Saturday, September 27, 2025

Cognitive therapy (5) العلاجُ المعرفيُّ

  

4. مشغول للغاية ≈ ناضج للغاية! 

درج البعض على الإعتقاد بأنّ الإنشغال الزائد بأمر ما، أو الإهتمام الكبير بذات الأمر، هو واجب وضرورة أو هو أمر حسن للغاية.

يُعبِّرُ هذا الإنشغال أو الإهتمام الكبير عن نوع من تحمُّل المسؤولية والنضج.

عادةً، يساهم الآباء بتأجيج هذا الإعتقاد الغير عقلاني من خلال تحذير الصغار من العواقب الوخيمة التي تنتظر كل من لا يقوم بمسؤولية ما على أكمل وجه.

في كثير من الأحيان، يعتقد الآباء بأنه من الأفضل زيادة حجم الإنشغال أو الإهتمام أيضاً. 

هذا الهيام بالانشغال عقيم ومؤذي! 

تحمل أفضل الحكومات في العالم مسؤوليات كثيرة يومية ولا تنشغل بها، ببساطة، لأنها تنفذ مخططات عمل وتستمتع بها.

كيف ستبدو حياة رئيس وزراء، فيما لو ينشغل بكل المواضيع اليومية بجميع الأيام؟

بالتالي، لنطبع في عقولنا الإعتقاد العقلاني التالي: 

"يجب الإنشغال وعدم الإنشغال". 

فمن البديهي بأنه من غير الضروري الانشغال (القلق) لأجل التعامل مع الأشياء.

الطريقة الأفضل لحل أيّة قضيّة هي الحفاظ على الهدوء، وفي حال كان ممكناً، الإستمتاع بالحدث.

مع ذلك، الإفراط في الانشغال (القلق) هو أمر سائد، وكما رأينا، يؤثر على تطور أو تقدُّم العلاج.

لا يتقدم الكثير من الأشخاص بالعلاج المعرفي، لأن لديهم خوف داخلي يمنعهم من العيش "بلا قلق". 

تنتشر أسطورة لدى كثيرين، تقول: 

"ما أشعر به هو الصحيح أو السليم". 

 تبرِّر هذه الأسطورة حضور أبشع الإنفعالات الحسية المؤذية، وهو ما يؤدي لعرقلة أيّ علاج نفسيّ معرفيّ للخروج من تلك الحالات. 

5. روتين النقاش المعرفيّ النفسيّ 

أ. إكتشاف الإعتقادات غير العقلانية 

يقوم على تحليل الإنزعاج الإنفعالي اليومي وكشف أيّة إعتقادات غير عقلانية واقفة خلفه.

ب. مكافحة الإعتقادات الغير عقلانية 

كي نكافح الإعتقادات غير العقلانية، يمكننا توظيف إستراتيجيات مختلفة، من قبيل: 

الدليل المُقارن: "يعيش أشخاص آخرين بسعادة رغم عيشهم لذات الظروف؟" إن حضور قصص أشخاص يعيشون بسعادة رغم النكبات التي يتعرضون لها، يعطي دليلاً على أنّ مشكلتنا ليست بكل هذا الحجم أو هذه الأهمية. مع تقديم هذا الدليل، سنتمكن من إقناع أنفسنا بأنّ وضعنا لا يمنعنا من أن نعيش بسعادة.

دليل الإمكانات: "رغم الظرف المعقد، يمكن تحقيق أهداف قيِّمة لي وللآخرين؟"

نمتلك، بصورة شبه دائمة، إمكانات متعددة للإستمتاع بالحياة؛ في حال عدم صرف الوقت على الشكوى. 

عملياً، هناك القليل جداً من الأوضاع الحياتية، التي لا يمكننا القيام بأشياء قيّمة فيها.

الدليل الوجوديّ: هو الدليل القاطع للإبتعاد عن القلق بخصوص الشدائد التي تحلّ بنا.

 ولو أننا نواجه صعوبة بقبول هذا الأمر، فهو واقعي كما الحياة نفسها.

لنطرح السؤال التالي على أنفسنا: 

في حياة تدوم القليل من الوقت ولا تمتلك الكثير من المعنى (أو لها معنى ميتافيزيقي مجهول لبعض البشر)، هل ما يجري لنا من شدائد ومشاكل يحمل كل تلك الأهمية؟

في كون لامتناهي من الكواكب والنجوم حيث تولد وتموت الأحياء بشكل لا يتوقف، هل يوجد شيء مأساوي فعلاً؟

نصل، بالحال، إلى الخلاصة الوجودية، التي تقول:

 بأنه لا يوجد شيء فظيع في كون ككوننا. 

يسمح لنا هذا المنطق - الذي يشكل واقعاً ساحقاً - بالإبتعاد عن أنفسنا.

كذلك، يمكن طرح الدليل الوجودي بإطار محدوديتنا الوجودية.

بهذا الإتجاه، يمكننا التساؤل: 

"ما الذي سيحدث بي وبمشكلتي، التي أقلق بسببها، خلال مئة عام؟".

الجواب واضح:

 لا شيء؛ سأنتقل إلى القبر، ولن تحمل تلك المشكلة أية أهمية. 

ت. إقرار الإعتقاد العقلاني 

هو الإعتقاد، الذي سيزيح الفكرة الغير عقلانية ويحلّ محلها.

الإعتقاد العقلاني عبارة عن جملة بنّاءة تُنتِجْ الهدوء. 

هو إعتقاد مناهض للإستفظاع وتهويل الامور.

 إنّه الإعتقاد المألوف لدى شخص ناضج وقويّ.

عادةً ما تبدو الإعتقادات العقلانية على شاكلة:

 "يسرني أن أحظى بشريكة، لكن، فيما لو لا أتمكن من تحقيق هذا الأمر، فسأتمكن من القيام بكثير من الأشياء القيمة لأجلي ولأجل الآخرين، وبهذا، يمكنني العيش بسعادة. إن لا أتمكن من إنشاء علاقة مع شريكة أبداً، فسأفقد شيئاً هاماً، لكن، توفر الحياة الكثير من الفرص بإتجاه إمتلاك وجود سعيد". 

فيما لو نصل لنتبنى - بعمق - هذه الأفكار العقلانية، فسنترك خلفنا القلق والإكتئاب مهما حدث ويحدث في حياتنا. 

هذا لا يعنني بأننا لن نعاني من عصبية أو حزن عند وقوع أشياء سلبية.

 فإلغاء الإنفعالات السلبية بشكل كليّ أمر مستحيل وغير منصوح به.

فالطبيعي جداً هو إمتلاك مستوى ما من الإنفعالات السلبية. 

يسمح لنا إمتلاك توجُّه عقلاني بالقول وداعاً - عمليا إلى الأبد - للإنفعالات المزعجة اللامحدودة والغير صالحة.

يتبع

مواضيع ذات صلة

العلاج المعرفيّ (1) مقدمة ومصادر هذه السلسلة

العلاج المعرفيّ (2) في أصل الإنفعالات الحسيّة

العلاج المعرفيّ (3) الإستفظاع هو أمّ جميع الإضطرابات الإنفعالية

العلاج المعرفيّ (4) الرغبات والإحتياجات

أصلُ مُصطلح علم النفس

الفارق بين علم النفس المعرفي وعلم النفس السلوكي



No comments: