء فراغات"، يتوجب عليه التخلي
عنها لحظة القسر أو الإلزام والمراهنة على حياة أكثر رحابة والتوجُّه نحو الشغف
بالأشياء الصغيرة.
المُحفِّز الأكبر للتحرُّر من العادات السلبيّة، هو:
التفكير بأنّ إلغائها سيُقرِّبنا
من عيش حياة رحبة أكثر.
إعتباراً من الآن، فيما لو نتخلى عن نشاطات "ملء الفراغ القسرية"
لتغذية محبة الحياة، بشغف!، سنتجه نحو مصير رائع يليق بنا.
47. عدم القيام بشيء ليس أمراً سيّئاً
"لماذا فقدنا القدرة على عيش فترات خمول؟ كم مرّة نجلس بهدوء، دون عمل
أيّ شيء، دون هدف وبلا مصير، لننزرع بالحاضر، كأحرار؟".
هنري د. ثورو
تواجد المولى ناصر الدين في حديقته. عمل طيلة الصباح في البستان وجلس بفيء
شجرة لكي يسترطب ويرتاح. في تلك الأثناء، لاحظ ثمرة قرع جميلة، ففكَّرَ وقال
لنفسه:
"يا الله، حكمتك كبيرة، لكن، هناك أشياء يمكنني أنا أن أعملها بطريقة
أخرى. أنظر في ثمرة القرع الرائعة تلك والتي تنمو مرمية على الأرض. ثُمّ أنظر إلى
الجوزة:
ثمرة صغيرة معلَّقة على شجرة ضخمة. لو الأمر لي، لعملتُ العكس:
أعلق ثمار القرع بشجرة وأجعل الجوز ينبت من الأرض".
هكذا، بقي يتخيل أشياء أخرى على هذه الشاكلة. وقتها، حرَّك نسيم قويّ أغصان
شجرة الجوز التي فوق رأسه، فسقطت جوزة على صلعته وجرحته جرحاً خفيفاً.
فقفز المولى من مكانه وعاد لمناجاة
ربِّه مبتسماً، فقال:
-
أعذرني يا ربّ! حكمتك كبرى. فيما لو أنني أنا من يُقرّر هذه الأشياء في الأرض،
فالآن، لا أصلي لك، بل سأكون في المشفى بعد سقوط ثمرة القرع الرائعة عليَّ!!
أحد أكثر عُصابات هذه الأيام التقليدية هو الخوف من عدم
القيام بعمل شيء، أي عاطل عن العمل أو شخص غير منشغل أو مشغول. الحديث عن فراغ
مُهدِّد ناشيء عن عدم القيام بنشاطات.
يبقى أشخاص بلا عمل بشكل مُتكرّر ويصبح وضعهم بالويل، سيما إن تكن اللحظة،
هي التي "يتوجب" عليهم العمل خلالها. وقتها، يُضاف إحساس بالذنب إلى
الإنزعاج، أي إحساس بأنهم عالة أو ليس لهم أيّة فائدة. يدفع هذا العُصاب كثيرين
إلى تفضيل شغل كل وقتهم بمهام وأعمال متنوعة.
إعترف الموسيقي الإسباني خواكين سابينا، بإحدى المناسبات، بأنّه قد واجه
هذه المشكلة والتي تسمى "رُهاب الفراغ" أو رُهاب عدم النشاط. قال سابينا
بأنّه قد إختبر نوع من "التطلُّب الذاتي" الذي أجبره عل العمل جميع
الأيام، هكذا، جلس إلى مكتبه وكتب قصائد وأغاني. في حال عدم قيامه بهذا الأمر، شعر
بفراغ مُسبِّب للإكتئاب وأحسَّ بالذنب بالإضافة لنوع من التشتُّت.
لا تصل نسبة الذين لديهم رُهاب الفراغ المُستفحل إلى نسبة 1% من السُكّان،
رغم أننا جميعاً تقريباً، في الوقت الراهن، لدينا شيء ضئيل منه.
هو عُصاب من المناسب أن نتمكن جميعنا من تجاوزه؛ لأنّ هذا الخوف يمنعنا من
الإسترخاء بشكل كُليّ. كذلك، يدفعنا لعدم الإختيار الحُرّ لما نرغب القيام به في
الحياة. هذا الخوف، حتى لو بدا خفيفاً، فسيدهورنا ويستعبدنا.
خلال الخمول الكامل، يمكننا العيش بسعادة كاملة لأسباب عديدة:
أ. لأنه الوضع الطبيعي للكائن البشريّ.
ب. لأنّ الكثيرين سُعداء دون القيام بعمل أيّ شيء وليسوا كئانات فضائيّة.
أي يمكن تحقيق هذا الأمر.
ت. لأنّه شيء مناسب للكوكب، فتخفيف الأعمال والنشاطات العُصابية التي تُسيء
إلى البيئة هو أمر مفيد بل مطلوب.
ث- لأنه خلال الخمول اللطيف، عندما يتفرغ العقل للتفكير، تظهر الأفكار
الكبرى، علمية أو فنيّة.
مع هذه الحُجج وغيرها، بعدما نقتنع، كلياً، بأننا لا نحتاج إلى القيام بأيّ
عمل، فسنلغي "رُهاب عدم النشاط أو عدم القيام بأيّ عمل" وسنحصل على
الكثير من الفوائد.
باديء ذي بدء، سنختار ما نرغب القيام بعمله بكل لحظة من حيواتنا دون قسر
وإكراه لتغطية الإنزعاج العُصابي.
بعد ذلك، سنعمل بوتيرة ممتعة، كما يفعل الرهبان البوذيُّون، الذين يفعلون
القليل من الأشياء، لكن، يعملوها بشغف ومحبة.
وأخيراً، سنصير خلّاقين أكثر، حيث أنّ الأفكار الجيِّدة تظهر، فقط، في
حالات السلم الذهنيّ.
حياة جماعة يانومي البرازيلية
يعمل أفراد يانومامي الأمازون لمدة ساعة واحدة يومياً.
ينهضوا باكراً ويخرجوا بحثاً عن الغذاء – يصطادوا ويلتقطوا الثمار – قبل
بزوغ أشعة الشمس. وخلال هذا الزمن، يحصلون على كل ما يحتاجونه.
ما الذي يفعلونه باقي اليوم؟
لديهم مهام هامة، مثل:
زيارة قبائل أخرى، يتحدثون مع بعضهم البعض ويعلمون أبنائهم بمحبة ويلعبون
ويصنعون، على وجه الخصوص، أشياء يدوية. على سبيل المثال، تحضير قوس خشبي وتلميعه
أو ينفذون صيانة لمنازلهم الجماعية الكبيرة؛ هو موروث من الأسلاف مليء بالفرح
المتناغم.
لا تُعاني جماعة اليانومي من شيء اسمه "رُهاب الفراغ".
بالنسبة لعدد كبير من المؤرخين وأخصائيي علم الإنسان والإقتصاديين
والأخصائيين النفسيين، الوضع الطبيعي للإنسان هو وضع العمل القليل جداً. الإنسان
العاقل هو مثل أسد:
يصطاد مرّة واحدة أسبوعياً، فيأكل اللحم بنهم ويُمضي باقي الوقت متعرضاً
لأشعة الشمس كملك سعيد.
لنكن جديين، لم يكن إيقاع حياتنا كإيقاع النملة المحمومة. إن نُدرِكُ هذا،
سننتبه لأنّ الطبيعي هو المشي (على سبيل التنزُّه) لمدة أكبر والتأمُّل بالطبيعة
والتجوُّل والتحدُّث، كل يوم وبشكل مستمرّ.
أين هو الإحتياج السخيف للبقاء مشغولاً طوال الوقت؟
في سلّة قمامة الإعتقادات الغير عقلانية.
لتدعيم هذه الفكرة، من المهم أن يُشار إلى أحد أهم الإقتصاديين، أي
البريطاني ستيورات ميل. بحدود العام 1850، في بدايات الجنون الصناعي، قد تساءل:
"إلى أين سيصل المجتمع في تقدمه الصناعي؟ عندما يتوقف التقدُّم، بأيّة
ظروف ستعيش البشرية؟".
لقد باعونا الفكرة التي تعتبر بأنّ التقدُّم الماديّ هو ترياق السعادة،
ولهذا، يجب أن ننشغل بشكل دائم ومستمرّ.
لكن، بمرور مئتي عام فقط على بدء
الحقبة الصناعية، نُدرِكُ بأننا كنا على خطأ.
الآن، يمكننا إجابة ستيورات ميل:
"يقود التقدُّم الصناعي إلى تدمير الكوكب بطرق
كثيرة لم تتمكن من تخيلها أبداً: تآكل طبقة الأوزون؛ تراجع وضع البحار والتربة؛
تطوير وسباق التسلُّح ....".
تطلب البيئة منّا بإلحاح التوقُّف عن إنتاج المزيد من السلع ومن إنهاك
الأرض وتلويث الجوّ.
بكلمات أخرى، تحثنا البيئة على إمضاء المزيد من الوقت بهدوء وعدم القيام
بعمل أيّ شيء.
أين هي الفضيلة المزعومة لبذل الجهد
المُفرِط؟
في مزبلة الغباءات الكُبرى.
كرَّسَ الكاتب الأميركي الشهير إرنست همنغواي ساعة واحدة للكتابة يومياً.
قال أنه سرّ إنتاج النصوص المميزة. بهذه الصيغة، من خلال تحديد وقت العمل، تمكن من
الإحساس بالشغف بالكتابة بشكل مستمر. يعطي العمل القليل أفضل ما لدينا، يُحفِّزُ
الفن والنشاطات السامية حقاً.
48. نحو مزاج مستقرّ أكثر
عاش مزارع وإبنه بإحدى القرى الصينية. لفَّ التواضع حياتهما وإمتلكا، إلى
جانب الأرض، حصاناً. في يوم سيء، هرب الحصان وترك الرجل دون القوّة التي تعينه على
فلاحة الأرض. عندما أتى جيرانه لتعزيته، شَكَرَهُم وسألهم:
-
كيف يمكنكم معرفة أنّ الأمر قد شكَّلَ مصيبة أو سوء حظّ؟
إستغرب الجميع السؤال، وعندما غادروا، تحدثوا بصوت خفيض:
-
لا يريد قبول الواقع. لندعه يفكر كما يشاء طالما أنه لا يشعر بالحزن والأسى.
بمرور أسبوع، عاد الحصان إلى الإسطبل، لكن، لم يعد وحيداً بل برفقة أنثى
فرس جميلة.
لدى علمهم بالأمر، فهموا ردّة فعل المزارع. ذهبوا إليه لتهنئته بحسن حظّه:
-
من حصان إلى إثنين. مبروك!
-
شكراً لكم، لكن، كيف يمكنكم معرفة أنّ الأمر عبارة عن نعمة؟
هذه المرّة، ظنُّوا أنّه قد أصيب بالجنون:
-
هل يمكنك تجاهل أنّ الله قد أرسل هدية لك؟
بمرور بعض الوقت، قرَّرَ إبن المزارع تدجين أنثى الفرس، لكن، قفزت بشكل
مفاجيء وضربت الشاب وكسرت رجله.
زاره الجيران لإبداء الأسف عمّا حصل لإبنه.
شكرهم الرجل، لكن، سألهم:
-
كيف يمكنكم معرفة أنّ ما حدث هو مصيبة أو نقمة؟
صُعقوا جميعاً من سؤاله وموقفه، فلا أحد منهم قد شكَّكَ بأنّ الحادثة عبارة
عن مأساة بالنسبة للإبن. لدى خروجهم من منزله، قالوا لأنفسهم:
-
هذا الرجل فظيع! قد يصبح إبنه الوحيد أعرجاً، مع ذلك، يُشكِّك بأنّ ما حصل له
عبارة عن أمر مؤسف.
بمرور بضعة أسابيع، أعلنت اليابان الحرب على الصين، فجمع الجيش جميع شباب
القرية ما عدا إبن المزارع لأخذهم إلى الجبهة. لم يعد ولا شاب منهم حيّاً.
بمرور فترة من الزمن، أعطى زوج الأحصنة الكثير من الأبناء وهو ما حقّق
للمزارع تحصيل الكثير من النقود، وما هو أهم هو إستعادة إبنه لصحته.
زار المزارع الجيران لتعزيتهم وتقديم العون لهم، فقد أبدوا هم هذا التوجُّه
التعاوني دوماً معه.
وكلما إشتكى أحد من شيء، قال المزارع له:
-
كيف تعلم أنها مصيبة أو نقمة؟
وفيما لو فرح أحد كثيراً، سأله:
-
كيف تعلم بأنها نعمة؟
فهم أهل تلك القرية من مواقف المزارع بأنّ الحياة مليئة بالمعاني بعيداً
عمّا يبرق أو يظهر بشكل آني.
إنطلاقاً من وجهة نظر نفسية، تعمل الإكتئابات العفوية مثل القلق أو أيّ مرض
نفسي جسديّ، أي مثل الألم العضلي الليفي والتعب المزمن وآلام نفسية بالمعدة
والرأس.
هي ما يمكن تسميته "إنزعاجات جسدية مزيفة".
تُعطي إنطباع يقول بأنها ناتجة عن
مشكلة صحية – فيروس، مشكلة عصبية، ...إلخ، لكن، في الواقع، أصلها عقلي أو ذهنيّ.
تنتج جميع الأعراض النفسية الجسدية عن "حلقة الخوف الضارّة":
نعيش إحساس غير سارّ ونلتصق به، ننجذب بإرادتنا إليه؛ نوسِّعه ونُضخمه حتى
تحويله إلى مشكلة.
إن لم نهبه الأهمية منذ البدء، فسيتلاشى خلال بضع دقائق مثل أيّة قرصة
خفيفة في الذراع.
يمرُّ كسر هذه الحلقة بعدم رفض الإحساس.
لتحقيق هذا الأمر، علينا إقناع أنفسنا بمقدمة، تقول:
"يمكنني الإحساس بالسعادة في ظلّ حضور الإكتئاب أو القلق".
هو ما يمكننا تسميته "القبول الشامل للأعراض".
هناك الكثير من الطرق للوصول إلى قبول الأعراض.
يقوم المنهج الإدراكي المعرفي على عقلنة التعامل مع المصائب، فلا يمكن
لأيٍّ منها أن يُعكِّرَ صفو حيواتنا:
لا الموت ولا المرض ولا العُزلة.
يختفي القلق والإكتئاب والإرهاق المزمن، وغيرها من إزعاجات شبيهة ناشئة في
الذهن، عندما نتوقف عن الخوف منها.
كلما نفكِّر بعوارض مؤرِّقة لحيواتنا وأننا لا نشعر بسعادة، يجب علينا
التفكير بهذا:
"ستصبح حياتي أفضل، بطريقة
مختلفة فقط!".
تفوق متعة الفضيلة أيّة متعة أخرى. يمكننا العيش بسعادة حتى لو إكتئبنا أو
شعرنا بالقلق فيما لو نتوجَّه نحو الفضيلة.
من الفضائل التي تساعدنا على التخلُّص من الخوف من الإكتئاب أو اللقلق:
المودة والمحبة للشريك(ة) والصدق
التام والعطاء للآخرين.
يتبع
مواضيع ذات صلة
العلاج المعرفيّ (1) مقدمة ومصادر هذه السلسلة
العلاج المعرفيّ (2) في أصل الإنفعالات الحسيّة
العلاج المعرفيّ (3) الإستفظاع هو أمّ جميع الإضطرابات الإنفعالية
العلاج المعرفيّ (4) الرغبات والإحتياجات
العلاج المعرفيّ (5) الإنشغال الزائد وروتين النقاش المعرفيّ
العلاجُ المعرفيُّ (6) الملل والخجل وإتخاذ القرارات
العلاجُ المعرفيُّ (7) الصداقة وإطلاق الأحكام والشجار والتهدئة
العلاجُ المعرفيُّ (8) العدالة وضرورة العمل
العلاج المعرفيّ (9) الإحباط والمعاناة من الواجبات والإهتمام بالصحّة
العلاجُ المعرفيُّ (10) مصدر السعادة والمنهج العلاجي الإدراكي المعرفي واتقدير الذاتيّ والإكتفاء
العلاجُ المعرفيُّ (11) تجاوز العُقد ولا للصراع مع الأشياء والأشخاص
العلاجُ المعرفيُّ (12) مواجهة المصائب ولا خشية من المسؤولية وضرورة تخفيف القلق
العلاجُ المعرفيُّ (13) ضرورة تجاوز الآلام والمخاوف والموت
العلاجُ المعرفيُّ (14) تحقيق التغيير والرعونة والغيرة والعيش وحيداً
العلاجُ المعرفيُّ (15) قواعد نافعة وبرمجة العقل والمنهج العلاجي المعرفيّ
العلاجُ المعرفيُّ (16) النقاش المعرفيّ ونماذج القوّة الإنفعالية ومُعايرة لأجل التناغم
العلاجُ المعرفيُّ (17) تخيلات عقلانيّة والتحكُّم بالإنزعاجات
العلاجُ المعرفيُّ (18) لا للقلق من المردودية والإهتمام باللحظات الحاضرة
العلاجُ المعرفيُّ (20 والأخير) علم صراع جديد وتعلُّم التحاور وقول لا





No comments:
Post a Comment