بدائل غير ماديّة
البديل الثاني، أنّه بعد الموت الفرديّ للكائن الحيّ، سيكون هناك شيء غير
ماديّ، لا يُعرف إلى أين يذهب بالضبط.
وبهذا الإطار، يمكننا طرح ثلاث قضايا أو تساؤلات:
هل تتعرض الكائنات الحيّة لهذه العمليّة؟
أو فقط الحيوانات العليا؟
أو فقط الإنسان باعتباره كائن حيّ
ذو خصوصيّة، بنظر البعض؟
ويتفرع عن هذه القضايا الكثير من القضايا أو التساؤلات الجزئية:
ما هي طبيعة "شيء" لا ماديّ؟
ما هو مصير ووظيفة هذا "الشيء"؟
هل هو طاقة روحيّة؟
من المنطقيّ التفكير بأن تعقُّد الكائن الحيّ بالتنظيم، لدى الحديث حول حضور نوع من الطاقة، كذلك، فسيصبح أكثر تعقيداً، لكن، ألا يستمرّ حضور الكائن الحيّ إثر
موته؟
ربما تتوقف مدّة "هذا الحضور" على التعقيد، عندما يبلغ مستوى محدّد من
التنظيم الحيويّ، بحيث تستقرّ "الروح" وتستمرّ.
يمكن أن تظهر، عندما تبلغ مستوى من النضج العقليّ والوعي كالتي يبلغها
الانسان، وهي حالة ذات مستوى عالي من المادة – الطاقة، مستوى أوّل، مادة غير حيّة، مستوى
ثانٍ، مادة حيّة، مستوى ثالث، طاقة روحيّة.
يصعبُ الإعتقاد بأنّ هذا "الشيء" (روح، نفس، ... الخ) من
طبيعه ماديّة، بحيث أننا لا نراها ولا نتصورها ولا يمكننا إثبات ماديتها
علمياً.
يمكننا التفكير بنوع ما من الطاقة.
كذلك، لم يكن بالامكان إثبات وجودها وطبيعتها. لكنها قائمة في الثقافة
البشريّة، ولدينا اقتباسات، منها:
العلوم البديلة مثل الباراسيكولوجيا (علم ما وراء النفس)، والتي تتحدث عن هذا الشيء أو شيء متصل، من قبيل:
الطاقة النفسيّة، السفر الكوكبيّ، الإكتوبلازم، حزام
الطاقة المحيط بالكائن الحيّ، .... الخ.
تتحدث العقائد والروايات الشعبية عن الأشباح، الأرواح الخيِّرة والشرّيرة،
الموتى القائمين من موتهم .... الخ.
الأديان هي أكثر المصادر، التي تجعلنا نؤمن في الروح الخالدة والملائكة
والشياطين وقيامة الموتى والآلهة أو الإله.
أرواح طاقيّة؟
علمياً، قضيّة غير ماديّة كهذه، بكل الاحوال، حال حضورها، فيمكن أن
تشكّل نوعاً غير معروف من الطاقة أو غير محددة حتى اللحظة.
أيّ نوع من الطاقة؟
طاقة كهرومغناطيسيّة، ضوئيّة، من الفراغ، عقليّة .....الخ
هل يمكننا إنتاج نشاطنا العقليّ المتجمِّع والمُخزَّن بواسطة ذكاء أعلى، أو
بصورة طبيعية عن طريق وحدات معلومة طاقيّة، وبهذا، تصبح محفوظة وخالدة؟
من الممكن أن تُصنَّعْ تلك الوحدات أو الأرواح مع حياة كل شخص، ولاحقا،
تُستعمل من قبل وحدات عليا (آلهة)، لإغنائها أو ربما لتشكّل جزءاً من
"روح" الكون.
هناك مستويات عديدة للتنظيم في الكون، هي:
1-
المادة غير الحيّة والمُرتبطة بالطاقة المعروفة مع متغيراتها المتنوعة.
2-
المادة الحيّة المُرتبطة بالطاقة الروحيّة، تخزّن الكائنات الحيّة المعلومة في
وحدات معلومة حيويّة هي المُورِّثات (الجينات).
لذلك، تستخدم لغة مُتكونة من 4 أحرف (4 قواعد نيتروجينية للدي إن إي) والتي
تشكّل وحدات متنوعة من المقاطع المتشكلة من تكرارات متنوعة لهذه الأحرف
الأربعة.
طوال حياة الفرد المنتمي لجماعة نوع حيّ، تسجّل تلك المُورِّثات معلومة
خبراتها الحيوية وتأثيرات البيئة وستحدّد تطور النوع الحيّ، تتخزّن كل المعلومة
المتصلة بتأريخ النوع الحيّ وأصوله وأسلافه في مُورّثات (جينات) أفراده.
النوع الحيّ، وإعتباراً من أعضائه، سيتطور وسيتغيّر وفق التغيرات البيئيّة.
لكن، كذلك، يوجد تأثير للنوع الحيّ بالبيئة،
بحيث يتغيران سويّاً، يتفاعلان فيما بينهما.
يمكن تحصيل الكمّ المعلوماتيّ الأكبر المُخزَّن في المُورِّثات، وبمختلف
الأنواع الحيّة، من خلال نقلها لوحدات روحيّة طاقيّة قادرة على تخزين تلك
المعلومة، فهل ستكون أنفس أو أرواح فردية لكل كائن حيّ، أو على الأقلّ لكائنات حيّة
محددة وذات تعقيد ملموس، مثل البشر؟
أو حسناً طاقة جماعيّة، تجمع المعلومة الحيويّة، طاقة روحيّة كونيّة، لكن
هل بالإمكان تحصيل هذا؟
أرواح معلوماتية؟
ربما الطريق عبر الرُقاقات الحيوية.
تُنشيءُ العصبونات دارات عصبيّة في الدماغ، وهذا
وفق المعلومة الوراثيّة من جانب، ووفق الخبرات البيئيّة والحيوية من الجانب الآخر،
وتشكّل تلك الدارات القاعدة الحيويّة "للوظائف الروحيّة" للكائن
البشريّ.
فيما لو يتحقق نقل للمعلومة العصبيّة إلى رقاقات معلوماتيّة، فإنّه يمكن
تخزين الخبرة الحيوية لشخص بصورة مستمرّة في آلات.
يمكن وصل مكونات إلكترونية دقيقة في شخص، أو تصنيع رقاقات عصبونيّة، حيث
تلازمه وتجمع معلوماته الحيوية منذ الولادة وحتى الموت؛ وستتخزّن تلك المعلومات
بصورة مستمرة، وبصورة مشابهة لعملية تخزين المعلومة في نوع من السي دي روم. وفي
وقت لاحق، يمكن استعمال تلك المعلومات الحيوية بأشكال مختلفة.
بهذا يمكن للكائنات الذكيّة (الآلهة ؟؟) أن تكتسب المعلومة عن كوكبنا من
خلال معالجة وتحليل خبراتنا الحيوية.
بصورة ما، ستجعلنا تلك المعلومات المحفوظة خلال "حيواتنا"
خالدين.
هل يمكن نقلها إلى أجسام جديدة؟
هل تتراكم، جنبا إلى جنب معلومات أخرى، وتعطي المجال لظهور ذكاء متنامي
القدرة والكمال؟
على اعتبار أن الكون يتطوّر، تظهر الحياة ولاحقاً الروح ..
جرّاء وجود ارتباط بين المادة والطاقة، تظهر
وقائع بارزة بمستوى تنظيميّ أكبر من السابق، والتي تتوقف على العمل الجيّد
للإرتباطات الأدنى، لكنها أكثر تعقيداً، قويّة وذاتيّة الاكتفاء.
لا تختفي الوحدات الدنيا، بل تستمرّ على حالها، بشكل حرّ، أو تحاول
الإشتراك بإرتباطات تسلسليّة أعلى.
يمتلك الزمن، بكل هذه العمليّة، دوراً راسخاً؛
فنحن إزاء حادث تطوريّ، مقابل تغيُّر المادة والطاقة الكونيّة.
هكذا، تُشكّل الجسيمات دون الذريّة الذرّات ذات التعقيد الأكبر؛ وتُشكّل
الذرات الجزيئات؛ وتُشكل الجزيئات أجسام أعقد، واعتباراً من هنا، يمكنها تشكيل
بُنى حيّة، فبهذا، ظهر الحمض النووي الريبوزي (إر إن إي) وصيغته اللاحقة الأكثر استقراراً الحمض
النووي الريبي منقوص الأوكسجين (دي إن إي) وهي أساسيّات في الكائنات الحيّة.
تنتظم الجزيئات الضخمة (الماكروجزيئات) وفق مُورّثات (جينات)، والتي تشكّل
وحدات معلومة المادة الحيّة، والتي بدورها، تسمح بانتشار هذه المادة ونموها، وينبع
هذا من قدرتها على التكاثر (التضاعف).
كذلك، تقوم بتسجيل وتخزين المعلومات البيئية بهدف تحقيق التكيُّف الأفضل مع
الأماكن المتواجدة فيها، أي "حيث تعيش".
من جانب آخر، تمتلك الجزيئات الضخمة، تلك، إتجاهاً بمرور الزمن، وبحيث
تخزّن معلومة أكثر:
إلى النموّ بالحجم، للإرتباط مع جزيئات
وماكروجزيئات أخرى (بروتينات، دهون، سكريات،.... الخ)، وبالتالي، إلى خلق بُنى
حيّة أكثر تعقيد على نحو متزايد، هل بسبب حماية نفسها من البيئة والاستمرار بسهولة
أكبر؟
(كتاب المورِّثة الأنانيّة لريتشارد داوكينز).
هكذا، تُولّد العضيّات والخلايا، والتي تشكّل بوقتنا الراهن وحدات الحياة
الأكثر وضوحاً.
ويمكن لهذه الأخيرة (المقصود الخلايا) التمتُّع ببنية أبسط، مثل البكتريا،
أو ذات بُنى أكثر تعقيداً، كالخلايا الأخرى كما في الحيوانات والنباتات
والفطر.
وبمضي الزمن، والكون بحال نموّ وتطور، تظهر وحدات حيّة جديدة أكثر
تعقيداً.
يحدث هذا في حال توفّر أماكن، تجتمع فيها الظروف الضروريّة للحياة، ما يعني
كواكب من نوع أرضيّ (على الأقلّ، كما نفهمها نحن الآن).
فيما لو تستمرّ تلك الظروف المناسبة بمرور الزمن في الكوكب، تنمو الحياة
وتنتشر، فتولّد صيغاً معقدة بشكل متنامي، تنتظم الخلايا بأجسام عديدة الخلايا،
أقوى وأعقد، وهذه الكائنات بدورها تتعقّد كل مرّة أكثر؛ ويصل الوقت الذي به،
تُطوّر كائنات لعضو مميّز، هو الدماغ، والذي يتفوّق على المُورِثات (الجينات)
بالقدرة على تخزين وعلاج المعلومة البيئيّة، وبه، تسمى تلك الكائنات بالحيوانات،
بالرغم من احتياجها لكائنات حيّة أخرى وغير حيّة للإستمرار، فإنها تُصبح كل مرّة
ذات اكتفاء ذاتيّ أكبر، وتسيطر على بيئتها بشكل أفضل.
تظهر الثدييات، والإنسان واحدٌ منها، والذي يبلغ القدرة القصوى بالاكتفاء
الذاتيّ والتحكّم البيئيّ.
تظهر في حياة الانسان قضايا مثل الوعي والحياة الروحيّة.
هل يحصل شيء شبيه عند حيوانات أخرى معقدة، حتى لو بدرجة أقلّ؟
على الأرجح: نعم، وستتوقّف الدرجة على تعقيدها ونموها الدماغيّ.
تمتلك الحياة الظاهرة، أساسها، في الدماغ وفي نشاطه العصبيّ.
العصبونات، عبارة عن خلايا متخصصة جداً، تترابط في عضو كهذا (الدماغ)،
وتُقيم اتصالات فيما بينها، عبر الدارات العصبيّة، كقاعده للوظائف الدماغيّة
العليا:
كالذاكرة، المُحاكمات الذهنية، التعليم، الذكاء،
العواطف،...... الخ، وتُؤسس كل تلك الأشياء للحياة الروحيّة.
ما يعني، تُعبّر تلك "الحياة الروحية الظاهرة" عن نفسها حصرياً
عبر القاعدة الدماغيّة، فيما لو لم يتم إثبات العكس، وتتشكل، بدورها، من وحدات
حياة دنيا، كالخلايا العصبونيّة، التي تتخصص وتترابط لتوليد صيغة الحياة الجديدة
هذه.
العصبونات، الخاضعة للتحفيز البيئيّ، تزيد من تفرعاتها وتُقيم نقاط تشابك
عصبيّ (اقتران صبغي) أكثر فيما بينها، ما يعني انتشار الدارات العصبية مع المحفزات
البيئيّة.
وهذا، سيؤدي لظهور نظام حيويّ لتخزين المعلومة أسرع من النظام الجينيّ،
لكنه أقل استقرار، حيث ينتقل ثقافياً، من جيل لجيل وليس عبر الجينات، بالرغم من
أنها وبمرور الوقت، ستُظهِر أدمغة قادرة وفعّالة بصورة متنامية.
ربما تخيلت، أو حلمت حلم يقظة، بأنّ القفزة
الكبرى، ستتحقق بفصل تلك الحياة الروحيّة الظاهرة عن قاعدتها الحيويّة
الدماغيّة.
برأيي المتواضع، المادة لا تفنى بل تتحول .. بديهية علمية اليوم .. صحيح؟
بحسب الأديان الإبراهيمية:
تسكن الروح في الجسد، وتُفارقه لحظة الموت .. فإن تكن شكل من أشكال الطاقة، فهي لن تفنى، وما ينطبق على المادة ينطبق عليها!
أما إذا اعتُبِرَتْ شيئاً ما ورائياً متسامياً عن الوجود ومرتبطاً بكائنات ماورائية:
فهي عبارة عن شيء غامض غير مفهوم ولا يمكن التعامل معها عقلياً ومنطقياً؛ بل عاطفياً ومزاجياً
واستنسابياً!
لا فرق، بالعمق، بين موت أيّ كائن حيّ وآخر؛ سيحدث تدوير واقعيّ منطقي
لمكونات الجسد.
مفهوم الإفناء والإبادة عن بكرة الأب، سيما الوارد منه في الكتاب المقدس والقرآن، هو أقرب للخيال منه إلى الواقع .. فالمادة لا تفنى .. بل تتحول وتتغير!
يتبع
تنويه: مصادر الموسوعة كاملة في الجزء الأوّل
للإطلاع على باقي الأجزاء
الموسوعة الإلحادية (1) إعداد: أحمد فاسم الحاج إبراهيم - مُقدِّمة
الموسوعة الإلحادية (2) متابعة المُقدِّمة
الموسوعة الإلحادية (3) تعريف الإلحاد
الموسوعة الإلحادية (4) متابعة تعريف الإلحاد
الموسوعة الإلحادية (5) متابعة تعريف الإلحاد
الموسوعة الإلحادية (6) ما يقوم الإلحاد به + شبح الإلحاد
الموسوعة الإلحادية (7) ذهنية المُلحِد + الوصايا الإلحادية العشر
الموسوعة الإلحادية (8) لماذا يتحدث المُلحِد كثيراً حول الأديان والآلهة
الموسوعة الإلحادية (9) الإلحاد وتاريخ من الكفاح الطويل
No comments:
Post a Comment