39. تخيلات (تصورات) عقلانية جديدة
- سألت سمكة صغيرة أخرى كبيرة:
هل يمكن أين يقع الشيء المسمى محيط؟
-
المحيط؟ هو المكان الذي تتواجدي فيه الآن يا صغيرتي.
أجابت السمكة الكبيرة بجديّة.
-
كيف؟ لكن، هذا لا يشكل سوى مياه. لا تعرفين شيئاً: لن أتوقف حتى أجده!
أجابت السمكة الصغيرة وهي مبتعدة
عن الكبيرة بغضب.
في العلاج النفسي المعرفي الإدراكي، نُنفذ "تصورات عقلانية"
لتحقيق فهم أفضل للمباديء المنطقية التي نعتمدها.
كذلك، يُعرَفُ هذا التمرين باسم "تنويم مغناطيسي مُتيقِّظ" لأننا
نبحث عن أثر مشابه لأثر التنويم المغناطيسي، لكن، دون غفوة.
الأفكار التي نعتمدها هي ذاتها أفكار العلاج، لمعرفة:
أننا نحتاج قليل من الأشياء لنعيش بسعاده
أنه لا شيء "فظيع"
أن امتلاك عيوب لا أهميّة له
نتمكن من قضاء وقت ممتع على هامش أيّ شيء يحدث.
كذلك، يمكن أن يتضمن التصوُّر تخيُّل ذاك الذي نخشاه إعتباراً من وجهة نظر
أخرى.
من المفيد للغاية أن نرى أنفسنا سعداء في وضع مثير للخوف.
يُكافيء "التخيُّل" شيئاً "كالتجربة أو الإختبار"،
لأنه عندما يتخيل الدماغ، يُعيد خلق وقائع وتظهر إنفعالات.
تتحرر نواقل عصبية مثل السيروتونين
والدوبامين.
تنشأ ذكريات إفتراضية. على مستوى دماغي كما لو أننا امتلكنا خبرات أصلية!
لكن، يوجد شرط:
يجب أن يتضمن التصوُّر أو التخيُّل أساساً أو قواماً عقلانياً، أي حجة
منطقية، لكي نعتقد بما نتخيل.
بكلمات أخرى:
لا يمكننا خداع أنفسنا بأنفسنا. يمكننا إقناع أنفسنا، لكن لن نخدع أنفسنا.
يُشكِّلُ التصوُّر شيئاً شبيهاً حاضراً لدى رهبان في جميع الأديان، عندما
يُصلون أو يتأملون. في الواقع، بتضرعاتهم وإنشاداتهم وبخورهم وشموعهم، تظهر بيئة
مُسهِّلة للتنويم المغناطيسي.
هناك ثلاثة تصورات مختلفة يمكننا تنفيذها بأيّة لحظة وتنطوي على بعض
الجوانب الأساسية للعلاج الإدراكي المعرفي.
هي ثلاثة تمارين قياسية نافعة دوماً، سواء على المستوى الوقائي أو لأجل
التخلُّص من مشكلة انفعالية رتيبة ما:
تصوُّر السجين
يقوم هذا التمرين على التساؤل: "فيما لو اقتضت الظروف تمضية فترة في
سجن، ما الذي أفعله لأشعر بالسعادة فيه؟".
يجب تخيُّل مشاهد عديدة تجعلنا سعداء خلال تواجدنا في السجن!
عادة، أرى نفسي مُنخرطاً في إقامة علاقات مع سجناء آخرين، أتعمق في
التوجُّه الروحاني، أدرس بشغف (موسيقى، طبّ، ...الخ).
يتمثل هدذ التصوُّر أو التخيُّل، هنا، بفهم أننا نستطيع العيش بسعادة مع
القليل، القليل جداً:
دون حريّة حتى!
تقضي منطقية هذا التصوُّر باعتبار تذمراتي – أو إنفعالاتي السلبية – فاقدة
للمعنى.
إن أتمكن من الإحساس بالسعادة في
السجن، كيف لا أتمكن من تحقيق هذا الأمر دون شريكة / شريك؟ دون عمل ثابت؟ ...الخ.
وهي أشياء أقلّ إزعاجاً من السجن بكثير!
يمتلك العلاج العقلاني (المعرفي) نقاطاً مشتركة كثيرة مع الروحانية. لا
توجد غرابة لأنّ الأديان، كذلك، مصنوعة من مفاهيم وأفكار وقيم، وقد تأثرت الفلسفة
بالاديان، والعكس بالعكس، على مدار قرون.
تصوُّر شخص مُقعَد
يقوم هذا التمرين على تخيُّل أنفسنا غير قادرين على المشي ونتصور الحياة
انطلاقاً من كرسي متحرك:
"إن نتعرض لحادث ما وينتج عنه
استعمالنا لكرسي متحرك، هل يمكن أن نشعر بالسعادة؟".
الجواب الحتمي، هو "نعم".
ما الذي يمكننا القيام به، لتحقيق هذا الأمر؟
أرى بأنني سأذهب للعيش مع آخرين لديهم وضع كوضعي، ربما بالقرب من الشاطيء،
في منزل لا حواجز معمارية فيه. سنحصل على الأموال اللازمة منّا جميعاً ونصممه بحيث
يحقق الراحة الكاملة لنا.
سنعيش كمجموعة متعاونة وسنعمل أشياء للآخرين كذلك. سنخلق برامج نموّ شخصيّ
لأجل الجيران، الذي يرون قوتنا كمثال جدير بالإتباع. سنمتلك حياة مؤثرة وممتعة
وخلاقة وتضامنية ومؤسسة على مباديء الصداقة والروحانية ومحبة الحياة والفن
والإبداع.
فهل يمكن أن نشعر بالسعادة؟
بالطبع، نعم!
بالنسبة لعقول مجهزة جيداً، لا يوجد، عملياً، أيّ عائق جدّي يمنع بلوغ
السعادة.
تصوُّر القديس فرانسيس الأسيزي
أنا لستُ كاتوليكياً، لكن، يعجبني أحد قديسيهم:
فرانسيس الأسيزي.
أرى بأنه انطلاقاً من وجهة نظر
إنفعالية حسية، يستحق هذا الكاهن، الذي عاش خلال القرن الثالث عشر، الإهتمام.
فقد وُلِدَ في أسيز، بلدة في منطقة بيروزا الراهنة في إيطاليا. عملت أسرته
في تجارة الأقمشة وحظيت بمركز إقتصادي مرموق. بحسب معايير الحقبة، يمكن القول بأنّ
فرانسيس قد عاش الدنيا طولاً وعرضاً:
لم ينشغل بشيء، درس، ولكن، لم يشتغل،
اهتم بالموسيقى وبقصص الغرام.
إلى أن نشبت الحرب التي أثرت في وعيه. نشأ صراع بين بيوزا ومقاطعة قريبة،
وكحال باقي أصدقائه، شارك فرانسيس في المعركة. حرص على إظهار شجاعته. لكن، ما عاشه
اتسم بالإختلاف البالغ عن جوانب البطولات الحالمة:
موت وقسوة وجنون باسم وطنية سخيفة، أو ما هو أسوأ، بإسم بضعة مصالح إقتصادية وضيعة.
لدى عودته إلى المنزل، تحول فرانسيس إلى شخص آخر.
رأى الموت بعينيه، فقرَّرَ العيش بصيغة أفضل قدر الإمكان، في خدمة المحبة
والسعادة.
سريعاً، ترك منزل العائلة وذهب
للعيش في الريف. في منطقة غير بعيدة عن بلدته، وُجِدَت كنيسة مدمرة جزئياً في بيئة
مميزة:
مرج أخضر مُرصّع بالأشجار المورقة.
في الأسفل، تدفق نهر بغزارة.
سيتمثل عمل فرانسيس الرئيسي بإنتاج
الجمال، سيُعيدُ ما تلقته حواسه من الطبيعة المحيطة. بدأ بإعادة بناء الكنيسة
الجميلة بحجارة مستديرة مصقولة مميزة. خلال فترات الراحة، ألَّفَ الموسيقى. ألحان
بهيجة حاكت الحياة المليئة بالطاقة المُشعة.
يُعتبر القديس فرانسيس بطلاً في التخلي والإستغناء، ويُقال بأنه في أواخر
أيامه، قد أكَّدَ على:
"كل يوم، أحتاج أشياء أقلّ،
والأشياء القليلة التي أحتاجها، أحتاجها قليلاً جداً".
فيما لو نتمكن من تحقيق هذا "التخلي المثالي"، فسنكون أبطال على
المستوى الإنفعالي الحسي.
يُروى بأنّ أصدقاء القديس فرانسيس قد توجهوا لزيارته في مكان خلوته. انشغل
بالهم بسلامة وضعه الذهنيّ:
"هل فقد عقله؟"، تساءلوا.
لدى وصولهم، اندهشوا مما شاهدوه. فقد أشعَّ الشاب فرانسيس طاقةً وسلاماً،
وهو شيء رغبوا باكتسابه في الحال، فانضمت غالبيتهم إليه في "جنونه"!
40. التحكُّم بالإنزعاجات وتحويلها إلى تعليمات
بإحدى المناسبات، تعرض بوذا لمحاولة اغتيال على يد اللص الشهير أنغوليمالا.
فقال، والسيف مُسلَّط على رقبته، التالي:
-
لديّ رغبة أخيرة: اقطع غصن الشجرة هذا. فضرب أنغوليمالا الغصن ليسقط أرضاً.
-
حسناً والآن؟ أنت على استعداد للموت؟، سأله اللص.
-
شيء واحد فقط: أعد الغصن إلى الشجرة، من فضلك.
انفجر اللص ضحكاً وقال لبوذا:
-
أصابك الجنون لكي تفكر بأنه بالإمكان تحقيق هذا الأمر!
-
على العكس: المجنون هو أنت، لأنك تفكر بأنه بالتدمير تتحول إلى بطل قويّ. استيقظ
وافهم بأنّ الأشخاص الكبار هم أولئك القادرين على الخلق.
هو تحويل الأوضاع المُزعجة إلى خبرات محببة لطيفة، وصولاً للإحساس بأنّ كل
شيء على خير ما يُرام.
سيؤدي تعلُّم هذه القدرة الإدراكية المعرفية إلى تعزيز منعتنا الإنفعالية
الحسية بشكل هائل.
يحولنا امتلاك حساسية مفرطة تجاه الإزعاجات إلى أشخاص عُصابيين.
نكتسب جميعاً عدم الحساسية للإزعاجات من خلال تفكير مناسب:
لا تهب الراحة السعادة.
بين الإستراتيجيات المفيدة لكبح الحساسية المفرطة من الإزعاجات:
أ. يمكننا القيام بأشياء هامة مفيدة بأيّ ظرف.
ب. تخيُّل وتصوُّر مشاهد شبيهة لا يهمنا فيها أيُّ إزعاج.
يكمن سرُّ عيش حياة رحبة كثيفة في "الإستمتاع"
وليس في "التساهل أو التأقلم" مع الظروف.
يتبع
مواضيع ذات صلة
العلاج المعرفيّ (1) مقدمة ومصادر هذه السلسلة
العلاج المعرفيّ (2) في أصل الإنفعالات الحسيّة
العلاج المعرفيّ (3) الإستفظاع هو أمّ جميع الإضطرابات الإنفعالية
العلاج المعرفيّ (4) الرغبات والإحتياجات
العلاج المعرفيّ (5) الإنشغال الزائد وروتين النقاش المعرفيّ
العلاجُ المعرفيُّ (6) الملل والخجل وإتخاذ القرارات
العلاجُ المعرفيُّ (7) الصداقة وإطلاق الأحكام والشجار والتهدئة
العلاجُ المعرفيُّ (8) العدالة وضرورة العمل
العلاج المعرفيّ (9) الإحباط والمعاناة من الواجبات والإهتمام بالصحّة
العلاجُ المعرفيُّ (10) مصدر السعادة والمنهج العلاجي الإدراكي المعرفي واتقدير الذاتيّ والإكتفاء
العلاجُ المعرفيُّ (11) تجاوز العُقد ولا للصراع مع الأشياء والأشخاص
العلاجُ المعرفيُّ (12) مواجهة المصائب ولا خشية من المسؤولية وضرورة تخفيف القلق
العلاجُ المعرفيُّ (13) ضرورة تجاوز الآلام والمخاوف والموت
العلاجُ المعرفيُّ (14) تحقيق التغيير والرعونة والغيرة والعيش وحيداً
العلاجُ المعرفيُّ (15) قواعد نافعة وبرمجة العقل والمنهج العلاجي المعرفيّ
العلاجُ المعرفيُّ (16) النقاش المعرفيّ ونماذج القوّة الإنفعالية ومُعايرة لأجل التناغم
العلاجُ المعرفيُّ (18) لا للقلق من المردودية والإهتمام باللحظات الحاضرة
العلاجُ المعرفيُّ (20 والأخير) علم صراع جديد وتعلُّم التحاور وقول لا






No comments:
Post a Comment