17
ربما يتوجب عليه وضعه بمرتبة مؤرِّخ فلسفي؛ سأتكتم على إسم هذا السيِّد، وسأشير لموقفه فقط، كما بيَّنَ منشور حديث في مدينة كورنث.
جرى توقُّع الكثير منه، لكن، ليس بما فيه الكفاية؛ بالبدء مع أوّل عبارة في المقدمة، يعرض تعليماً جدلياً على قرّائه، هي أطروحة فلسفية من الطراز الأوّل، ولا أحد يجب أن يكتب التاريخ سوى فيلسوف.
يطرح نقاطاً متتابعة ذات طابع جدليّ وتتسم المقدمة كلها بالجدل.
هناك تملُّق ومُداهنة، علاوة على ذلك، يستخدم مغالطة إطالة النقاش حتى هجرانه بالإضافة إلى المديح المبتذل إلى درجة المهزلة؛ لكن، بلا زركشة منطقية حتى؛ فهناك التعليم الجدليّ دوماً وأبداً.
أعترفُ بأنّ الإبتذال قد طالني حتّى، لا يليق بفيلسوف، ذو لحية طويلة رمادية اللون، إعطاء خُلاصات في مقدمة، يجب أن تُترَك للقرّاء ليتوصلوا إليها بأنفسهم.
18
من جديد، سيُشكِّلُ إهمال شخص إستخفافاً آثماً، حين يبدأ كلامه، قائلاً:
"أتهيَّأُ للحديث عن الرومان والفرس"؛ بعد ذلك بقليل، "يقضي القانون السماوي بتعرُّض الفرس للشرور وعيشهم للمعاناة"؛ ومن جديد، "حضر أوسرويس، الذي أطلق الهيلينيون إسم أوكسيرويس عليه"، ويستمر على هذا المنوال.
يتوافق طرحه، كما ترى، مع أحد المثالين السابقين المذكورين آنفاً؛ هو هيرودوت الثاني، والآخر هو ثوقيديدس الثاني.
19
هناك فنّان آخر متميِّز باللعب على الألفاظ – من جديد، نحن أمام ثوقيديدسي أكثر من ثوقيديدس ذاته – الذي يُقدِّم، بحسب أفكاره الخاصة، التوصيف الأوضح والأكثر إقناعاً لكل مدينة وجبل وسهل ونهر.
لا أتمنى لعدوّي اللدود قراءة تلك التوصيفات.
برودة هائلة؟ ثلوج بحر قزوين، الجليد القلطي، هي أكثر دفئاً مقارنة به.
يحتاج لأكثر من كتاب كامل لوصف درع الإمبراطور – المُزيّن بغول ذو عينين زرقاوين وبيضاوين وسوداوين، ثُمَّ وصف حمالة سيف بلون قوس قزح وضفائر على شكل أفاعي ملتوية ومتربصة.
لماذا يُخصِّص آلاف الأسطر، بحقِّ هرقل، لتوصيف سروال الملك فولوغيسوس ولجام فرسه؛ وكذا بتوصيف شعر الملك أوسرويس أثناء عبوره نهر الفرات – أو توصيف الكهف الذي إستظلَّ به، وكيف منعت أشجار اللبلاب والآس والغار الضوء من الوصول إليه، حيث تنبت معاً وتخلق ظلّاً.
لاحظوا كمّ الأشياء الضرورية لكتابة التاريخ؛ فدون توصيف المشهد، كيف يمكننا فهم الفعل أو العمل؟!
20
هو العجز بمواجهة الأساسيّات الواقعيّة، أو جهل ما يمكن تقديمه، هو الذي يدفعهم إلى اللجوء لتنميق الألفاظ والتلاعب بالكلمات – لرسم – المناظر الطبيعية والكهوف وما شابه؛ وعندما يواجهون سلسلة من القضايا الهامة، يصبحون كالعبد الذي أعطاه سيِّده ماله وجعله غنياً؛ فلا يعلم ما يلبس وما يأكل؛ لحم حجل أو خبز مُحلّى أو أرنب؛ فيندفع ويُعبيء كرشه بحساء البازلاء أو السمك المُقدّد إلى أن ينفجر.
حسناً، المؤرِّخ الذي تحدثت عنه يُحوِّل أبسط الجروح إلى سبب قاتل:
فهناك من جُرِحَ أصبع قدمه الكبير ليمت على الفور؛ يصرخ القائد العسكري بريسكوس فيسقط أكثر من 27 من العدوّ صرعى من شدّة الصوت.
بالنسبة لأعداد القتلى، فهو يُزيِّفُ مضمون الرسائل؛ ففي يوروبس يُقتَلُ 70.236 من العدوّ، بينما يخسر الرومان شخصين ويُصاب سبعة بجروح!
كيف يمكن تمرير مثل هذه الأشياء، لا أعلم صراحة.
يتبع
المصدر
مواضيع ذات صلة
إشراق لوقيان السميساطي الإرتيابي
No comments:
Post a Comment