4.
الفينيقيُّون في غرناطة
1.4
فينيقيّون في الداخل الغرناطيّ
صحيح أنّ
الفينيقيين قد أبدوا إهتماماً خاصاً بالمناطق الساحلية، لكن، لأحل تحقيق الحدّ
الأدنى من الإكتفاء الذاتي الغذائي، إحتاجوا إلى أراضي داخلية لأجل الزراعة ورعاية
الماشية، بحسب تامار هودوس، التي قالت في هذا الصدد، الآتي:
"في
إسبانيا، أُثبِتَ بأنّ المواقع الفينيقيّة بمنطقة مالاغا الراهنة قد تخصصت
بالإنتاج الزراعي لإستهلاكهم الخاص إضافة إلى الإتجار بالمنتجات الزراعية، حيث لم
ترتبط تلك المنطقة بسهولة مع المناطق الإسبانية الاخرى الغنية بالمعادن. يشير
الكمّ الهائل لبقايا عظام الثيران بموقع توسكانوس (مالاغا) إلى أن تربية الماشية
قد جرت لتلبية الإحتياج الغذائي البشريّ إضافة لإستعمال هذه الماشية في الجرّ، وهو
ما يوحي بصورة غير مباشرة بوجود ممارسات زراعية على طول نهر بيليث، فيما يُثبِتُ
السجِّل الحيواني الأثريّ بموقع ثيرُّو ديل بيَّار حدوث رعاية كثيفة للماشية، سيما
لماشية كبيرة الحجم مثل الخنازير والأبقار، فيما توحي بقايا نباتية للقمح والشعير
وبقايا أحجار طاحون إلى حدوث زراعة كثيفة ضمن منطقة ذات قطر يبلغ 18 كيلومتر؛
كذلك، أنتجوا النبيذ وتاجروا به".
قبل تامار
هودوس، كان جون كوستر قد تحدَّثَ حول أهمية الزراعة في الحياة الفينيقيّة، قائلاً
التالي:
"بعدما أحرق الرومان الحاقدون قرطاج العام 146 قبل الميلاد، ترك أولئك
الغزاة رسالة للعالم، قد نسيها تدريجياً، مفادها: الزراعة، لا التجارة البحرية، قد
شكلت المصدر الحقيقيّ لقوّة قرطاج، التي ما إن بدأت بمنافسة روما على السيطرة على
البحر الأبيض المتوسط حتى جرى إستئصالها تحت عنوان "التطهير الإتني أو
العرقيّ". من لم يُقتَل بالحصار من القرطاجيين أو لم ينتحر، قد جرى بيعهم
كعبيد. جرى زرع حقولهم بالملح واللعنات الطقسية. جرى حرق كل أدبيات أولئك، الذين
إبتكروا الأبجدية – مع تسجيل إستثناء وحيد: إحتفظوا بثماني وعشرين كتاب حول
الزراعة مكتوبة من قبل الفينيقيّ القرطاجيّ ماغون، الذي أسماه اليونانيُّون
والرومان "أبُ الزراعة"".
كذلك، قبل جون كوستر، قد قال جان – بول موريل، التالي،
حول هذا الأمر:
"في الغالب الأعمّ من الحالات، يجري تناسي دور
الفينيقيين، والقرطاجيين، في القضايا الزراعيّة "في الزمن القديم". لقد
تحدثتُ أولاً عن أرجحية وإحتياجات الحالة المعيشية. على هذا المستوى، تنطوي
المشكلة على التمييز بين الإكتفاء الذاتيّ والإنتاج المخصص للتجارة. مثال راهنيّ
لافت للإنتباه راهناً، لكن، يلفه الغموض، هو الذي توفره مطاحن الحبوب والدور
المحتمل للفينيقيين القرطاجيين بإبتكارها ونشر إستعمالها. يمكن أن تشكل تلك
المطاحن جزءاً من التجهيزات العادية للمنزل، لكن، يمكن إستعمالها لإنتاج مخصص
للبيع أيضاً: فلقد صدَّرَ الفينيقيُّون الطحين إلى أثينا بحدود القرن الخامس قبل
الميلاد. بالتالي، يظهر سؤال حول عمل تجاري محض أو إقامة وعيش دائم "تمسك
بالأرض" (هنا، أستعمل صيغة لكارلوس غونثاليث فاغنر وخايمي آلبار في دراستهما
حول الفينيقيين في الغرب: الإستيطان الزراعي مع عنوان مثير بصورة مزدوجة!):
"يتحول التمسك بالأرض إلى عنصر أساسيّ في المواقع الفينيقيّة، إلى جانب
إستغلال الموارد الزراعيّة المحلية". ربما حدث إنتقال التقنيات على يد
الجماعات المحلية المتوطنة، التي قد إشتغلت لصالح الفينيقيين كما هو مفترض. بأيّ
حال، كما يحدث عادةً في هكذا ظروف، لم يؤثر هذا الإنتقال بعمق على المجتمع المحليّ
فقط، بل بدا تأثيره على "مركز السلطة" قوياً لدرجة الإضعاف وهو ثابت
متوسطيّ حتى ضمن أدنى الإمبراطوريات، سواء على مستوى الصناعة كما على مستوى
الزراعة - نعرف بانّ هذه المشكلة قائمة في زمننا هذا حتّى".
إعتباراً من القرن التاسع قبل الميلاد، ظهر تأثير واضح
داخل منطقة غرناطة، قد شكَّلَ هذا إشارة على تأسيس موقع فينيقيّ في منطقة
ألمونييكار الحالية، والتي تعتبر ذات موقع إستراتيجي متصل بمنطقة البيغا الزراعيّة
الغرناطيّة.
وجب أن يُشكِّل هذا سبباً رئيسياً بتأسيس موقع صكص أو
صكصي (الإسم الفينيقيّ لألمونييكار الإسبانيّة الراهنة على الساحل الغرناطي
المتوسطي)، ولعلّ ما يعكس إزدهار هذا الموقع هو بقايا المقبرة الفينيقيّة في موقع
لاوريتا، أي على طريق توريد الملح من مناجمه في الملّاحة، غالباً، إلى صكص لأجل
تحقيق عملية تمليح اللحوم والأسماك الشهيرة.
تعكس التواريخ، الآتية من دراسة جيولوجية لتراصف صخور
موقع ثيرُّم دي لا مورا، جيداً الحضور الفينيقيّ ومنذ القرن التاسع قبل الميلاد
داخل المنطقة الداخلية الزراعية الغرناطية أي البيغا. وجب أن يلعب موقع ثيرُّو دي
لا مورا دوراً رئيسياً في آليّة التواصل التي حضرت بين المواقع وقتها. يبدو توزيع
مراكز الغرف والإنتاج والدفاع مُطابقاً لتشكيل تابع للمركز الفينيقيّ على الساحل
المتوسطي، حيث تشكَّلَ موقع مركزيّ، شبيه بعاصمة، قد وزَّعَ وصنَّعَ منتجات أجنبية
ومحلية، وبذات الوقت، قد شجَّعَ على نشر صيغ ثقافية جديدة صانعة للتغيير.
تحكَّمَ موقع ثيرُّو دي لا مورا بمدخل الطريق الموصل إلى
البيغا ديل خينيل (المنطقة الزراعية الداخلية الغرناطية التي يرويها نهر الخينيل)،
حيث يجري نهر كاثين. (موراليدا وثافايونا).
في الطريق الذي يصعده نهر الخينيل، الموقع الهام التالي
هو ثيرُّو دي لوس إنفانتيس (بينوس بوينتي)، حيث يجري التحكُّم بإلتقاء نهري
الكوبيَّاس بنهر خينيل. موقع التحكُّم الثالث الهامّ ببيغا غرناطة وبحوض نهر
الخينيل هو وصول نهر الدارُّو في غرناطة المدينة ذاتها، وليس ضمن حيّ البايثين
فقط، حيث جرى العثور على جرار وأطباق طينية حمراء بموقع كروث ديل نيغرو أو على
مرجل ثلاثي القوائم ويعود لبدايات القرن السابع قبل الميلاد على الأقلّ.
على الأقلّ، إعتباراً من منتصف القرن السابع قبل الميلاد
إلى بدايات القرن السادس قبل الميلاد، يتضاعف حجم حضور المنتجات الفينيقيّة في
البيغا الغرناطية (المنطقة الزراعية الخصبة الداخلية بمدينة غرناطة) بسياق حضور
سلسلة من المواقع الفينيقيّة متوسطة الحجم.
بموقع المانثانيل (بلدة لوخا اليوم)، عثروا على مصباح
ثنائيّ بشعلتين أو بفتيلي إشعال.
بموقع ثيرُّو دي لوس كاستيُّونيس (أويتور تاخار اليوم)،
عثروا على جرار فينيقيّة متنوعة.
بموقع سييرا إلبيرا (أتارفي اليوم)، عثروا على جرّة
فينيقية مُحتملة.
بموقع إلثيرُّو دي لا أتالايا دي كويستا دي لوس تشينوس
(غابيا الكبرى)، عثروا على أطباق طينية حمراء وجرار متنوعة.
بموقع إلثينو دي لا أتالايا دي لوس باريوس (الملاحة)،
عثروا على جرار وأطباق طينية حمراء، إضافة إلى مرجل ثلاثي القوائم ومقبض إناء
محتمل بموقع كروث ديلنيغرو.
بموقع إلثينو ديلبالنياريو (الحماة)، عثروا على خزف مطليّ ومقابض آنية مزدوجة. ضمن هذا السياق، من المهم الإشارة إلى بدء تصنيع الجرار الفينيقيّة في أفران خاصة بموقع ثينو دي لا مورا والثينو دي لوس إنفانتيس، رغم أنّه في هذا الموقع الأخير قد ظهر قسم من آنية جنائزية وتعود لموقع كروث ديلنيغرو وفي الطبقة المؤرخة بالقرن التاسع قبل الميلاد أو بنهاية المرحلة الخامسة من القسم 23 بالتنقيب الأثريّ.
في الجنوب الغربي لغرناطة، يحتفظ موقع لا ميسا دي فورنيس ببنى أثرية دفاعية قوية للغاية. يعكس السور، كما البقايا الأثرية الفينيقيّة، الدور الهام لهذا الموقع في الطريق الموصل لقلب الأرض الزراعية الخصيبة الغرناطية (البيغا).
هكذا، تفسر التواريخ الأبكر حضور أوائل الإتصالات الغرناطية مع العالم
الإستيطاني عبر الطرق التي ربطتها بالمصانع المتوسطية الساحلية الفينيقية. عملياً،
تحكَّمَ موقع لا ميسا دي فورنيس بالطريق التجاري الفينيقيّ بين مرفأ فريخيليانا
والأرض الزراعية الخصيبة الغرناطية الداخلية أو البيغا.
يتبع
المصادر
- Tamar Hodos - A PHOENICIAN PAST AND PRESENT - On
Phoenician expansion
- John Koster, Mago: Father of Farming, Winter
2011-2012
https://www.mofga.org/resources/farming/mago/
-
Quelques remarques sur l’économie phénico-punique dans ses aspects agraires, Jean-Paul
Morel. ACTAS
DEL IV CONGRESO INTERNACIONAL DE ESTUDIOS FENICIOS Y PÚNICOS Cádiz, 2 al 6 de
Octubre de 1995. VOL. I. Servicio de Publicaciones Universidad de Cádiz - CÁDIZ
2000
- El
bronce final y la protocolonización en la Península Ibérica. MEMORIA PARA OPTAR
AL GRADO DE DOCTOR PRESENTADA POR Juan Luis Gomá Rodríguez. DIRECTORES Martín
Almagro Gorbea, Mariano Torres Ortiz. Madrid, 2018
-
Del colonialismo y otros demonios: fenicios en el sur peninsular entre los
siglos IX y VII/VI a.C. Beatriz Marín Aguilera, Departamento de Prehistoria,
Universidad Complutense de Madrid
مواضيع أخرى ذات صلة
(1) فينيقيُّون في غرناطة – فينيقيُّون غرناطيُّون
No comments:
Post a Comment