41. لا للقلق بخصوص المردودية أو الفعالية
في إحدى قرى المشرق البعيدة، التقت امرأة بثلاث مسنين جالسين على بوابة
منزلها. ارتدوا ملابساً أنيقةً وهمُّوا بالمغادرة بلطف. سألتهم بنوع من الفضول:
-
هل يمكنني تقديم أيّة مساعدة لكم؟
-
نحن على سفر وأحببنا أن نستريح لبعض الوقت – أجابوها.
-
من فضلكم، ادخلوا إلى منزلي. سأقدم لكم بعض الماء – اقترحت عليهم.
-
من دواعي سرورنا، لكن، لا نستطيع الدخول معاً. بإمكانك دعوة شخص واحد منّا – أجاب
الغرباء.
في تلك اللحظة، خرج زوج الإمرأة وابنتها الصغيرة، لكي يرى ما الذي حدث،
فقال:
-
أيُّ هراء هذا؟ ادخلوا كلكم. تميزت قريتنا بالإحتفاء بالضيوف دوماً.
إزاء هذا الإصرار، أجاب احد الثلاثة ذو لحية بيضاء طويلة، قائلاً:
-
أحبائي، شكراً جزيلاً لدعوتكم. اسمعوا: اسمي الغِنى واسمي صديقيَّ النجاح والمحبة.
فلا يمكن لثلاثتنا الدخول سوياً إلى منزل.
اختاروا واحداً، من فضلكم.
فكّرت العائلة بالكلام وقال الرجل:
-
أدعو الغِنى. ستكون مجالسته ممتازة لنا.
-
النجاح هو الأفضل، فلم نعرفهُ أبداً! أجابت الزوجة.
والطفلة، التي سمعت باهتمام لكل شيء، قالت:
-
ألا يكون من الأفضل دعوة المحبة؟ هكذا، سيمتليء المنزل بالحنان!
وافق الأبوان على طلب الطفلة ومدّا الأيدي إلى المحبة.
لكن، عندما نهض المُسن المسمى محبة، فعل زميلاه ذات الأمر وتجهزَّا للسير
ورائه.
فقالت المرأة: لكن، ألم تقولوا بأنه لا يمكنكم الدخول سوياً؟
أجابها المُسن المحبة:
-
لو دعوتم الغِنى لبقينا نحن الإثنان في الخارج.
لو دعوتم النجاح، كذلك.
لكن، قد اخترتم المحبة، ولهذا، سيدخل زملائي إلى منزلكم، لأنه حين تحضر
المحبة في مكان، فسيحضر الغِنى والنجاح.
في الواقع، يرتبط قلق المردودية أو الفعالية مع مسؤولية القيام بعمل شيء،
قد يفكر الشخص بأنه ربما يفشل فيه.
اختبر كثيرون منّا هذا بإحدى المرّات أو لعدّة مرّات، لكن، الخبر الجيّد هو
إمكانية تخلصنا من هذا الإحساس بشكل نهائي.
وما هو مطلوب منّا هو إجراء تغيير جذري في فلسفتنا حول "أهمية
الأشياء".
تكمن مشكلة هذا القلق في اعتبارنا أشياء بالغة الأهمية وهي لا تتسم بهذا
التوصيف.
على سبيل المثال: العمل.
ولا ننتبه إلى أنّ الأعمال، التي نؤديها في الوقت الراهن لا تمتلك أدنى
أهمية ممكنة.
الشيء الوحيد الهام في الحياة هو محبة الحياة والآخرين (إثر تغطية
الإحتياجات الأساسية: الطعام والشراب والهواء).
هي حقيقة فلسفية وروحية – وعلمية، على مستوى علم البيئة -.
لا تمتلك 90% من الأعمال التي نؤديها أيّة أهمية لأنها تبتعد عمّا هو مهم
في الواقع.
إن تختفي أو تزول، فلن يحدث أيّ شيء أبداً.
في حال غياب المصارف والمدارس وحتى المشافي، فبكل تأكيد سنعيش في بيئات
طبيعية نصطاد ونلتقط الثمار.
في هذا الوضع، يمتلك الكوكب فرصة للبقاء على قيد الحياة، ونستعيد نحن
التفكير السليم فجأة.
بالتالي، لماذا يجب أن نقلق لأجل العمل؟
فهو شيء غير ضروري تماماً!
أكثر المهن عُتهاً هي عادة:
1. القضاة وموظفي المحاكم.
2. أساتذة جامعيون.
3. موسيقيون كلاسيكيون (جماعات الحفلات الموسيقية ومَنْ يغني في
الأوبرا).
4. ممثِّلون.
5. أطباء.
تشترك هذه المهن بشيء يتمثل بميل ممارسيها للضغط على أنفسهم زيادة عن
اللزوم وأن "يثقوا بأنفسهم كثيراً".
يحدث هذا بين مَنْ أسميهم "معتوهو البيريه أو قُبعّة التخرُّج":
قُضاة وأساتذة وأطباء.
ليس من قبيل الصدفة حضور الدسائس والمؤامرات يومياً، لدرجة أن تصل البيئة
لتصير شديدة الغرابة مع أنها مهن جميلة في الواقع. لا يستمتعون بأدائهم لهذه المهن
المميزة كما يجب.
لا
يوجد أسوأ مما يسمى "مكانة شخصية!" بالنسبة للسلامة العقلية!
هو
أحد الإحتياجات المُخترَعَة التي تجعلنا كبشر مختلين ذهنياً بشكل أكبر.
لن أتوقف عن الإندهاش من الشجارات الداخلية الحاضرة في المحاكم:
حيث تدور المعارك بين القضاة وموظفين قضائيين، بإطار تظاهرات سلطوية سخيفة.
في كثير من الأحيان، يدفع المستخدمون الفقراء ثمن صراعات
الديكة تلك.
تظهر صراعات عنيفة في اجتماعات مكاتب الجامعات، في كثير من الأحيان، كما
يصفها أستاذ في الاقتصاد:
"يتصارعون كالضباع على مخصصات مالية بائسة ويكرهون
بعضهم البعض لاعتقادهم بإمكان وجود عبقري واحد فقط".
مساكين، لا يفهمون بأننا كلنا
عباقرة وأن النبوغ يحضر في القدرة على المودّة.
حقل ملعون آخر، هو:
الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا، حيث
يُعاني كثيرون من طلابها من مشاكل ذهنية على مستوى العالم.
ما يُثير الاستهجان، هو طلب الكمال التقني وهو أمر غير جميل، بل مناهض
للطبيعة!
كذلك، هو اختراع مستحيل من عقل مُعذّب لا يعمل.
عرفتُ كثيرون من أولئك الموسيقيين، الذين يُصفَّقُ لهم في الحفلات الموسيقية
على امتداد العالم وهم يكرهون ما يقومون بعمله سرّاً.
العمل هو مهنة نتسلى بأدائها.
لا وجود لعمل هام في الواقع.
إن نقم به بخفّة ومتعة، فستصبح النتائج ممتازة.
يمكننا إبراز أخطائنا كميداليات تُشير إلى ماهية قيمنا في الحياة.
يُشكِّلُ التواضع الجذريّ قاعدة المحبة بين الأشخاص.
لا أحد يعتقد أنه أفضل من الآخرين يمكن أن يشعر بالسعادة
على نحو شامل.
نبلغ السكينة والإستمتاع بالعمل، فقط، إن نتبنى هذه الفلسفة بعمق، وفي هذا
المنحى، لا يوجد أنصاف حلول.
42. دون وَجَل من الموت ولا من المَرَض
إمتاز الملك سليمان بالغنى والقوّة، رغم هذا، لم يشعر بالرضى أبداً:
"في
الغالب، أُحسُّ بالقلق – قال لمُستشاريه -. فيما لو تسير الأمور على خير ما يُرام،
تظهر الخشية لديّ من إمكانية إنحراف هذه الأمور. إن أُواجه مشكلة، أخشى ألّا
تُحلُّ أبداً. حلِمْتُ بوجود خاتم يمنح المعرفة وراحة البال. إجلبوه لي. لديكم من
الآن إلى نهاية العام: ستة أشهر".
بدأ المستشارون بالبحث، فسألوا أفضل جواهرجية دمشق وبابل ومصر؛ وإستشاروا
أهم التجار المسافرين والدبلوماسيين وحتى مُحضِّري الأرواح، لكن، لم يسمع أحد بهذا
الخاتم.
طوال الوقت، سأل سليمان على نحو مُلحّ:
-
هل عثرتم على الخاتم؟
-
لا، يا جلالة الملك – أجابوه على نحو دائم.
بالنهاية، إنتهت مدة الستة شهور. إستسلموا كلهم ما عدا أصغرهم سنّاً. ففي
الليلة السابقة لنهاية العام، تجوَّلَ في الشوارع ولم يتمكن من النوم بسبب فكرة
المُثول أمام الملك بأيدي فارغة.
خلال الصباح التالي، تجوَّلَ في أفقر حيّ بالمدينة، وأمام أحد البيوت، رأى
بائعاً طاعناً بالسنّ للمجوهرات. فتقدم منه، كآخر مُحاولة، وسأله.
فكَّرَ البائع لعدّة دقائق، فإبتسم وأخرج خاتماً بسيطاً ذهبياً من كيس صغير
ونقش بضع كلمات عليه.
أخذه المستشار الشاب، قرأ الكلمات وصرخ:
-
نعم! هو الخاتم لأجل سليمان!
بمرور بضع ساعات، وفي القاعة الملكية، سأل سليمان مستشاريه:
-
هل جلبتم الخاتم؟
-
نعم، هو معنا، جلالة الملك! – صاح المستشار الشاب.
أخذ سليمان الخاتم وقرأ الكلمات المكتوبة عليه:
"مثلك مثل الجميع، ستموت قريباً!".
يؤثر موضوع الصحّة علينا جميعاً. عاجلاً أو آجلاً، سيصيبنا الذعر منه:
فنصبح عصابيين أو غير عصابيين. وفي هذه اللحظة، من الأفضل التحضُّر جيداً.
يتربَّص الموت بنا ويُرافقنا المرض بشكل مستمر.
لنتذكر ما قاله خورخي مانريك في مرثيته لموت
والده خلال القرن الخامس عشر:
"تذكَّر
بأنّ الروح نائم(ة)، إنتعش وإستيقظ لتتأمل كيف تمشي الحياة، كيف يصل الموت صامتاً
جداً".
تُبنى أوّل مقدمة منطقية للتحرُّر من الخوف من المرض والموت على إقتناعنا
ببديهية أننا سنموت عاجلاً أم آجلاً، وبالتالي، من السذاجة عيش الخوف منهما.
الكائن البشريّ، في الطبيعة، يتأمل مصيره النهائي بسكينة!
قد يُفاجئنا هذا التنويه، لأنهم جعلونا نرى الموت كشيء بشع وسلبيّ وخاطيء
ومأساويّ. تكفي زيارة أيّ مدفن (مقبرة) للتأكُّد من هذا الأمر. هي أماكن موحشة!
عملياً، وجود المقبرة ذاتها هو ثمرة إعتقادات غير عقلانية تعتبر الموت أمراً
سيِّئاً. دون شكّ، في عالم عقلاني، لن تحضر المقابر، هي أماكن لا معنى لها، حيث
تُطمَرُ بعض العظام ليُصار إلى زيارتها بشكل دوريّ.
لنُنهي وجود المقابر مرّة واحدة وإلى الأبد!
المنطقي هو التخلُّص من الجثث دون أن تترك أثراً، فقد ذهب الميِّت كي لا
يعود. إن نُفكِّر بالأمر، فالأجمل هو تحلُّل الجثث الطبيعي، والذي يؤمن الغذاء
للكثير من الكائنات الحيّة الأخرى. لكن، بنينا المقابر لزيارة الموتى، كما لو أنهم
يسكنون بتلك القبور العبثيّة.
فبعد موت الناس، لن تبقى هناك!
فهل تزوروا الاحجار؟
يتوافق هذا السلوك الغير واقعيّ مع الرفض العُصابي للموت.
الموت أمر جميل جداً؛ إحدى وظائف الحياة الرائعة التي لا غنى عنها ولا يوجد
شيء يدعو إلى لوم أنفسنا على هذا المستوى. بل أكثر من هذا، يجب الإحتفال بالموت
كجزء من صيرورة ساحرة للطبيعة.
43. عيش اللحظة الحاضرة
عاد راهب بوذيّ إلى ديره القديم بعد أن أمضى عشر سنوات في التأمُّل والعزلة
في الجبال. عندما وصل، هرع لزيارة مُعلِّم قديم. طرق على الباب.
-
مُعلم، أنا تينزو. لقد عُدتُ. هل بإمكانكم إستقبالي؟
-طبعاً،
يا بُنيّ. إدخل – أجاب المُسنّ.
خلع الراهب تينزو حذاءه ودخل إلى صومعة مُعلِّمه المحبوب. ولدى جلوسه على
الأرض، قال:
-
أيها السيِّد، لقد تأملتُ لمدة عشرة سنوات وبلغت مرحلة الإشراق. بإمكاني الإجابة
على أيّ سؤال روحيّ.
-
لنرى، قال المُسنّ بمودة. أخبرني: بأيّ جانب من الباب قد تركت حذاءك؟
حاول تينزو تذكُّر أين وضعه، لكن، لم يتمكن من التذكُّر.
بتلك اللحظة، قال المُعلِّم المُبتسِم:
-
لا يمكنك تذكُّر أين وضعت حذاءك منذ دقيقة واحدة؟ عزيزي تينزو، للآن، لا تعيش
اللحظة الحاضرة.
عُدْ إلى التأمُّل وإرجع بعد مرور عشر سنوات أخرى.
الدليل الثاني لترك الخوف من المرض والموت هو أهمية الحاضر وعيش اللحظة
الحاضرة.
فيما لو نفهم جيداً بأنّ الحاضر هو الشيء الوحيد الذي يستحق إهتمامنا
وإنتباهنا، فلن يصبح الموت مشكلة، لأنه يحدث في المستقبل على نحو مستمرّ.
هناك علاقة واضحة بين السعادة وإزدراء الموت.
سيبدو شيئاً من هذا القبيل:
السموّ والخلود
كتب الشاعر الروماني هوراس (65 – 8 ق.م) مقاطع
قصيرة، تقول:
"عِشْ
يومك، لا تثق بالغد".
عاش هوراس كشخص روحاني للغاية، ونتجت دعوته لعيش اللحظة الحاضرة عن لحظات
تناغمه الدينيّ.
عندما نتناغم مع هكذا روحانية، يأتينا إحساس معين بالخلود يُفقِدُ الموت
المضمون والمعنى.
نعم. نستطيع جميعاً إدارة الظهر للموت.
سهل جداً!
يكفي عدم إيلائه الإهتمام أو الإنتباه.
يتولد الخوف من واقع إعتبار الجميع،
تقريباً، الموتَ كشيءٍ بشعٍ.
هو عُصاب جمعيّ وخَبَل جماعي.
يتبع
مواضيع ذات صلة
العلاج المعرفيّ (1) مقدمة ومصادر هذه السلسلة
العلاج المعرفيّ (2) في أصل الإنفعالات الحسيّة
العلاج المعرفيّ (3) الإستفظاع هو أمّ جميع الإضطرابات الإنفعالية
العلاج المعرفيّ (4) الرغبات والإحتياجات
العلاج المعرفيّ (5) الإنشغال الزائد وروتين النقاش المعرفيّ
العلاجُ المعرفيُّ (6) الملل والخجل وإتخاذ القرارات
العلاجُ المعرفيُّ (7) الصداقة وإطلاق الأحكام والشجار والتهدئة
العلاجُ المعرفيُّ (8) العدالة وضرورة العمل
العلاج المعرفيّ (9) الإحباط والمعاناة من الواجبات والإهتمام بالصحّة
العلاجُ المعرفيُّ (10) مصدر السعادة والمنهج العلاجي الإدراكي المعرفي واتقدير الذاتيّ والإكتفاء
العلاجُ المعرفيُّ (11) تجاوز العُقد ولا للصراع مع الأشياء والأشخاص
العلاجُ المعرفيُّ (12) مواجهة المصائب ولا خشية من المسؤولية وضرورة تخفيف القلق
العلاجُ المعرفيُّ (13) ضرورة تجاوز الآلام والمخاوف والموت
العلاجُ المعرفيُّ (14) تحقيق التغيير والرعونة والغيرة والعيش وحيداً
العلاجُ المعرفيُّ (15) قواعد نافعة وبرمجة العقل والمنهج العلاجي المعرفيّ
العلاجُ المعرفيُّ (16) النقاش المعرفيّ ونماذج القوّة الإنفعالية ومُعايرة لأجل التناغم
العلاجُ المعرفيُّ (17) تخيلات عقلانيّة والتحكُّم بالإنزعاجات
العلاجُ المعرفيُّ (20 والأخير) علم صراع جديد وتعلُّم التحاور وقول لا




No comments:
Post a Comment