4
حتى أنا لم أطق أن أبقى أخرساً وسط هذا الضجيج؛ لم أرغب بالبقاء صامتاً ضمن هذا المشهد؛ لهذا، قرَّرتُ تحريك جرّتي وفق إستطاعتي. لا رغبة لي بكتابة تاريخ ولا قصّة ولا بمحاولة تقديم سرد للوقائع؛ فلا أتمتع بالشجاعة الكافية للقيام بهذا الأمر؛ لهذا، لا تخشى شيئاً من هذا القبيل لديّ؛ فقد إنتبهتُ للخطر الناشيء عن دحرجة هذا الشيء على الصخور، سيما أن يكن هذا الشيء جرّة صغيرة فخارية متقصفة كالتي لديّ؛ فقد تتهشم لدى إرتطامها بحصى صغيرة، وأجدني مُضطراً للبحث عن قطعها المتناثرة هنا وهناك.
يا هل تُرى، ما الذي يتوجب عليَّ القيام به؟
فكيف أسهم في حرب دون تعرضي للمخاطر، وأنا بعيد عن وغاها؟
سأشرح لك هذا الأمر:
سأتخلى عن الضبابيات والتلوُّنات وعن الإهتمام بكتابة التاريخ بحكمة، وبهذا، سأُقدِّمُ نصائح وقواعد بسيطة لكاتبي التاريخ، وهكذا، أساهم معهم بالبناء، دون وضع إسمي بين أسمائهم، أي أنني أقارب الموضوع من بعيد.
5
مع ذلك، لا ترى غالبيتهم أيّة حاجة للنصح هنا:
فربما هناك فنّ النقاش، النظر، أو تناول الطعام؛ فكتابة التاريخ أمر سهل للغاية، تظهر بشكل طبيعيّ، هي موهبة كونيّة؛ فما هو ضروريّ هو إمتلاك القدرة على ترجمة أفكارك إلى كلمات.
لكن، في الواقع – أنت مُدرِك لصعوبة تصنيف التاريخ، صديقي القديم – هي مهمة لا يجب القيام بها بخفّة، أو القيام بها دون بذل الجهد اللازم؛ كلا، فهي تحتاج للكثير من الدقة والعناية وإمتلاك الأرضية المناسبة، سيما لدى الراغبين بخلق "مادة نوعيّة طويلة العمر"، كما يقول المؤرّخ ثوقيديدس. حسناً، أعرفُ أن كثيرين منهم لن يسمعوني، بل سيشعر بعضهم بالإهانة حتّى – سيما أولئك الذين أنهوا وأنتجوا عملهم؛ في حالات الحصول على القبول (تصفيق الجمهور) لأوّل مرّة، فمن الحماقة توقُّع أن يعمل المؤلفون على إعادة الصياغة أو التصويب؛ أليس مختوماً بشكل نهائيّ؟ ألا يُشكِّل العمل وثيقة على مستوى دولة؟ مع هذا، يمكن أن يستفيدوا من كلماتي؛ فمن غير المحتمل أن يُهاجمونا من جديد؛ فلقد تحررنا من جميع أعدائنا؛ لكن، ربما هناك حرب قوطية – كلتية أو بلخية – هندية؛ بالتالي، يمكن تحسين تكوين أصدقائنا من خلال تطبيق مقياسي – متى إعترفوا بدقته؛ في حال تعذُّر هذا، دعهم يطبقوا مقاييسهم وفق قاعدة القدم القديمة؛ لن ينزعج الطبيب كثيراً جرّاء لعب جميع سكان أبديرة مأساة أندروميدا.
6
للنصيحة نطاقين – نطاق الإختيار ونطاق التجنُّب؛ دعنا نُقرِّر ما الذي يجب على المؤرِّخ تجنبه – من أيّة أخطاء عليه أن يُحرِّر نفسه -، ثم ننتقل إلى الإجراءات التي يجب أن يتخذها ليسير على الطريق الصحيح. سيتضمن هذا الطريقة التي يبدأ بها، الترتيب الذي يحشد حقائقه وفقه، قضايا التناسق، الكتمان والحذر، السرد الكامل أو السطحي، التعليق والإرتباط.
يتم التطرُّق إلى كل هذا، مع ذلك، بوقت لاحق؛ الآن، نتعامل مع العيوب الصادرة عن كُتّاب زائفين.
أما نقاش عيوب الإملاء والإنشاء والمعاني ونقص الخبرة العامة، وهي شائعة بكل أنواع التأليف، فهو غير متوافق مع إهتمامي ولا يتصل بمقصدي.
7
لكن، هناك أخطاء غريبة في تدوين التاريخ؛ ستُبيِّنُ ملاحظتك لك، فقط، ما قد أدهشني من خلال متابعتي الحثيثة لما يصدر عن أولئك المؤرخين؛ عليك الإصغاء جيداً في كل مناسبة.
مع هذا، من المناسب الإشارة إلى بعض تلك الأشياء العائدة لتاريخ قريب.
هنا، لدينا خطأ جسيم سنبدأ التكلُّم حوله:
هناك عادة مُتكرِّسة متمثِّلة بإهمال التدقيق بالوقائع وتفحصها، وإعطاء هامش كبير لمديح القادة العسكر والمدنيين؛ فأولئك، من جانبهم، ينطربون بهذا المديح ويرتفعون للسماء، في الجانب الآخر، لا إهتمام بالإنتهاكات.
ينسى أولئك بأنّه بين التاريخ والمديح هناك فجوة ساحقة ثابتة، يحجب أو يمنع التواصل؛ بكلمات موسيقيّة:
التاريخ والمديح عبارة عن زوج منفصل من السلالم: الجواب (الأوكتاف).
للمديح غرض واحد فقط – الإعجاب والثناء لموضوعه بشكل أو بآخر؛ إن يخدم التشويه مقصده، فلا إعتراض لديه.
يمقتُ التاريخ، في المقلب الآخر، كل شكل من أشكال الزيف والكذب؛ هو مثل القصبة الهوائيّة عندنا، التي لا تسمح بمرور أيّة
لقمة تائهة، بحسب الأخصائيين في الطبّ.
يتبع
المصدر
مواضيع ذات صلة
No comments:
Post a Comment